البورصة المصرية تخسر 90 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    بنك مصر يرعى الاتحاد المصري للتنس للعام الخامس على التوالي    أستاذ جامعي: إصلاح التعليم يتطلب تخفيض أعداد المقبولين بكليات الآداب والحقوق والإعلام والتجارة    خلال زيارتها لمصر.. مايا مرسي تستقبل قرينة رئيس دولة البوسنة والهرسك    هل تنخفض أسعار المقررات التموينية خلال مايو ؟.. «التموين» تُجيب    توريد 77283 طن قمح في كفر الشيخ    رئيس وزراء مصر وبيلاروسيا يشهدان مراسم توقيع اتفاق بين البلدين لتعزيز نظام التجارة المشتركة    الرئيس السيسي يستقبل أمير الكويت اليوم    استشهاد «حسن».. سائح تركي يطعن جندي إسرائيلي في القدس (التفاصيل)    مقتل خمسة أشخاص وإصابة العديد الآخرين جراء الفيضانات بولاية «جامو وكشمير»    وزير التعليم ومحافظ القاهرة يفتتحان المعرض السنوي وورش عمل طلاب مدارس التعليم    «بكاء ومشادة».. مفارقة مورينيو تهدد صلاح بالرحيل عن ليفربول    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة.. «سيدات الأهلي» يواجه سان دوني    الإسماعيلي يزف بشرى سارة للاعبيه قبل مواجهة الأهلي    مصرع شخص دهسه قطار الصعيد في أبوقرقاص بالمنيا    الأرصاد تكشف حالة الطقس المتوقعة اليوم وموعد ارتفاع درجات الحرارة    توقعات برج الثور في شهر مايو 2024: تحديات ومشكلات على كافة الأصعدة    إحالة حرامي الهواتف بالموسكي للمحاكمة    مدبولي: العلاقات الوثيقة بين مصر وبيلاروسيا تمتد في جميع المجالات    رئيس "كوب 28" يدعو إلى تفعيل الصندوق العالمي المختص بالمناخ    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    أسعار السمك والمأكولات البحرية بسوق العبور اليوم الثلاثاء    فالفيردي: جاهز لمواجهة بايرن ميونيخ    القيعي: يجب تعديل نظام المسابقات.. وعبارة "مصلحة المنتخب" حق يراد به أمور أخرى    عضو إدارة الأهلي: دوري الأبطال ليس هدفنا الوحيد.. ونفقد الكثير من قوتنا بدون جمهورنا    جهاز مشروعات التنمية الشاملة ينظم احتفالية لحصاد حقول القمح المنزرعة بالأساليب الحديثة    بلينكن يتوجه للأردن لبحث سبل زيادة المساعدات إلى غزة    رئيس الوزراء الفلسطيني: لا دولة بدون قطاع غزة    تتزعمها سيدات.. مباحث الأموال العامة والجوازات تُسقط أخطر عصابات التزوير    أول بيان من «الداخلية» عن أكاذيب الإخوان بشأن «انتهاكات سجن القناطر»    وفد شركات السياحة المصرية بالسعودية يكشف تفاصيل الاستعداد لموسم الحج    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    مساعد وزير الخارجية الأسبق: الجهد المصري لا يتوقف لتهدئة الأوضاع في غزة    طرح فيلم "أسود ملون" في السينمات السعودية .. الخميس المقبل    رئيس جامعة المنيا يفتتح معرض سوق الفن بكلية الفنون    مستشار زاهي حواس يكشف سبب عدم وجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن (تفاصيل)    ساويرس يوجه رسالة مؤثرة ل أحمد السقا وكريم عبد العزيز عن الصديق الوفي    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    كيف علقت "الصحة" على اعتراف "أسترازينيكا" بوجود أضرار مميتة للقاحها؟    