194 طعنًا على نتائج الجولة الأولى لانتخابات النواب أمام «الإدارية العليا»    محافظ أسيوط: دراسة إنشاء أول دار أوبرا في صعيد مصر    سرب من 8 مقاتلات إسرائيلية يخترق الأجواء السورية    العراق يصطدم بالفائز من بوليفيا وسورينام في ملحق التأهل لكأس العالم 2026    وزير الرياضة يكشف ملامح منظومة إعداد البطل الأولمبي ومراحل اكتشاف المواهب    وزير الشباب والرياضة يستعرض مستهدفات المشروع القومي للموهبة والبطل الأولمبي    إصابة 18 شخصًا في تصادم سيارة نقل مع أتوبيس بالشرقية    محمد أنور يبدأ تصوير مسلسل "بيت بابي"    تطورات جديدة في الحالة الصحية للموسيقار عمر خيرت    رصاصة طائشة تنهي حياة شاب في حفل زفاف بنصر النوبة    رئيس الوزراء: محطة الضبعة النووية توفر لمصر بين 2 ل3 مليار دولار سنويا    النائب محمد إبراهيم موسى: تصنيف الإخوان إرهابية وCAIR خطوة حاسمة لمواجهة التطرف    غدًا.. انطلاق عروض الليلة الكبيرة بالمنيا    مجلس الوزراء يُوافق على إصدار لائحة تنظيم التصوير الأجنبي داخل مصر    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف المنوفية تنظّم ندوة توعوية حول «خطورة الرشوة» بالمدارس    رئيس مياه القناة: تكثيف أعمال تطهير شنايش الأمطار ببورسعيد    الرئيس الكوري الجنوبي يزور مصر لأول مرة لتعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي    صحة الإسكندرية: 14 وحدة و5 مستشفيات حاصلة على الاعتماد من هيئة الرقابة الصحية    هل يخفض البنك المركزي الفائدة لتهدئة تكاليف التمويل؟.. خبير يكشف    المنيا: توفير 1353 فرصة عمل بالقطاع الخاص واعتماد 499 عقد عمل بالخارج خلال أكتوبر الماضي    يديعوت أحرونوت: محمد بن سلمان يضغط لإقامة دولة فلسطينية في 5 سنوات    حقيقة فسخ عقد حسام حسن تلقائيا حال عدم الوصول لنصف نهائي أمم إفريقيا    محافظ الأقصر يوجه بتحسين الخدمة بوحدة الغسيل الكلوى بمركزى طب أسرة الدير واصفون    الغرفة التجارية بالقاهرة تنعى والدة وزير التموين    الهلال الأحمر المصري يطلق «زاد العزة» ال77 محمّلة بأكثر من 11 ألف طن مساعدات    الداخلية تضبط أموالاً بقيمة 460 مليون جنيه من نشاط إجرامى    بعد فرض رسوم 5 آلاف جنيه على فحص منازعات التأمين.. هل تصبح عبئا على صغار العملاء؟    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    بيتكوين تستقر قرب 92 ألف دولار وسط ضبابية البنك الفيدرالى    حكم صلاة الجنازة والقيام بالدفن فى أوقات الكراهة.. دار الإفتاء توضح    رئيس أزهر سوهاج يتفقد فعاليات التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    أمين الفتوى يوضح حكم غرامات التأخير على الأقساط بين الجواز والتحريم    إيقاف إبراهيم صلاح 8 مباريات    يضيف 3 آلاف برميل يوميًا ويقلل الاستيراد.. كشف بترولي جديد بخليج السويس    تقارير: تعديل مفاجئ في حكم مباراة الأهلي والجيش الملكي    انطلاق مباريات الجولة ال 13 من دوري المحترفين.. اليوم    تأثير الطقس البارد على الصحة النفسية وكيفية التكيف مع الشتاء    استشاري صحة نفسية توضح سبب ارتفاع معدلات الطلاق    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    التخطيط تبحث تفعيل مذكرة التفاهم مع وزارة التنمية المستدامة البحرينية    محافظ القاهرة وعضو نقابة الصحفيين يبحثان سبل التعاون المشترك    الأرصاد تحذر من طقس الساعات المقبلة: أمطار على هذه المناطق    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا..... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    وزير الصحة يوجه بتشكيل لجنة للإعداد المبكر للنسخة الرابعة من المؤتمر العالمي للسكان    نصائح هامة لرفع مناعة الأطفال ومجابهة نزلات البرد    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    براتب 9000 جنيه.. العمل تعلن عن 300 وظيفة مراقب أمن    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل بظهر الغيب
نشر في أخبار الأدب يوم 30 - 01 - 2016

منح الأديب "يحيي حقي" بطله لمصلحة البريد التي حمَّلته الأمانة في حقيبة صغيرة، يعلِّقلها علي كتفه ويجوب بركوبته القري والكفور، يوزع أظرفًا مغلقة، لكن بمجرد تسليمها للمرسل إليه، يدرك "البوسطجي" من ملامحه وأفعاله ما كان يحمله له: هناك جوابات تُفرح الناس، وأخري تفعل العكس، يتنهد البوسطجي وربما يتفكه بما علي الأظرف المتبقية من أغلاط الإملاء والعناوين متمتمًا: الحقيبة أكبر من حجمها، الحقيبة مستودع أسرار...
داخل المحل ذي الفترينات الزجاجية الوثيرة توقفت يد الشابة العشرينية عند حقيبة نسائية بيضاء، تحب اللون الأبيض كما يريحها أنه لا يستلزم ثيابًا شديدة التحديد، راعت حجم وعدد الجيوب والثنيات، بالإضافة لشرطها الخاص: جيب سري لا يمكن لأحدهم اكتشافه، صغير يكفي لشريط الحبوب، أما الواقي الذَكري فلم تعد تبتاعه، اشترطت أن يكون علي "الزبون". تدفع الثمن وتستلم حقيبتها وتخرج، تجفل من صوت فرامل سيارة مفاجئة عند عبورها الشارع فتغمض عينيها..
