وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية    فرنسا: ندعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلالها ومكافحة الإفلات من العقاب    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    تعرف على استخدامات شات جي بي تي    نتيجة الشهادة الإعدادية البحيرة 2024.. موعد الظهور وكيفية الحصول على الدرجات    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    وزير الصحة: القطاع الخاص قادر على إدارة المنشآت الصحية بشكل اكثر كفاءة    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    واشنطن: نرفض مساواة المحكمة الجنائية الدولية بين إسرائيل وحماس    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    الخميس آخر يوم فى الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تبشر المواطنين    وزيرة التعاون الدولي تُشارك في فعاليات المؤتمر الإقليمي للطاقة من أجل المرأة    اتحاد منتجي الدواجن: السوق محكمة والسعر يحدده العرض والطلب    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    إبراهيم عيسى: حادثة تحطم طائرة الرئيس الايراني يفتح الباب أمام أسئلة كثيرة    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    إصابة شخصين في حريق شب بمزرعة بالفيوم    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    جدول مباريات الدوري المصري اليوم والقنوات الناقلة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    متى تنتهي الموجة الحارة؟ الأرصاد الجوية تُجيب وتكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    على باب الوزير    «حماني من إصابة قوية».. دونجا يوجه رسالة شكر ل لاعب نهضة بركان    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    تكريم نيللي كريم ومدحت العدل وطه دسوقي من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرية تونس
مسافر زادهُ الخيالُ .. والسحرُ والعطرُ والظلالُ .. ظمآنُ والكأسُ في يديه.. والحب والفن والجمالُ
نشر في أخبار الأدب يوم 26 - 12 - 2015

زاد المسافر هو ذاك الخيال البديع الذي يرسم ظلاله علي الأرض في بقعة من أجمل بقاع مصر .. قرية تونس بالفيوم.. وحيث كانت محطتي الأولي في أول زيارة لي لتلك القرية البديعة لحضور فاعليات مهرجان الخزف والفخار بالفيوم في دورته الخامسة.. والتي لم يمكنني حظي من حضوره أو من زيارة قرية تونس الخلابة من قبل.
حكايات كثيرة يعرفها القاصي والداني عن قرية تونس، التي تتميز بمناظر طبيعية خلابة، ومعمارها الفريد حيث أنشأها المعماري الفنان حسن فتحي، بقبابها التي لا تخطئها العين .. وحيث تعيش إيفلين بوريه السويسرية التي تركت العالم وراءها منذ ما يقرب من نصف قرن لتستقر بالقرية وتؤسس مدرسة الخزف وتخرج من تحت يدها عشرات الفنانين الذين أسسوا مشروعات مستقلة، فيتفنن كل منهم في تقديم أشكال جديدة.. لتصل سمعة منتجات قرية تونس في الخزف للعالمية.
قصص متعددة كتبها كثيرون عن قرية تونس وعن إيفلين وعن الخزف، ولكن يبقي أنه لحكايات المسافر مذاق آخر اكتشفته عبر ثلاثة أيام تجولت بين معالم قرية تونس، حيث جلست علي شط البحيرة أتأمل الغروب، وحيث لكل مبني من مباني القرية حكاية يرويها صاحبه، ومنها حكاية منزل المعماري عمر الفاروق الذي أنشأه علي طراز مسجد السلطان حسن ليصبح تحفة معمارية.
وحيث تجولت علي قدمي استكشف القرية وأتعرف علي وجوه أهلها الطيبين التي خطفت الكاميرا كثيرا، وحيث وجدت كل بضعة أمتار حكاية جديدة تصلح للكتابة أو التصوير.. ذلك بخلاف فعاليات مهرجان الفخار والخزف المتنوعة التي جذبت انتباه الصغير والكبير، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر ورشة لصناعة أكبر فخارة من كوم أوشيم، وورشة عمل لفخار النزلة التي تمثل أقدم صناعة فخار في العالم، وورش للرسم علي الماء، وعروض الفلكلور الشعبي، وعروض أفلام تسجيلية للكاتب شفيع شلبي، وورش لتعليم طريقة عمل الفخار للجمهور، وفوق كل ذلك الأطعمة الشهية التي تتميز بها الفيوم والفطير الفلاحي والشاي علي الفحم علي صوت الموسيقي والغناء البدوي في جلسات السمر المسائية.