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    "البيئة" تطلق المرحلة الثالثة من البرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة    رئيس جامعة بنها يفتتح معرض الزهور الأول احتفالا بأعياد الربيع    المهندسين تبحث في الإسكندرية عن توافق جماعي على لائحة جديدة لمزاولة المهنة    ميدو يعلق على الجيل الجديد في كرة القدم    رئيس اللجنة العلمية لمكافحة كورنا يحسم الجدل بشأن حدوث جلطات بعد تلقي اللقاح    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    أقدس أيام السنة.. كيف تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بأسبوع آلام السيد المسيح؟    «الثقافة» تطلق النسخة السابعة من مسابقة «أنا المصري» للأغنية الوطنية    طلاب النقل الثانوى الأزهرى يؤدون امتحانات التفسير والفلسفة والأحياء اليوم    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وصفه ما وتسي تونج بالقديس:
لوشون صوت المهمشين في الصين
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 01 - 2016

الأديب الصيني لوشونLu Xun (1886-1936) أو كما يحلو للكثيرين من نقاد ومؤرخي الأدب الصيني تسميته "مؤسس الأدب الصيني الحديث"، "رائد الأدب الصيني الحديث"، "عميد الأدب الصيني الحديث"، "رائد الواقعية النقدية في الأدب الصيني الحديث" و"أحد سادة الواقعية في القرن العشرين". فهو صاحب البصمة الأهم في تاريخ الأدب الصيني الحديث منذ نشر قصته ذائعة الصيت "يوميات مجنون" عام 1918، ليتم في العام التالي 1919 تأسيس مرحلة جديدة في تاريخ الادب الصيني العريق، والتي أُطلق عليها "فترة الأدب الصيني الحديث"، والتي امتدت منذ عام 1919-1949 عشية تأسيس جمهورية الصين الشعبية في 1-10-1949 وبدء فترة جديدة في تاريخ الادب الصيني، عرفت باسم "الأدب الصيني المعاصر" والتي امتدت منذ 1949- حتي الآن، مع الإشارة إلي تقسيمات أخري خلال هذه الفترة الأخيرة، أهمها ما عرف ب "أدب فترة السبعة عشر عاماً"( 1949-1966) و"أدب فترة الثورة الثقافية الكبري" 1966-1976 و"أدب الفترة الجديدة" 1978- حتي الآن.
أثني عليه الزعيم ما وتسي تونج في خطابه "حول الديمقراطية الجديدة" والذي ألقاه عام 1940 قائلاً: "لم يكن الراحل لوشون أديباً كبيراً فحسب، وإنما كان مفكراً وثورياً عظيماً." وقال :"إذا كان كونفوشيوس قديس المجتمع الإقطاعي القديم، فإن لوشون قديس الصين الحديثة". "فالطريق الذي اختاره لوشون، هو طريق الثقافة الصينية الحديثة".

لوشون، أديب صيني كبير يتمتع بحس إنساني رفيع، ترك دراسة الطب وتفرغ للكتابة، إيماناً منه بأن الإنسان الصيني آنذاك كان بحاجة ماسة للعلاج الروحي قبل علاج الجسد، بعد أن عاني لفترات طويلة من التقاليد الصينية البالية. لوشون، مبدع استثنائي تألم لأوجاع الإنسان الصيني والإنسان العادي علي وجه الخصوص، شعر بمعاناة جموع الصينيين وتعاستهم، تأثر أشد التأثر لبؤسهم وشقائهم، أبدع وكله أمل أن تتغير أوضاعهم. جعل من قلمه سلاحاً في وجه كل من يقف أمام تحرر الإنسان الصيني من براثن الماضي، ذلك الماضي الذي جعل من المرأة سلعة تباع وتشتري، حرمها من كافة حقوقها، سخر قلمه لكتابة الأعمال التي تعبر عن مأساة المرأة في المجتمع الإقطاعي، وتدعو إلي تحررها، وربط بين هذا التحرر وبين مناهضة الإقطاع والتقاليد البالية، ناضل من أجل المساواة بين الرجل والمرأة، وحرية الزواج ومشاركة المرأة في الحياة العامة، وأن تمتلك الشجاعة لتخرج من ذلك "القفص الحديدي" الذي سجنتها فيه الأفكار الصينية القديمة والتقاليد الإقطاعية - عاداً مأساة المرأة الصينية آنذاك واحدة من المآسي الإنسانية التي شغلت الأدباء في الآداب والثقافات المختلفة. وصور مأساة المرأة الصينية المثقفة (تزه جيون) خير تصوير في قصته "الجراح"، ومأساة المرأة العاملة البسيطة (شيانغ لين ساو) في "العائلة السعيدة".