يفتح غاندي "مخلاته" ويطيَّر حمامة، ظلت شريدة سنوات قبل أن تجد من يستقبل رسالتها، صار هو خلال هذه الفترة مريضًا بالفشل الكُلوي والهزال لإضرابه عن الطعام بعدما فشل العصيان المدني أن يؤتي ثماره.
مخلاة غاندي لا تختلف كثيرًا عن "بؤجة" الدمّور تحملها المرأة الأربعينية بيد وبالأخري تمسك بيد ابنتها أم ضفيرتين طويلتين وتقطعا طريقًا رفيعًا بين الغيطان في غبشة الفجر تنبههما لسعات الهاموش والعث، تتنشقا الندي ممزوجًا برائحة الروث في المشوار المرهق، وإفطار "العيش المُلدن والجبن القريش" يُهضم أثناء الطريق الذي ينتهي بافتراقهما عند باب المدرسة؛ وعندما تخرج البنت من هذا الباب ظهرًا ستجد "بؤجة" الدمور علي الباب في انتظارها ويد أمها ممدودة ككل يوم: منديل يا حاجة، منديل يا حاج.
حقيبة جوته الممتلئة بخطابات الغرام لا تناسب زماننا، بل هي متهمة بالغش، ليس غش جوته في روايات خيالية تعتصر دموع العشاق، بل غش النفس لأنه لم يعد هناك من يستحق. هذا ما أخذ يفكر به الشاب أبو نظارات طبية سميكة مرددًا:
ده زمن نيرون. لكن أبدًا ليس زمن جوته.
اعتصر نفسه لسنوات في الكتابة ثم أعادت له حبيبته أشعاره وخطابات غرامه مذيلة بنقطة النهاية، يخرج صورهما المشتركة من حقيبته الصغيرة ويمزقها ويرميها تحت قدميه، فيصرخ الشيخ الجالس علي المقعد المقابل له بالمنتزه:
حرام تكسر الورد.
ينظر الشاب للصوت فيري الشيخ يسد أذنيه بيديه متألمًا:
أما تسمع صرخاته!!
يحدق الشاب إلي مزق الأوراق بيده ويمصمص شفتيه متعجبًا:
الكِبر عبر صحيح.
مع شقشقة كل صباح ينهض الشيخ من فراشه ويعبئ الحقيبة بالسندوتشات والحلوي التي يحبها حفيده، وعندما رفع صوته وقال إنه خدع الله مِرارًا بنوايا توبة زائفة، ابتسم الحفيد فظهرت غمَّازة الحُسن علي خده وقال:
عفريت يا جدو. عفريت.
أما البنت أم ضفيرتين طويلتين التي تتلقف السندوتشات من الولد أبوشامة حُسن وتركض بين صفوف مقاعد المنتزه لتعطي نصفها لأمها السارحة بمناديل "بؤجة"الدمور، فلم تعبأ بالجد "الشيخ" ولا بكلماته.
تدلدلت الحقيبة البيضاء من علي المقعد المجاور عندما سمعت الشيخ يؤكد أن الله كان يصدق توبته كل مرة وينقذه من مصائب جمة، جذبتها الشابة في اللحظة الأخيرة قبل أن تهوي، وسَرحتْ متذكرة دعاء أمها كل يوم وهي تراها تملأ حقيبتها بالأوراق والماكياج والأمشاط:
عقبال ما تمليها حفاضات وكوافيل.
أحقا؟ أتعني هذا حقا؟
تدعو بإخلاص؟ تظنني سأتزوج مثل أي واحدة؟
مررت أناملها فوق موضع الجيب السري وتمتمت بدعاء وهي تتابع ركض الأطفال، حك الشيخ بين فخذيه وبدا متألمًا، ثم قلب الحقيبة فجأة فهوت بقايا السندوتشات علي الأرض فهمس كأنه لا يريد أن يسمعه أحد: دي كلها ذنوب.
اقترب الولد يلملم بقايا وجبته المُغبرة ويجري بينما الشيخ يشنهف بدموعه كلمات عن ندمه لأنه لم يكف عن خداع الله. وراح يهز الحقيبة ليتخلص مما تبقي فيها، ويدعو الله أن يتوقف عن دعمه حتي لا تثقل كفته الداكنة، توقف الشاب أبو نضارات عن تمزيق رسائله ضاربًا كفًا بكف، ثم نهض واقترب من الشيخ يربت كتفيه بحنان فالتقت عيناه في تلك اللحظة بعيني الشابة الممسكة بحقيبتها البيضاء، ابتسم لها، فيما كانت تتمني في نفس اللحظة ألا يأتي الزبون وأن يستجيب الله لدعاء أمها. وكانت سيدة المناديل الورقية مازالت تدور. فيما توقف بوسطجي يحيي حقي في مكان وزمان بعيد وفتح الرسائل لتسرية الوقت لكنه عجز عن إغلاقها فاشتبكت الحكايات وتداخلت المصائر.
أًغلق المنتزه الآن لأن هناك من تسلل ووضع بين صفوف المقاعد الخشبية حقيبة "نيرون". كان بداخلها قنبلة منزلية الصنع حسب خبراء المتفجرات. وجدوا بجوار الأشلاء بقايا بؤجة دمور، وعدسات طبية سميكة، وشريط حبوب منع الحمل، وورد دهمته الأقدام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.