أكثر من مجرد فندق .. زاد المسافر
كانت محطتي الأولي بجست هاوس زاد المسافر، وهو أول فندق بيئي في محافظة الفيوم، أسسه الكاتب عبده جبير عام 2004 ليتحول منذ ذلك الحين لملتقي للكتاب والأدباء والفنانين والباحثين عن الهدوء والاستجمام.
اشتري جبير قطعة الأرض منذ زمن بعيد بتلك المنطقة التي عرفت بعزبة تونس آنذاك للمعيشة هناك، قبل أن يفكر في عمل مشروع يدر عليه دخلا من جهة ويصبح أيضا ملتقي تنويريا من جهة آخري.
في "زاد المسافر" تشعر بأن عليك أن تلقي وراء ظهرك كل التعقيدات، فالغرف مؤثثة بأبسط قطع الأثاث لتتحول عيدان الخوص إلي دولاب ملابس، ثم تلك الأبواب الخشبية، وأسطح بعض الغرف التي تمنحك فرصة لمشاهدة المكان من أعلي بتلك القباب البديعة بينما تقع أشجار النخيل وبحيرة قارون في خلفية المشهد.
كان ما شعرت به حقا أنني قد وصلت أخيرا .. وأنني أنتمي لهذا المكان الذي يشبهني إلي حد بعيد .. حيث شعرت أنني أريد أن أقيم هناك فترة أطول.
عبده جبير لم يكتف بأن يعيد زواره إلي روح الطبيعية بنقائها، بل تمكن من خلال معيشته بالفيوم من تحويل زاد المسافر إلي منطقة إشعاع لتغيير حياة المجتمع المحيط، بحيث يندمج هو ومشروعة في نسيج المجتمع المحيط.. يقول جبير: أردت أن نشر الوعي بينهم .. الوعي الصحي والثقافي والفني.
وبينما جلسنا نحتسي الشاي بصحبة صاحب المكان، الذي يحرص علي استقبالك بنفسه وتبدأ حكايات الزمن الجميل .. أخبرني أن أحد المشاريع التي نفذها من قبل عندما شعر أن القمامة بدأت تتراكم في تونس وهددت بخطر أن يتحول المكان لمقلب قمامة، تمثل في مشروع لفصل القمامة والاستفادة منها.
يقول جبير: يمكننا أن نفكر في حل المشكلة بدلا من الحديث عنها والشكوي، انظري كيف تحولت الصحراء هنا في تونس إلي جنة، أنا لا أحب من يصدر المشكلة أفضل البحث عن حلول ..كذلك أيضا وبالاتفاق مع إحدي الجمعيات تم تدريب عدد من الشباب ليصبحوا مرشدين فيما يتعلق بسياحة مراقبة الطيور.
وجبير الذي لا يتوقف عن الترحيب بالضيوف والتجول بين أرجاء الفندق للاطمئنان بنفسه علي كافة التفاصيل، يري أن الحال لم يعد كما كان خاصة بعد الثورة وصعوبة تحرك الأجانب وتخوفهم من السفر.. وهو ما أثر بلا شك علي دخل الجميع في القرية ..
ولكن هذا الرجل الذي يملأه الحماس لم يتوقف، فقد بدأ في تأسيس مكتبة ضخمة داخل زاد المسافر، كما أعلن عن افتتاح قاعة عرض جديدة للفن التشكيلي، كأحدث نافذة للفن التشكيلي.
