أقام اتحاد كتاب مصر، السبت الماضي، مؤتمراً تحت عنوان "الثقافة بين التعصب والاستنارة... دورة إدوار الخراط". بدأت الجلسة الافتتاحية بكلمة الكاتبة زينب العسال، أمين عام المؤتمر، التي قالت: " من المؤسف ونحن في القرن الحادي والعشرين أن نتحدث عن التعصب فالأجدر بنا هو التحدث عن سعينا نحو التقدم لتحسين موقعنا في العالم وإلي أي مدي أفاد العالم من تقدمنا العلمي والإنساني باعتبار أن لنا تاريخا وحضارة، تلك الحضارة التي كانت ركيزة استندت إليها الحضارة الغربية. أن نتحدث عن قضايا الاستنارة فإننا نعيد إنتاج ما تم الحديث فيه فأين الجديد إذن؟ لعل البعض يجد في استعادة دور الرواد الذين لهم إسهامات عظيمة في الاستنارة والتنوير شكلا من أشكال إهدار الطاقات وعودة للوراء ولكن ماذا نفعل وكل التوقعات تفرض علينا بإلحاح أن نسلك هذا المسلك. يأتي مؤتمرنا اليوم ليقدم مجموعة من الرؤي والزوايا المختلفة المتفقة في حاجتنا الملحة إلي طرح وإعادة طرح أسئلة تمت الإجابة عليها من قبل. ما نعيشه اليوم من تعصب ناتج من الأفكار الظلامية المغلوطة التي ترفضها كافة الشرائع والأديان السماوية ومن هنا كان لازماً أن نعيد طرح الأسئلة ونسعي نحو تجديد الخطاب الديني دون مبالغة أو غلو ومراعاة لطبيعة الشخصية المصرية السمحة الداعية إلي السلام والأمان المتدينة بالفطرة". من جانبه قال الدكتور عبد الناصر حسن، رئيس المؤتمر " :في بداية حديثي أحاول أن أوظف ثقافة التساؤل فيدور هذا البحث الذي أشارك به اليوم حول ثقافة التساؤل ولعلني أحاول أن أرتب هذا في كلمات سريعة. الموجودون جميعا ها هنا يعرفون أهمية التساؤل وأن التساؤل هو الثقافة التي نحتاجها بشدة مثلما نحتاج إلي ثقافة الاختلاف. هناك ثقافات تنقصنا وعلينا النظر إليها حتي نستطيع أن ندخل في هذا العصر الجديد بمنظار جديد وبرؤية جديدة وتفتح ذهني يقظ وتصورات يمكن أن تضيف إلي المجتمع المصري والعربي. إن التساؤل سلاح في يد كل مفكر وأداة أساسية من أدوات التفكير وبدونه لا يمكننا الخوض في بناء تصور ما حول قضية ما، يجب عليّ أن أدرسها دراسة جادة وأتساءل حولها حتي أستطيع أن أقيم جدلاً علمياً خلاقاً معها ومع مثلها من الأفكار المهمة في هذا العصر علي وجه التحديد". بعد ذلك قام الدكتور علاء عبد الهادي بتكريم الروائي الراحل إدوار الخراط علي ما أعطي وأنتج من كتابات إبداعية ونقدية ساهمت في الارتقاء بالذوق العام وقد ألقي ابنه الأكبر الدكتور إيهاب الخراط كلمة الأسرة حيث قال : " أود أن أشكر الاتحاد والقائمين عليه بسب هذا التكريم. لست الآن بصدد مناقشة أعمال إدوار الخراط الإبداعية والنقدية ولكن ربما أشارك ببعض اللمحات من داخل بيته وأسرته. عندما كان في الحادية عشرة من عمره كان يذهب إلي جدتي ويقرأ عليها خطابات بعث بها أحد الجنود إلي والدته يتحدث فيها عن المغامرات والأخطار وكانت جدتي في أشد الاشتياق لسماع المزيد عن تلك الحكايات وذات يوم أخبرها أن الجندي قد مات وأرسل زملاؤه خطاباً بذلك فبكت بكاء شديداً وإذ به يخبرها بأنه هو من ألف تلك الحكايات من وحي خياله ووقتها لقي عقاباً شديداً لأن جدتي كان تظن تلك الحكايات حقيقية، هكذا هو أدب إدوار الخراط الذي يصعب عليك أن تعرف عما إذا كان سيرة ذاتية أم خيال، ويري الكثيرون استحالة أن يكون قد كتب بهذا العمق دون أن يكون الأمر سيرة ذاتية. في بعض الأحيان يكون الأمر سيرة ذاتية لكنها ليست مجرد حكي