د. محمود منسى، د. شاكر عبدالحميد ، د. حسن البيلاوى ،د. مصطفى الرزاز ، د. حمدى عبدالله استضافت جامعة 6 أكتوبر الأسبوع الماضي؛ المؤتمر العلمي الدولي "الإبداع وحوار الثقافات" بالتعاون مع جمعية أمسيا للتربية عن طريق الفن، برئاسة د.سرية صدقي ومنظمة الإنسيا الدولية التابعة لهيئة اليونسكو، وقد اختير د.محمود البسيوني رائد التربية الفنية الراحل؛ كشخصية المؤتمر. الندوة الأولي جاءت بعنوان "الإبداع وحوار الثقافات"، وأدارها د.حسن البيلاوي، الأمين العام للمجلس العربي للطفولة والتنمية، وشارك فيها د.محمود منسي أستاذ علم النفس التربوي، د.شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق، الفنان التشكيلي د.مصطفي الرزاز، ود.حمدي عبدالله المستشار الثقافي لمصر باليمن. تحدث د.حسن البيلاوي في البداية مشيرا إلي 7 مفاهيم موجودة في اسم المؤتمر وشعاره، هي الإبداع، الثقافات، الحضارة، الحوار، الفن، التعليم، السلام، مؤكدا أنها عائلة مفاهيم، لأن جميعها تتداخل وتتكامل، وأضاف: "الحضارة هي ذلك الكل المتكامل الذي نعيشه، والثقافة مجموع القيم التي يعتقدها شعب من الشعوب، ولكن وفقا لما نعيشه الآن مما يسمي "الكوكبية" وليست العولمة، فالحضارة التي نعيشها أظن أنها واحدة وليس 5 حضارات أو 10 مثلما يقول العلماء، بينما نحن لدينا ثقافات متعددة، تمثل الروافد التي تمد تلك الحضارة". وأنهي البيلاوي حديثه قائلا: "نحن في كوكب الأرض مطالبون بأن نعيش معا،لأننا نواجه مشكلات واحدة مهما تعددت الثقافات، فالحضارة واحدة، والمآسي واحدة أيضا كالمناخ والفقر والعلم وغيره، وبالتالي نحن في حاجة إلي إيجاد نظم تحقق لنا السلام علي الأرض، فبدونه لن تستطيع الحضارة الاستمرار، لأن الحضارات السابقة العظيمة التي قيل إنها انتهت، كان أساسها الحرب، ولذلك علينا أن نصفي جيوب الحروب ونتعايش جميعا وننشر السلام، ولن يفعل ذلك سوي الفن والتعليم والثقافة والإبداع، وبالتالي التنمية؛ التي هي المركز الذي تلتف حوله شعوب العالم". بينما أوضح د.محمود منسي، أن الابتكار والإبداع موضوع قديم جديد، مشيرا إلي منهجية تدريس الإبداع، التي تقوم أولا بالتعريف بالخصائص التي تميز الشخص المبدع، ثم الإبداع كعملية معرفية، مضيفا: "الإبداع يدرس منذ ستينيات القرن الماضي إلي عصرنا الحالي بأنه قدرة عامة، ولكنه قدرة خاصة، ترتبط بمجال وسياق معين، وهو نسبي حسب العمر والبيئة والثقافة، والناتج الإبداعي دائماتختلف قيمته باختلاف العصر والتطور، فالإبداع قدرة متواجدة عند كل الناس، ولكنها تختلف عند كل فرد بدرجة متفاوتة حسب استعداداته وقدراته العامة". من جانبه؛ تناول د.شاكر عبد الحميد، الإبداع من رؤية سيكولوجية نقدية، مؤكدا أن الحوار هو أساس الإبداع، فالعقل الإنساني في حالة حوار دائم مع الآخر، ولا يمكن أن يتواجد في جزيرة بمعزل عن الآخرين، وتحدث عن مربع الإبداع الذي يتكون من الشخص المبدع، الكلمة، العملية، والناتج، فتلك هي المكونات الأربع التي يحدث بينها تفاعل لإنتاج الفن، الذي يعد الطريقة الأنسب في التربية، واستطرد: "الفن هو الوسيلة الأساسية للإبداع، لأنه ينشط عمل العقل البشري، فيصبح قادرا علي فهم الحوار". استعار د.مصطفي الرزار في مستهل حديثه؛ ما قاله د.