كما كان الرائد لوشون من أوائل الذين اهتموا بالتعبير عن قضايا الفلاح الصيني والإنسان البسيط، الذي عاني من الفقر والجهل، وإيمانه بأهمية الخرافات ودورها في إنقاذ الإنسان في مقابل العلم الحديث والفكر الحديث الذي كان يدعو إليه العم لوشون ورفاقه. وصور ذلك جلياً في قصة "الدواء" التي نشرت في عام 1919، من خلال موت الابن شياوشوان بسبب تناوله الدواء المصنوع من دم الإنسان المحكوم عليه بالإعدام بسبب انتمائه السياسي، ليؤكد ما ناضل من أجله لوشون وحاربه في أعماله "تلك التقاليد والأفكار والمعتقدات التي تجبر الإنسان علي أن يأكل لحم أخيه الإنسان". فأعمال لوشون تفيض بالسخرية اللاذعة من سلبية البطل في "قصة آكيو الحقيقية" ونشوته بتحقيق الانتصار المعنوي رغم كل المهانة التي يتعرض لها من الجميع، والسخرية من الأب في قصة "الدواء" وإيمانه الأعمي بالخرافات والمعتقدات القديمة من العصر الإقطاعي، لأن يضطره هذا لشراء "الدواء" لابنه والمكون من دم أحد الأشخاص المحكوم عليه بالإعدام، فقط لأنه حسب الخرافات التي يؤمن بها يشفي المصاب بهذا المرض، مما كلفه حياة ابنه الوحيد، وغيرها من أوجه النقد والسخرية التي تتميز بها قصص لوشون، وإن كانت هذه السخرية ليست من هؤلاء الأشخاص المهمشين المقهورين ضحايا الأفكار القديمة، وإنما من الواقع الأليم الذي يعيشونه. وقد تناولنا هذه القصة (الدواء) في دراسة لنا بالمقارنة مع رواية "قنديل أم هاشم" للروائي المصري المعروف يحيي حقي. من منظور الصراع بين الخرافة والأفكار التقليدية والعلم الحديث. كما كان لوشون الذي ولد بالريف وكان علي دراية كبيرة بأهله وقضاياهم أول من قدم الفلاح الصيني البسيط كبطل رئيسي في الأدب الصيني الحديث، وعبر عن حياته وواقعه المؤلم ومصيره المأساوي.
صورت أعماله مآسي الفلاح والمثقف والموظف الحكومي وغيرها من فئات المجتمع، وفي هذا الإطار تناولنا في دراسة لنا نشرت في "المؤتمر الدولي الأول للجمعية الدولية لدراسات لوشون" بالعاصمة بكين في نوفمبر 2012 صورة المثقف في أعمال لوشون والأديب المصري والعالمي الراحل نجيب محفوظ. وأخيراً الطفل الذي نادي بأهمية إنقاذه، وأعلنها صرخة مدوية علي لسان بطل رائعته "يوميات مجنون" (1918) : "أنقذوا الأطفال! أنقذوا الأطفال!"