لما يحدث بل أعمق بكثير. نحن الآن في إطار ثقافة تحتوي الكثير من المسلمات التي تجاوز الحد المعقول فهي لا تمتلك الحقيقة بل تخلقها علي المستوي الثقافي والديني والسياسي والفني فلا يُسمح بتنوع الأذواق وإطلاق الخيال بشكل مستمر. أود أن ألمح أيضاً إلي ولع والدي بالقراءة منذ الصغر فكان يذهب في العطلات إلي مكتبة الإسكندرية منذ بداية اليوم وحتي تغلق المكتبة أبوابها ويظل يقرأ ثم يعود إلي البيت وقد استعار كتابين يسهر عليهما طوال الليل ويعيدهما إلي المكتبة صبيحة اليوم التالي". قامت الكاتبة زينب العسال بتكريم الناقد الراحل محمد حماسة عبد اللطيف وألقت ابنته نورا كلمة الأسرة فقالت : " لقد أمضي والدي حياته بين صفحات الكتب قارئاً وباحثاً ومعلماً وأديباً. كم تمنيت أن يكون أبي حاضراً بيننا اليوم كي يشهد هذا التكريم لعله يزيل بعضاً من شعور الأسي المرير الذي ذاقه في أواخر أيامه بعد فصله من جامعة القاهرة بعدما تناست الجامعة ما قدمه لها علي مدار نصف قرن من الزمان ولكن العلم ليس له حدود ولا تحتكره الجامعات. سيظل علم والدي باقياً واسعاً مثل البحر ينهل منه كل محب للعلم. أحمد الله كثيراً أنني وإخوتي قد نشأنا في كنفه وترعرعنا علي يديه ويسري بعض منه في دمائنا وقد وجدنا بعض العزاء في فقده فيما وجدناه من حب وإعزاز ووفاء في كل من درس علي يديه أو زامله أو حتي من قابلوه مرة واحدة". انتهت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بكلمة الدكتور علاء عبد الهادي، رئيس اتحاد كتاب مصر، الذي طلب من الحضور الوقوف دقيقة حداد علي أرواح من رحلوا عن عالمنا مؤخراً ثم ابدأ كلمته فقال: »لقد كان مشروع مجلس إدارة الاتحاد في هذه الدورة هي بدء إنشاء ببلوجرافيا بصرية لأعضائه بدء ممن جاوزت أعمالهم الثمانين وذلك من أجل حماية ذاكرة مصر الثقافية من الضياع وقد قام الاتحاد بشراء وحدة تليفزيونية صغيرة تمكنه من إنشاء هذه الذاكرة البصرية. لقد فقدت مصر جزءاً كبيراً من قوتها الناعمة علي المستويين العربي والدولي بسبب غفلة الأنظمة المتعاقبة عن أن بناء الإنسان أهم من تشييد البنيان كما كان لغياب البعد الثقافي بوجوهه المختلفة عن رؤي ثورة يناير المجيدة أثر بين في عرقلة أهداف الثورة التي نادت بمطالب أربعة كان ثلاثة منها ثقافية وهي مطالب لا يمكن تحقيقها دون ثورة ثقافية شاملة. إن أمن مصر القومي في أمنها الثقافي وأمن مصر الثقافي في أمن مثقفيها. إن واحدة من أهم الركائز للخروج مما نمر به اليوم هي إعلاء مفاهيم المواطنة وتكافؤ الفرص من خلال التصدي لكل أشكال التمييز بين المصريين جميعاً ومنع كافة أشكال التحريض ضد بعضهم بعضاً في وسائل الإعلام أو دور العبادة المختلفة والعمل علي تنقية التشريعات والمواد التعليمية والأدبية والفنية من أشكال التمييز كافة". تتالت بعد ذلك ثلاث جلسات تناولت عددا من الأبحاث المقدمة من جانب النقاد والكتاب المشاركين أمثال الكاتبة فريدة النقاش التي طالبت الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة التدخل للإفراج عن إسلام بحيري، والناقد الدكتور حسين حمودة الذي تحدث عن ملامح التسامح والتعصب في بعض الروايات المصرية، والأستاذ الدكتور عبد الناصر حسن الذي تعرض بالبحث لثقافة التساؤل وأهميتها في حياتنا. في نهاية اليوم انعقدت مائدة مستديرة حول " دور الإبداع والفن في خلق مجتمع مستنير" تبعتها أمسية شعرية أدارها الشاعر مسعود شومان.