البيلاوي بأن الثقافة في قلب حضارة، وأوضح: "الحضارة الغربية تولدت منها ثقافة وتآلفت معها، ولذلك لم تكن لديهم مشكلة، أما نحن؛ فعندما استوردنا الحضارة الغربية تمسكنا بثقافتنا العربية، ولهذا نشأ صراع بينهما، وهذا هو محور أزمة الثقافة العربية وحالة اللبس والغموض التي نعاني منها، منذ قدوم الحملة الفرنسية، لأن ما قبل ذلك من التراث كان متجددا ومتمردا باستمرار". أشار الرزاز إلي أن هناك 3 اتجاهات للتعامل مع هذا الأمر؛ الأول يعتمد علي تبني الحداثة الغربية، وقد دعا مؤيدو هذا النموذج إلي تجاهل الذائقة التراثية، أما الثاني فهو علي العكس تماما؛ مناهض للغرب ومتمسك بالتراث القديم، ذو نزعة سلفية وانفصام عن روح العصر، بينما يتبني النموذج الثالث موقفا تأمليا ونقديا للتراث ولقيم المجتمع والبيئة لعمل صياغة مختلطة بين ما استقيناه من الغرب وما يمكن أن نضيفه له من التراث. وأضاف الرزاز: "الأول والثاني اتباعيان ليس بهما ابتكار أو رؤية مختلفة، بينما النموذج الثالث رغم أنه يبدو أكثر انفتاحا لأنه يتعامل مع المتغيرين، إلا أنه متأزم وغامض وتأويلي، يستخدم شعارات عشوائية ومعزول عن المجتمع، فنحن للأسف نفتقر إلي الطموح،نعتمد علي الشعارات والتقاعس عن العمل، وليس لدينا مناهج تصحيحية توفيقية دافعة". أوجز د.حمدي عبدالله رؤيته، مؤكدا أن الإبداع مفهوم ليس قاصرا علي الفن التشكيلي أو بقية الفنون الأخري، وإنما في كل المجالات، فهو متعدد الجوانب، وأضاف: "الفن تعبير وجداني، نلتقي من خلاله دائما رغم اختلافنا، وهذا ما يصنع الحوار، فالثقافات المتبادلة بين الشعوب هي أساس الحوار، وإلا ما كنا وافقنا علي روائع الأدب العالمي إن كنا محدودين أو منغلقين علي ثقافتنا، وكذلك؛ عندما نري عملا تشكيليا نستمتع به بدون معرفة الثقافة القادم منها، ولكن؛ كيف نرتقي بالحوار عن طريق القوة الناعمة؟ هذا ما نسعي إليه جميعا". ومع فتح باب المناقشة؛ تحدث د.عبد اللطيف محمود، الأستاذ بكلية التربية جامعة حلوان، موضحا أن تراجع الفن في المجتمع المصري هو سبب ظهور ما نعاني منه الآن، وأضاف: "لقد تراجع الفن أول ما تراجع في المدرسة، وفي ذلك تكمن أهمية المؤتمر الذي يطرح تساؤلا هاما: كيف يعود الفن للمدرسة المصرية كي نرتقي بالذوق العام؟ فعندما يصبح الفن راقيا داخل المجتمع سننتج مدرسا قادرا علي الإبداع ويبث ذلك في جيله". وعلي ضوء ذلك؛ كتبت إحدي توصيات المؤتمر التي تفيد بمطالبة وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي بأن تعود مكانة التربية الفنية في المدرسة المصرية، ويعود الذوق العام كعامل أساسي في عملية التربية. أبرز د.أشرف فتحي، أستاذ التربية الفنية والموسيقية بجامعة قناة السويس؛ مشكلة كبري يعاني منها بشكل شخصي منذ ما يزيد علي عشرين عاما، بأنه يتم التعامل مع الإبداع باعتباره بدعة وضلالة تؤدي إلي النار، ولذلك ترفض الجامعة أن يتطور القسم أو هيئة التدريس العاملة فيه. بينما تحدث د.أسامة البسيوني، نجل الأستاذ الدكتور الراحل محمود البسيوني؛ أن التعامل مع حصص التربية الفنية من رسم وموسيقي في المدرسة مهين جدا ولا يتماشي مع قيمتها، وأن الوقت المتاح للإبداع بها ضعيف جدا. وفي نفس السياق، أكدت د.سامية الشيخ، المستشار الدولي لجمعية إنسيا للتربية عن طريق الفن، أنه: "لابد أن نؤمن بالتربية الفنية من داخلنا، فلو اقتنع مدرس التربية الفنية بأهمية حصته لن يتنازل عنها أبدا لغيره من مدرسي العلوم أو الرياضيات". كانت د.سرية صدقي قد افتتحت فعاليات المؤتمر، بصحبة د.أحمد عطية سعدة رئيس الجامعة، د.خير الدين عبد اللطيف نائب رئيس مجلس الأمناء بالجامعة، د.تريسا إيسا رئيسة "الإنسيا" الدولية للتربية عن طريق الفن، د.صلاح خضر عميد كلية التربية بالجامعة ونائب رئيس المؤتمر، وفي النهاية تم تكريم عدد من كبار الأساتذة والمثقفين المصريين والعرب والأجانب؛ من قبل الجمعية والجامعة. وعلي هامش المؤتمر أقيم معرض رسوم الأطفال، وورشة التصوير والموسيقي، وعلي نغمات الفلكلور، شهدت ساحة الجامعة عرض "التنورة" الراقص والفني، حيث علق أحد الرسامين الأجانب » تونو تالفي « من استونيا؛ لوحة كبيرة علي سور السلم، وافترشت ألوانه المنضدة المجاورة له، ليبدأ في رسم رجل التنورة الذي يرقص إلي جانبه، وهو في تمام الانسجام مع الموسيقي والحركة.