خالد جويلي : أنا مصور شارع
كانت مفاجأة سارة بأن أجد قاعة للفن التشكيلي هناك في قلب الفيوم بزاد المسافر، والأجمل أن أكون محظوظة بما يكفي ليكون المعرض المقام للتصوير الفوتوغرافي.. تعرفت لأول مرة علي الفنان خالد جويلي، الذي قدم مجموعة بديعة من الأعمال تنم عن رؤية سينمائية متعمقة للوجوه والحكايات .. فكل لوحة تحمل حكايات مرتبطة بروح الإنسان .. حكايات الباعة.. المولد .. صانع الفخار .. سوق الليمون ..مشاهد ربما لم نعد نراها حاليا بعد أن اختفت بفعل الزمن..
جويلي بدأ التصوير من سنوات كثيرة ربما منذ أواخر السبيعنات ولكن ظل الأمر دائما في حيز الهواية، يقول: ورثت أنا وإخوتي عن والدي دار نشر، ولكنني كنت أشعر أن هناك ما يشغلني فغيرت مساري، وتخصصت في الكتابة للمسرح حيث أسسنا فرقة الورشة المسرحية.. أما التصوير فظل هو الهواية التي نماها السفر والترحال .. ولكنه لم يتحول أبدا لاحتراف.
تأسست فرقة الورشة سنة 1987، وهي أول فرقة مسرحية مستقلة في مصر .. وحرصت منذ بداياتها علي دعم مجال الإبداع المستقل في المنطقة العربية. وبدأت الورشة بتمصير نصوص عالمية بحرية متزايدة ، ثم انتقلت إلي استكشاف فنون العرض التراثية وتراث الحياة اليومية المعاصرة.
ولكن بعيدا عن المسرح، ظل التصوير عشقا يتعمق يوما بعد يوم .. ولكنه أبدا لم يتعد حيز الهواية .. ويعتبر الفنان نفسه مصور شارع: يخلط الناس كثيرا بين مصور الشارع والمصور الصحفي، المصور الصحفي يقوم بأداء مهمة محددة مطلوبة منه.. أما مصور الشارع فمثله مثل القناص يلتقط لقطة حيّة تحدث في جزء من الثانية.
ترجع معظم الصور التي قدمها خالد في معرضه إلي سنوات بعيدة.. يقول: كنت مغرما بالقاهرة الفاطمية.. أزورها كل أسبوع، ولكني لا يمكنني فصل الإنسان عن المكان فوجود النفس والروح الإنسانية هو الذي يشعرني بتفاعل خاص بل وتفاعل درامي .. وأنا أحب الدراما التي احترفتها في الكتابة .. ولذا لا تخلو صوري من وجه إنساني منصهر مع المكان.
ويضيف: أنا أعشق الوجوه المصرية ولدي رغبة في تلخيصها .. أبحث عن الملامح الأبوية المليئة بتفاصيل الحياة .. وللوجه المصري خصوصية .. خصوصية الملامح في المكان والزمان .. في محيطها الطبيعي الذي يفرزها .. ربما يظن الناس أن الوجوه متكررة .. ولكن هذا غير صحيحا
هناك الكثير من الملامح التي ارتبطت بأحداث لم تصبح موجودة مثل الموالد ، فلم تعد كما كانت من قبل.. كل شيء تغير بعد غزو البلاستيك وانتهاء عصر النحاس .. صورت مئات الصور لسوق روض الفرج مثلا قبل انهياره .. بعد ذلك يبقي الجزء التشكيلي حيث يطوع الفنان أدواته ويستخدم الظل والنور حسب ذوقه ومعارفه ورؤيته .. ويسكت الفنان قليلا قبل أن يقول : إن إضاءة القاهرة مختلفة عن أي مكان آخر.
يشعر جويلي بالأسي أيضا لسبب آخر يتمثل في انتهاء عصر تصوير الفيلم وغزو الديجتال: للتصوير متعة خاصة، متعة متعلقة بغوصك في كل التفاصيل .. كنت أحمض بيدي .. تلك الظلال من الأبيض والأسود لم أتمكن من الوصول لها إلا عن طريق الفيلم .. حتي درجة عمق الألوان.. أشعر أنني أفتقد جزءاً من روح الصورة في الديجتال .. وربما أشعر بالإحباط لذلك .. ولكن تبقي تلك الصور البديعة التي قدمها خالد جويلي شاهد علي روعة الزمن الجميل .