وباعتباره ثورياً ومفكراً وأديباً كبيراً، ورائداً في تاريخ الثقافة والأدب الصيني الحديث، فإن فكر لوشون وإبداعه الأدبي الذي شمل المقالة والقصة والشعر ، كانت جميعها من أوائل الأعمال التي نالت شهرة كبيرة داخل وخارج الصين، ومن أوائل الأعمال التي تناولها الكثير من المهتمين بالأدب والفكر والثقافة الصينية بالدراسة والترجمة. فقد بدأ منذ مطلع الخمسينيات من القرن العشرين عقب تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وبداية تأسيس علاقات دبلوماسية مع مختلف الدول الأجنبية، بدأ ترجمة عدد كبير من أعماله إلي العديد من اللغات الأجنبية ( أكثر من خمسين لغة)، وبدأ عدد من المتخصصين والمهتمين بالفكر والأدب الصيني في تناول أعماله بالدراسة والمقارنة مع كتاب عالميين ينتمون لآداب عالمية مختلفة، وتمتليء مكتبات الجامعات والمراكز البحثية بعدد كبير جداً من الدراسات التي تناولت إبداعاته بالمقارنة مع أعمال لتشيكوف، تولستوي، كافكا، شكسبير، جوجل، نيتشه، ناتسومي سوسيكي، دوستويفسكي، طه حسين، نجيب محفوظ، يوسف إدريس، يحيي حقي وغيرهم من الكتاب والمفكرين حول العالم. جدير بالذكر، أنه ذكر بعض النقاد الصينيين المتخصصين في أدب لوشون في ندوة شاركنا فيها حول أعماله بمعهد دراسات الأدب المقارن والأدب العالمي بجامعة اللغات ببكين عام 2007، أن الراحل الكبير لوشون كان قد رفض فكرة ترشيحه لجائزة نوبل للآداب.
وفي عام 1956 وهو العام الذي شهد بداية تأسيس العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الصين والدول العربية، بدأت منذ ذلك العام ترجمة أعمال الأديب الكبير لوشون إلي العربية وأحدثت صدي واسعاً في الأوساط الثقافية العربية، وكانت أعمال لوشون آنذاك قد ترجمت عن اللغات الوسيطة الإنجليزية والفرنسية والألمانية. وبدأها عدد من الكتاب العرب الذين قرأوا ترجمات لأعمال لوشون في اللغات الأوربية المختلفة وشجعهم إعجابهم الشديد بأسلوب الكاتب الصيني وما تضمنته أعماله من قضايا تعكس واقع الإنسان الصيني ومشكلاته المختلفة وصراعه مع التقاليد الإقطاعية والفكر القديم، كانت تتناسب إلي حدٍ كبير مع الظروف المختلفة التي كان يعيشها الإنسان العربي آنذاك. وحيث كان انتصار الثورة الصينية وتأسيس الصين الجديدة عام 1949 بمثابة طاقة من النور والأمل للشعوب العربية التي كانت تتوق إلي التحرر والاستقلال. فكان للتشابه الكبير في الظروف الاجتماعية والتاريخية والسياسية بين الشعبين الصيني والعربي دوره الكبير في التمهيد لتلقي القارئ العربي للأعمال الأدبية الصينية. فقد رأي القارئ العربي معاناته من خلال اطلاعه علي معاناة الشعب الصيني الصديق، رأي النور والأمل من خلال نجاح الثورة الصينية بقيادة الزعيم ما وتسي تونغ وتأسيس جمهورية الصين الشعبية. وكانت مصر وسوريا والعراق من أوائل الدول العربية التي صدرت بها ترجمات لأعمال لوشون، حيث صدرت في مصرفي الستينيات ترجمات لقصص لوشون "الدواء" و"يوميات مجنون" و"قصة آكيو الحقيقة" و"الوحيد" في طبعات منفصلة، كما صدرت في العام نفسه في سوريا ترجمات لقصتي "قصة آكيو الحقيقية" و" قصص جديدة عن حكايات قديمة ".
