لعل واحدا من المعارض المهمة التي اعتمدت أيضا في جوهرها علي روح التراث العربي هو معرض الفنان التشكيلي المصري د. سمير عبد الفضيل المدرس بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا والذي استضافته جامعة نورث كارولينا الأمريكية، حيث سافر الفنان لتقديم أعماله وكذلك للحديث أمام الطلبة عن الحرف والكلمة العربية كقيمة شكلية . ضم المعرض 24 لوحة مقاس 60في 80سم، وقد قوبل باهتمام كبير من الأساتذة والطلاب الذين سعدوا للتعرف علي أعمال قادمة من حضارة أخري . يقول الفنان : كانوا هناك دائمي الأسئلة عن كل جزئية في الأعمال وانتهي المعرض بورشة فنية للطلاب وبعض الأساتذة تناولنا فيها طريقة الكتابة في اللوحة وأيضا ليونة وجمال الكلمة العربية، وأضاف : قدمت أيضا محاضرة أشرح فيها أعمالي مقارنة بأعمال أهم فناني أمريكا الذين استخدموا الكلمة والحرف في أعمالهم وكيفية استخدام النص الشعري في أعمالي وتكلمت عن كيفية التفكير في العمل بداية من قراءة نص شعري وتجهيز اللوحة وكيفيه الاهتمام بتجهيزها حتي الرسم والتلوين. بدأ اهتمام الفنان سمير بتجربة توظيف الكتابة العربية منذ فترة طويلة عندما كان مقيما بألمانيا للدراسة وإعداد رسالة الدكتوراه، حيث اكتشف الأهمية الفنية للكتابة العربية. فبسبب ضغوط الاغتراب والإلحاح الثقافي الغربي، احتاج الفنان في هذه الظروف إلي التأكيد علي هويته ونزعته القومية والتراثية، مع الاستجابة الذاتية لتجربته الحديثة في إعطاء معني آخر، وبعدا جديدا للحرف الهجائي العربي، معني قد يبتعد عن المعني اللغوي المتعارف عليه، ويتجاوزه إلي آفاق تشكيلية بصرية بحتة. وقد خرجت رسالة الدكتوراه تحت عنوان "الكتابة كلوحة في أعمالِ الفنانين الغربيينِ والعربِ في النصف الثاني من القرنِ العشرينِ" حيث يوحي العنوان بالعلاقة بين الحروف والأشكال البصريّة الأخري ،أو بين الكتابة والفنون المرئيّة، والنّصّ الذي يظهر أحيانًا ولم يكن مقروءًا. أن الفنان في أعماله يحشد ما يمكن أن تحشده عملية الكتابة نفسها بصعود كلماتها، وحروفها، ونزولها، وبالتواءاتها، وتمازجها، وتعرجها، من خلال مخزون ثقافي يستطيع من زاوية بصرية أن يمنح القصيدة بعدا جديدا بعد أن كانت أثراً أدبيّاً. يقول الفنان : إن مسيرة الحرف العربي شهدت محطات كثيرة أغنت الحرف وأثرت في هذا الفن من زوايا مختلفة ولأغراض مختلفة، وعالم الحرف هو تعامل مع عنصر تجريدي، أو علي الأقل ليس تشخيصيا، ولوحة الخط لوحة سطح لا لوحة فراغ، ولها آلية بناء مختلفة وبعض التجارب الحروفية اتجهت إلي التوفيق بين لوحة الحرف واللوحة التشكيلية وإيجاد تكامل بينهما. من هنا لا يمكن اعتبار الحرف مجرد علاقة لغوية فحسب، بل إنه نقطة الوصل من العالم المرئي وحيز الوجود إلي عالم الفكر والتخيل. هنا لعب الفنان علي ديناميكية الحرف وقوة الأشكال وحضورها، ومن ثم إعادة تشكيلها دون الخروج عن نظامها البصري العام ، فعمله مد جسرا بين الماضي والحاضر. وقد جنحت بعض تجارب الفنان كثيرا إلي تجريد الكلمة واستخدامها كمفردة بصرية رمزية وتحويلها إلي موجة لونية أو حساب هندسي لوني دقيق يجسد التردد النغمي اللوني، أو الصدي اللوني العالي الذي يختلط فيه الصوت مع صداه، ويلعب اللون وملامس السطح الخشن في العمل دورا مهما لتوصيل المعني التعبيري في العمل. يقول عبد الفضيل : إن الفنانين العرب المُعاصرين، كانوا يَستعملون كتابتهم اليدوية التلقائية الخاصة في البعض مِن أعمالهم بهدف استعمال الكتابة كعنصر تصميمِ أَو عنصر في التراكيب العامة في اللوحة، وأصبحت الكتابة هي العنصر الغالب في اللوحة. فكانت الكتابة عنصر دٌمْج مع مكوّناتِ اللوحة الأخري، وبذلك يَجْتمعَ اثنان من العناصر المختلفة، الاول اللوحة والآخر الشعر (أي الكتابة). هذه الأعمال نتجت من الاندماج المبدعِ للفنون، وإنتاج تجربةِ ثقافية وفنية بين هذين العالمين المختلفين وهما الكتابة والتصوير. وقد اقترب الفنان منذ دراسته من "مادية" اللوحة، متعرفاً علي أدواتها الخاصة، مازجاً، علي سبيل المثال، الألوان الاكليرك وعجينة الورق ومواد أخري يستعيرها من المحيط علي القماش، ثم يقوم بعد ذلك بالعمل عليها بالألوان الزيتية أو الاكليريكية. حيث يعمل الفنان علي إبراز حساسية السطح التصويري، أي غني نسيجه اللوني، وهنا يستطيع الفنان النفاذ من الدلالة اللغوية المحضة إلي دلالة رمزية أو روحية.. وعبر مشوار فني وأكاديمي حافل قدم الفنان سمير عبد الفضيل العديد من الأوراق البحثية المعنية بهذا الموضوع كان من بينها "البعد التعبيري للكتابة من خلال ملامس السطوح واللون كمدخل تشكيلي معاصر في التصوير الزيتي"، و"جماليات تشكيل كلمات القصيدة في البناء الهندسي والعضوي" وكذلك :العلاقة التكاملية بين المنظر الطبيعي والكتابة تشكيليا كمدخل يحقق الوحدة الفنية في اللوحة".. إضافة إلي العديد من ورش العمل داخل مصر وخارجها في نفس السياق.