زيارة إلي متحف الكاريكاتير
في صباح اليوم التالي قررنا أن نبدأ الجولة بزيارة إلي متحف الكاريكاتير الذي أسسه الفنان محمد عبلة، وبينما وقف الفنان يشرف بنفسه، بل ويساعد في إعداد طعام الإفطار لضيوفه من الأصدقاء ومن فناني الكاريكاتير، قررنا أن نتجول بالمتحف الذي يضم مجموعة بديعة من الأعمال الكاريكاتيرية التي تناولت العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية .
جولة بديعة أضافت كثيرا لرحلتي بقرية تونس بالفيوم ، ولكن مع الأسف الشديد ما إن عدنا للقاهرة عقب انتهاء رحلتنا حتي فوجئنا بخبر الاعتداء علي متحف الكاريكاتير وتعرضه للسرقة والتخريب . ونظرا لهذا الحدث المؤسف قررنا أن نتحدث عن الموضوع منفصلا للوقوف علي تفاصيله.
الفنان جلال جمعة يرسم بالسلك
في تلك القاعة المواجهة للمتحف شاهدنا بعض الأعمال التي رسمها الفنان محمد عبلة عن الفيوم ، بينما انهمك الفنان جلال جمعة في تشكيل عمل فني بديع، حيث جاء الفنان للمشاركة في مهرجان الفيوم مع عدد من فناني الكاريكاتير ومنهم الفنان سمير عبد الغني، والفنان ماهر دانيال حيث قاموا برسم بورتريهات كاريكاتيرية للزوار كأحد أنشطة المهرجان .
ولكن الفنان جلال جمعة يرسم بطريقة مختلفة فقد اشتهر باستخدام السلك في تكوين مجسمات نحتية فضلا علي أنه يجيد رسم البورتريهات بالسلك وهو أمر صعب للغاية ، حيث يقول : لقد منّ الله علي بموهبة قوة الملاحظة، ولذا بإمكاني عمل البورتريه بالسلك مجرد أن أنظر للوجه.
جدير بالذكر أن جلال جمعة مهندس ديكور، تخرج في كلية الفنون التطبيقية جامعة القاهرة عام 1974 قسم التصميم الداخلي والأثاث، ولكنه وجد عشقا في التشكيل بالسلك والزلط .. فقدم مجموعة من المعارض المتفردة في هذا المجال.
الست الكبيرة التي يعرفها كل من مرَّ بتونس
خرجنا من متحف الكاريكاتير لنبدأ الجولة الفعلية بقرية تونس .. ويبدو أن مدخل الحديث عن حرفة الخزف بالفيوم مفتاحها إيفلين بوريه .. والحديث عنها مجددا أو إجراء حوار معها يشبه المقولة الشائعة "أن تحكي في المحكي" ، بإمكانك إذا كنت من مستخدمي الإنترنت أن تضرب سريعا اسم إيفلين بوريه علي لوحة المفاتيح، عشرات الموضوعات التي كتبت عن تلك السيدة التي اشتهرت بلقب "الست الكبيرة" والتي يأتي اسمها مقترنا باسم قرية تونس، وكيف لا وقد تحولت إيفلين لمعلم رئيسي من معالم قرية تونس، بل هي أحد أسباب شهرة قرية تونس، حيث حولت تونس لوجهة لجذب السائحين ولواحدة من مراكز صناعة الخزف في مصر.
