مِن الغريب أنْ نري خلال عام هادئ نسبيَّاً مرّ بصناعة النشر، أو علي الأقل عام مرّ دون الحرب القانونيَّة الضروس التي شهدها العام الّذي سبقه، انحساراً ليس بالقليل في آداء السوق. قطعاً، عززت كُتب البالغين الملوّنة ونجوم يوتيوب مبيعات الكتب المطبوعة خلال عام 2015، فضلاً عمّا كشفته تلك المبيعات من ارتفاع طفيف، لكن لحدّ الآن توضح كل المؤشرات أنّ المبيعات بصفة عامّة (وتشمل مبيعات الكتب الإلكترونيَّة) ستنخفض، أو علي الأقل كانت منخفضة بنسبة 4.1٪- مِن 5.82 بليون دولار إلي 5.58 بليون دولار- خلال النصف الأول من العام. أكرر: نعم، ساعدت كتب البالغين الملوّنة وكتب نجوم اليوتيوب علي إبقاء الكتب المطبوعة خارج نطاق الخسارة عام 2015. ونعم، مبيعات الكتب المطبوعة مرتفعة. بالنسبة للكثيرين، يُعدّ هذا مؤشراً علي عافية النشر، لكن نظرة عن كثب تكشف أنّ انتعاش النشر علي الأرجح كان بسبب انتصار دور النشر الكُبري قصير الأجل في حربها ضد زقيام الوكالات بالتسعيرس. بعد حرب استنزاف، بكلمات أخري، ربحتها كبريات دور النشر الحرب ضد أمازون، طالبت تلك الدّور بالحقّ في تحديد أسعار الكتب الإلكترونيَّة إلي حدٍّ ما. لكن حين رفعوا الأسعار كما هو متوقّع، انصرف القراء إلي الكتاب المطبوع. إنّ الدّرس المباشر نوعاً هنا هو صعوبة استخلاص معني من بيانات سوق النشر قصيرة الأجل، بل ربّما كان مِن الأصعب، بناءً علي هذه البيانات أو حتّي اتجاهات النشر الجديدة، التكهّن بشأن ما سيجري في سوق نشر الكتاب خلال العام المقبل. سأطرح الآن سلسلة من المزاعم المتهورة بشأن ما سيجري في سوق نشر الكتاب عام 2016، دون أن أغفل ما سبق أن قلته، وبعض هذه المزاعم، سأعترف الآن، لا تستند إلا علي صرح الحدس الهشّ. لكن في البداية، هيا نلقي نظرة سريعة علي توقعاتي بالعام السابق. كما نري، صدقت فيما تنبأت به بشأن الأهميَّة المتجددة للمؤلفين الّذين يكتبون بأسماء مستعارة، وصعود مشاهير اليوتيوب، وبزوغ مارك زوكربيرج بوصفه قوة نشر، كما تكهنت أيضاً أنّنا سنري موجة من الروايات التي تحمل أكثر من اسم لمؤلف، وصحّ ما تكهنته. من ناحية أخري، أخفقت نبوءاتي بشأن ربح آبل نزاعها القضائي، وأنّ الناشرين سيضاعفون مساعيهم لبيع الكتب من خلال تويتر، وأنّ "روايات البالغين" ستسجِّل عودة قويَّة، إذْ وحدها "كتب البالغين" المطبوعة ما تحسّنت مبيعاته. الآن وقد راجعت سجلي، هيَّا ننطلق إلي 2016. كتب تؤلِّفها لجنة، وأخري تؤلِّفها حواسيب وتنشر عبر منصات النشر الذّاتي شهدنا العام الماضي زيادة في الروايات التي كتبها أكثر من مؤلِّف واحد وصعود نجم مشاهير اليوتيوب، مِمَن يعتمدون في الغالب علي اسم مستعار لإنتاج كتبهم. لكن لو ألقينا نظرة علي هذا الاتجاه، سيتضح لنا (لي علي الأقل) أنّ ما نراه ليس إلا اعتماداً أكبر علي تقسيم العمل الأدبي: ببساطة لم يعد لدينا ما يكفي من الوقت