وفي عام 1964 أصدرت دار النشر للغات الأجنبية ببكين هذه الترجمة العربية لعدد من قصص لوشون بعنوان "مختارات من القصص القصيرة للوشون" وصدرت الطبعة الثانية من هذا المجلد في عام 1974، والطبعة الثالثة عام 1984 . واحتوت تلك المجموعة علي 18 قصة شملت قصص :"يوميات مجنون"، "الحنين للماضي"، "الدواء" ،"قصة آكيو الحقيقية" ،"كونج إي جي" ،"الغد" ،"حادثة بسيطة"، "مسقط الرأس"، "التهاني بالعام الجديد"، "العائلة السعيدة"، "الطلاق" ،"الصابونة"، "مسرحية اجتماعية"، "السيف" ،"العاصفة" ،"في الحانة"، "رحلة إلي القمر" و"الوحيد". وأحدثت تلك المجموعة صدي واسعاً في الأوساط الأدبية العربية وبين عدد كبير من الكتاب العرب الذين وصلت إليهم في عدد من الدول العربية، وتحدث عدد منهم عن إعجابهم بأسلوب لوشون واهتمامه بقضايا أبناء جلدته ومشكلاتهم الحياتية المختلفة، ليصفه أحد الكتاب العرب بعد قراءة "مختارات من القصص القصيرة للوشون" وإعجابه الشديد بواقعية لوشون النقدية وموضوعات قصصه قائلاً "صدفة وجدت أعمال الكاتب الصيني لوشون في مكتبة ( دار دمشق) في العاصمة السورية، فقرأتها بلهفة لرغبتي العارمة للاطلاع علي شيء من الأدب القصصي الصيني، وكانت دهشتي كبيرة بما أقرأ، فأنا في حضرة كاتب كبير، عميق الإنسانية، محب للبسطاء، عارف بأحوالهم وآلامهم، متعاطف إلي أبعد حد مع شقائهم، غاضب علي من وضعوهم في ظروف البؤس والفاقة والجهل والتخلّف. وهو مؤمن بعراقة أمته، وبحتمية تجاوزها لتخلفها، وضعفها، والاستبداد الذي تعاني منه، والذي يغوي بها تارة اليابان، وتارة بريطانيا، ويبقيها أمة عاطلة عاجزة عن تحقيق نهضتها."

وفي العالم العربي، تعدي استقبال الأدب الصيني-وأعمال الرائد لوشون علي وجه الخصوص- في خمسينيات القرن العشرين مرحلة تلقي القارئ العربي للأعمال الأدبية المترجمة، إلي تأثر بعض الكتاب العرب بما تم ترجمته من إبداعات مختلفة، وانعكس ذلك في بعض إبداعاتهم الأدبية، "فالتأثير لا بد أن يسبقه تلق، وإلا فإن ذلك التأثير لا يتم، والتلقي عملية إيجابية تتم وفقاً لحاجات المتلقي وبمبادرة منه وفي ضوء أفق توقعاته. أما مفهوم التأثير الذي لا يرتبط بالتلقي بل ويسقط دوره، فهو يحول الطرف المتأثر إلي طرف سلبي، وينسب العناصر الإيجابية كلها إلي الطرف المؤثر، ناهيك عن استحالة حدوث تأثير وتأثر بمعزل عن حدوث التلقي" مثل المترجم والكاتب المصري الراحل الدكتور عبدالغفار مكاوي (1930-2012) الذي تأثرت إبداعاته الأدبية القصصية والمسرحية بما ترجمه أو قرأه عن الأدب والفلسفة الصينية، لاسيما ما ترجمه عن الألمانية من أعمال قصصية للوشون. وفي لقاء جمعنا بالمبدع الراحل د. مكاوي في 19 فبراير 2007 بالقاهرة في حديث معه حول تجربته في ترجمة قصص لوشون، أشار إلي أنه كان قد خاض ترجمة أعمال قصصية للوشون عن الألمانية في مطلع الستينات، وتم نشرها في سلسلة في سلسلة الألف كتاب، وقد دفعه إلي ذلك إعجابه الشديد بأسلوب الكاتب الصيني وحساسيته وقربه من هموم الإنسان الصيني العادي علي حد قول الراحل مكاوي، وأنه لايزال يذكر حتي الآن (تاريخ لقائنا معه رحمه الله) موضوع القصص التي ترجمها للوشون، وكيف تحققت نبوءة الكاتب الإنسان لوشون في يقظة الإنسان الصيني وتحديه لكل عوامل الجهل والتخلف والفقر وطمع المستعمر، لتحقق الصين المعاصرة هذه النهضة التي أضحت حديث كل الشعوب. كما أشار إلي تأثر بعض أعماله القصصية بأسلوب لوشون، وخاصة قصص "يوميات مجنون" ، "قصة آه كيو الحقيقية" و"الدواء". وقد تناولنا هذا بمزيد من التفصيل في دراسة لنا (باللغة الصينية) حول تأثر إبداعات مكاوي القصصية بأعمال المبدع الصيني الكبير لوشون والتي نشرت في عدد مارس 2008 بمجلة "دراسات لوشون الشهرية" واحدة من أهم المجلات العلمية التي تصدر في الصين في مجال الدراسات الأدبية. كما اشارت الأديبة السورية الراحلة ألفت الأدلبي (1912-2007) "أم القصة السورية" كما يسميها الكثير من نقاد القصة السورية، أشارت في رسالة أرسلتها لدار النشر للغات الأجنبية ببكين في السبعينيات من القرن المنصرم إلي أن مجموعة "مختارات من القصص القصيرة للوشون" تركت لديّ انطباعاً جيداً، وذلك عائد إلي مهارة الكاتب الفنية ونجاحه في تصوير مختلف الجوانب في حياة الشعب الصيني آنذاك...وأنا علي ثقة بأن هذه الأعمال ستبقي خالدة ضمن روائع الأدب العالمي الجيد، وبالرغم من مرور أكثر من نصف قرن علي كتابة هذه القصص البديعة، إلا أنها لاتزال تجذبنا إليها لأنها كتبت بفن وجمال وإنسانية صادقة." (كتاب صدر باللغة الصينية بعنوان "دراسات حول لوشون خلال الستين عاماً الأخيرة" تحرير: لي زونغ يينغ وجانغ مينغ يانغ، بكين، دار النشر للعلوم الاجتماعية، 1982 ص 497.) وقد تناولنا في دراسة مقارنة باللغة الصينية ملامح الواقعية النقدية في إبداعات الراحلة السورية ألفت الأدلبي والرائد الكبير لوشون في دراسة نشرت في عدد نوفمبر 2014 بمجلة " دراسات لوشون بشنغهاي".
وكان الراحل الكبير لوشون قد تربع علي الساحة الأدبية الصينية خلال النصف الأول من القرن العشرين، ثم ذاع صيته كأديب الصين الأول خارج الصين منذ منتصف القرن العشرين كما ذكرنا أعلاه، ولم يتوقف دور لوشون وتأثيره عند هذا الحد، إنما امتد تأثيره في أجيال متعاقبة في الأدب الصيني المعاصر منذ 1949 ، فتأثر بإبداعاته عدد كبير من الكتاب الصينيين علي مدار تاريخ الأدب الصيني الحديث، وخاصة كتاب "أدب الفترة الجديدة" (1978- حتي الآن) وعلي رأسهم مويان صاحب نوبل الآداب 2012، و الكاتبة جانغ كانغ كانغ (1950- ) والأديبة وانغ آن إي (1954- )، والساخر ليوجين يوين (1958- ) والأديب يوهوا (1960- ) وغيرهم من الكتاب المعاصرين. وفي حوار لنا مع السيد مويان عقب إعلان فوزه بنويل الآداب 2012 في مسقط رأسه بمقاطعة شاندونج الصينية في 13-11-2012 ذكر : "يتميز الأدب الصيني الحديث والمعاصر بالمحافظة علي التواصل بين الأجيال المتلاحقة، فكان لإبداعات الكتاب الصينيين الممثلين للأدب الصيني الحديث قبل تأسيس جمهورية الصين الشعبية وعلي رأسهم لوشون، كان لهم تأثير واضح علي إبداعات عدد من الكتاب المعاصرين الذين أنتمي إليهم. فقد استطاع لوشون أن يمهد لنا الطريق للكتابة في مجال الواقعية النقدية ووضع أمامنا عدداً من الموضوعات المهمة التي استطعنا أن نكتب فيها، وخاصة ما يتعلق بالاهتمام بالإنسان البسيط ومشكلاته الحياتية، وإن كنت أعتقد أننا لم نبذل بعد الجهد المناسب في هذا المجال. وقد استطعنا في الوقت ذاته أن نحقق نجاحًا كبيرًا في جوانب أخري، وهذا ليس من باب الغرور، وإنما تعبير عن التطور الذي شهدته الصين والإبداع الصيني".