لتأليف الكتب. إنّ مشاهير يوتيوب وأسماءهم المستعارة الحاضرة ما هي إلا توسعة لنطاق هذا المنطق؛ ذلك أنّك تعتمد علي القاعدة العريضة لهؤلاء المشاهير، وتوزِّع قيمة سمعته أو سمعتها، ومن ثمّ تستدعي جهد مؤلف مغمور كي يُنهي الكتاب. إنّ تقسيم العمل بالنسبة للكتب التي يُشارك في كتابتها أكثر من مؤلِّف شديد الوضوح كذلك: أكثر من شخص واحد يقوم بتأليف هذا الكتاب. لذا سنري عام 2016 تبعات ذلك فقط، في الاتجاه نحو مزيد من تقسيم العمل- ظاهرة داميان هيرست في الأدب- بوتيرة أعلي عبر نهجين أساسيين. أولاً، سنري صعود نجم الرواية التي ألفتها لجنة أو مجموعة كتّاب، وكّنا قد شهدنا بالفعل بوادر هذا الجنون في الأدب القصصي حيث تجتمع الآن مجموعات من المهاويس الأدعياء داخل الفنادق لفبركة روايات خلال مدة لا تزيد علي خمس وسبعين دقيقة. وليست إلا مسألة وقت قبل أن تنشر وتباع مثل تلك المشاريع إلي القراء. في سياق مماثل، سنبدو علي الأرجح لا حول لنا ولا قوة مع قيام الحواسيب الآلية بكتابة روايات بتمرّس أكبر، ورغم أنّ من غير الوارد أنْ نشهد صدور أول رواية كتبها حاسب آلي عن دار نشر كبري (أو حتّي حسنة السمعة) هذا العام، إلا أنّه من الممكن أن يشهد عام 2016 مولد أول رواية كهذه من خلال منصّة نشر ذاتي- رُبّما عبر أمازون. نعم، أتوقّع مستقبلاً يؤلّف فيه حاسوب رواية من الأدب المكشوف، تخضع بعدها لبعض التعديل، قبل أن تُحقق مبيعات جنونيَّة عبر منصة أمازون للنشر الذاتي. دور نشر تعمل كشركات إعلاميَّة لا يُمكن للكتاب هذه الأيام أن يظل كتاباً فحسب، بل عليه أن يتعدّي كونه كتاباً ليصبح طريقة حياة بعض الشيء. لذلك تصبح بارنز آند نوبل علامة تجاريَّة ونمط حياة، ولهذا الهدف أيضاً تأسست مجموعة ميجاستار يوتيوب للنشر. سأراهن، بالنظر إلي أنّ النشر قد حقق نجاحاً أكبر من خلال كُتب كانت ترتبط بنجوم يوتيوب عام 2015، أنّ نموذج الارتباط هذا سينمو في السنوات التاليَّة. ابحث عن الاستثمارات المتزايدة بمشاريع كبري تستلهم شخصيات هوليوود، وابحث عن محتوي صُنِّع خصيصاً لهذا الغرض. هكذا صمم BB-8، الروبوت الفاتن الصغير في فيلم حرب النجوم الأخير، ليصبح لعبة بقدر ما هو أحد شخصيات الفيلم. سيمثِّل هذا، طبعاً، ضغطاً غير مسبوق علي نشر كتب ليست بالقدر الكافي من القدرة علي تحقيق نجاح ساحق- لكنها تحقق نجاحاً معقولاً- والتي ستستمر في طريقها نحو الاختفاء. سيواصل أمازون ابتلاع الكتب الإلكترونيَّة إنّ حدسي بشأن اعتماد النشر بدرجة أكبر علي نموذج ملتيميديا هوليوود في تحقيق نجاحات ساحقة بسبب العودة غير المتوقّعة للكتب الحقيقيَّة، ليس قويَّاً كما نحاول أن نجعله يبدو. فكما قلت سابقاً، يرجع السبب جزئيَّاً في ارتفاع مبيعات الكتاب المطبوع إلي غلو أسعار الكتب الرقميَّة؛ إذْ يستطيع القراء الحصول علي كتاب مطبوع بنفس هذه التكلفة، كما يبدو أيضاً أنّ الكتب الرقميَّة انتقلت إلي سوق موازٍ أو متوارٍ تعوزنا المعلومات الكافية لتقييمه بشكل صحيح (لأنّ الكثير من هذه الكتب الرقميَّة الجديدة لا تحمل رقم إيداع). في الحقيقة، ربما نكون قادرين علي تقديم الدليل عام 2016 بسبب الأداء السيئ لهذا السوق المتواري كما قدّرنا، وسنعرف ربّما أنّ أغلب تلك الكتب باعتها دور نشر مستقلة وصُغري- أعد القراءة: ليست أكبر خمس دور نشر- أكثر مما توقعنا من قبل. الخلاصة أنّ أمازون تنخر أكثر وأكثر داخل سوق الكتب الإلكترونيَّة. مزيد من الاكتشافات لمخطوطات ضائعة قلت من قبل إنّ أداء كتب البالغين كان لا بأس به هذا العام، في الغالب بسبب كتبهم الملوّنة وكتب مشاهير اليوتيوب. لكن هذا الأداء يرجع أيضاً، كما تكشّف لي، بسبب رواية هاربر لي "هيّا أقم حارساً". إنّ فكرة الاكتشاف غير الباهظ نسبيَّاً لهذه الرواية التي كتبتها لي أثناء عامها الثاني بالجامعة، تدفع للبحث عن دفعة أقوي للاكتشافات الأدبيَّة عام 2016. تُري من صاحب ثاني أو ثالث أو رابع رواية طال انتظارها ستري النور عام 2017؟ ستكفّ الكتب عن الزيادة في عدد الصفحات. اكتشفنا هذا العام أنّ عدد صفحات الكتب يزداد. يعتقد البعض أنّ السبب في ذلك يرجع للنشر الرقمي- فالكتب الإلكترونيَّة لا تزن أكثر لو كانت أطول- ويظن آخرون أنّه محض تحوّل ثقافي. بالنسبة لي، ولّت أيام الكتب الضخمة، وحجّتي أنّ كثيراً من القراء يتحوّلون إلي الهواتف المحمولة ولا أحد منهم يرغب في كتاب ضخم علي الهاتف. ستحلّ دعايات باعة الكتب محلّ دعايات النقّاد جاءت الدعاية المبالغ فيها لرواية جارث ريسك هالبرج "مدينة مشتعلة"، وهو الكتاب الّذي نال مراجعات متباينة، قبل صدورها غالباً من باعة الكُتب أنفسهم. بدلاً من إرسال الكتب للنقاد والروائيين لكتابة تعريف لها يُنشر فوق غلافها الأخير، يبدو أنّ النّاشرين سيلتمسون تلك الدعاية زديمقراطيَّاً من العاملين في متاجر الكُتب. المزيد من كتب التسلية كانت كتب التلوين للكبار عظيمة هذا العام، لذا انتظر منتجات مشابهة. لوِّن حسب الرقم، ربّما؟ ربّما تبدأ دور النشر في إدراج رسومات كتب الكبار داخل كتب الشباب، بناءً علي حقيقة أنّ أكثر من سبعين بالمائة من مشتريات كتب الشباب يقوم بها الكبار لأنفسهم. مزيد من التنويعات علي كتب الإيروتيكا، بما في ذلك إيروتيكا البروليتاريا ستكشف لك أي نظرة سريعة علي قائمة كتب النشر الذّاتي الأعلي مبيعاً ضخامة عدد كتب الإيروتيكا المنشورة ذاتيَّاً. إيروتيكا الأشقياء، إيروتيكا الأخّ غير الشقيق، إيروتيكا محترفي فنون القتال: وتستمر القائمة. لكن ربما تكون إيروتيكا الفتي الثري، أو إيروتيكا البليونير، أكثرهم إثارة للملل. حمداً لله، لقد بدأنا نري القليل من إيروتيكا البروليتاريا التي تصف نفسها بتكنيك أو شخصيات حثالة البيض. لن يدهشني أيضاً إذا شهدنا رواية أدبيَّة تحاكي رواية جنسيَّة. عن: Flavorwire