هذا عن المبدع الكبير العم لوشون وأدبه ومكانته وتأثيره داخل وخارج الصين، أما عن هذه المختارات القصصية، والتي عمل علي جمعها وإعدادها الزميل العزيز الأستاذ أحمد السعيد، نقول إن هذا العمل يعد بلا شك إضافة مهمة للمكتبة العربية في ترجمات الأدب الصيني، فبالرغم من التطور الذي شهدته ترجمات الأدب الصيني في مصر والمنطقة العربية مؤخراً (مقارنة بما كانت عليه حتي عام 2010) فإنها معظم الترجمات في مجال الأدب ركزت علي أعمال الكتاب المعاصرين، من جيل أدباء الفترة الجديدة، أو ما يعرف بجيل الرواد الذين لمعت أسماؤهم علي الساحة الأدبية الصينية منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، الجيل الذي يضم الروائيين سوتونغ (1963- )، قه فيي (1964- )، مايوان (1953- )، تسان شويه (1953- )، يوهوا (1960- ) و خان شاوقونغ (1953- ) و مويان (1955- ) وليوجين يوين (1958- )وآخرين. في حين لم تصدر ترجمات لرواد الأدب الصيني الحديث خلال القرن العشرين أو من أطلق عليهم "الستة الكبار" (لوشون (1881-1936)، باجين (1904-2005)، ماودون(1896-1981) ، قوه مو روه (1892-1978)، تساويو (1910-1996) ولاوشه (1899-1966)باستثناء الترجمات المهمة لروائع المسرح الصيني في النصف الأول من القرن العشرين، والتي صدر لها ترجمات عربية، ونذكر منها مسرحيات "المقهي" للأديب لاوشه، و"تساي ون جي" للأديب المسرحي قوه مو روه، و"البرية" للأديب تساويو وغيرها من الترجمات. نشكر الزميل العزيز علي هذه الخطوة والمجهود الذي بذله في جمع وترتيب هذه القصص، والتي نعتقد أنها جاءت في مرحلة مهمة من مراحل التاريخ العربي المعاصر في ظل هذه الأحداث التي يعيشها وطننا الكبير من المحيط إلي الخليج، كلنا أمل أن تنزاح هذه الغمة وأن تشرق علينا شمس غدِ أفضل، ومستقبل أفضل لطالما حلم به صاحب هذه المجموعة "الذي آمن بالصين..أمته، وبالإنسان الصيني وحقه في الحياة الحرة العادلة اللائقة بإنسانيته، وبتاريخه وتراثه وعراقة أمته". وها نحن جميعاً نشهد تحقيق هذا الحلم منذ صعود التنين الصيني والتقدم الذي تحرزه الصين يوماً بعد يوم، وبالحياة الكريمة التي يعيشها الإنسان الصيني بعد ما يقرب من قرن علي تلك الآمال التي كان ينشدها لوشون في كتاباته.
تقديم لكتاب يصدر قريباً بعنوان:
"يوميات مجنون وقصص أخري" مختارات قصصية لأديب الصين لوشون
جمع وترتيب وتدقيق: أحمد السعيد
تقديم: د. حسانين فهمي حسين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.