القصة ببساطة تحكي عن امرأة سويسرية قررت أن تترك حياة الغرب والرفاهية الأوربية منذ ما يقرب من خمسين عاما، وأن تعيش بقرية تونس وليس هذا فحسب بل أن تغير حياة القرية بالكامل، حيث أسست مركزا ومدرسة لتدريب أطفال القرية علي صناعة الخزف سمّتها "جمعية بتاح لتدريب أولاد الحضر والريف علي أعمال الخزف". واكتسبت المدرسة شهرة بين أبناء القرية، ومع مرور الوقت أصبحت تونس مصدراً لتخريج حرفيين تتوزع منتجاتهم بين معارض في القرية وأخري خارجها.
وكان لابد من زيارة تلك المدرسة التي غيرت حياة قرية بالكامل ، وهناك شاهدنا العمل يجري علي قدم وساق ، فرأينا فرن الفخار ، وعدداً من الفنانين الذين جاءوا من القاهرة للمشاركة في فاعليات مهرجان الخزف والفخار.. كان اسم إيفلين تقريبا يتكرر في كل حوار أجريته علي مدار الأيام الثلاثة .
حكايات خزافي تونس .. قصص إبداع فردية الحكاية لم تنته عند إيفلين .. فبداية كل خزاف تبدأ بمدرسة إيفلين .. راوية .. عبد الستار .. محمد سمير .. محمود الشريف وغيرهم .. الجميع تخرجوا من مدرسة إيفلين. ليبدأ كل منهم مسار مختلف.. ويؤسس مشروعه .. ويبدأ في البحث ما هو جديد وخوض تحدي في إثبات نفسه من خلال المنتجات الجديدة أو التصميمات الجديدة التي يقدمها ..
تربينا علي يدها .. هكذا عبر محمود الشريف وهو أحد الخزافين ومنسق المهرجان في دورته الخامسة عن ارتباطه بإيفلين.. ويضيف: كنت أذهب إليها وأنا في الثامنة وتعلمت كثيرا منها .. هي لم تعلمنا خزف فحسب .. لقد قامت بالتنمية البشرية بمعني الكلمة في قرية تونس.
أما حكيم محمد فقد أمضي في المهنة أكثر من 23 سنة ، وحين سألته عن الاختلاف بين كل هؤلاء الصناع قال: الفارق في القدرة علي تقديم أشكال جديدة. أما إبراهيم سمير فقد قدم وجوه الفيوم علي مجموعة من الأطباق ليطرح مجموعة بديعة ويجذب بها انتباه الزوار .. يقول حكيم: أحب تجربة الجديد.. أحتفظ طبعا بالملامح الأصلية لوجوه الفيوم في العمل ولكنني أغير في الألوان وفي الحجم.
وعن المهرجان يقول الشريف: فكرة المهرجان بدأت لدعم تلك الحرفة وجذب أكبر عدد ممكن من الزوار للقرية وللترويج للمنتجات ، وقد قام المهرجان علي سواعد الخزافين وأبناء القرية.
وربما كان الجديد هذا العام هو رعاية بنك الأسكندرية للحدث، ولأنني لم أزر المهرجان من قبل فقد استعنت بآراء أهل القرية، لا شك أن كثيراً منهم يشعر أن الأمور منظمة بشكل أكبر وأن هناك كثيراً من الفاعليات، إلا أنه وخلال أحد الأحاديث الودية مع واحد من الخزافين أعرب عن رغبته في معرفة ما سيقدمه البنك لهم مقابل رعايته للحدث ، حيث قال : لقد قام المهرجان علي أكتافنا ولابد أن نعرف ما الذي سيعود علينا حين يكون هناك راعٍ.
بنك إسكندرية راعيا لأول مرة
ولهذا السبب بحثت عن أحد ممثلي بنك الإسكندرية للتعرف عن قرب علي التجربة.. والتقيت بليلي حسني مدير مكتب الاتصالات الداخلية والمسئولة الاجتماعية ببنك الاسكندرية حيث قالت: فكرنا في رعاية هذا المهرجان من منطلق منهجنا في المسئولية الاجتماعية، حيث نركز علي مجالات التعليم والصحة والدعم الاقتصادي والتمويل متناهي الصغر، ولكننا نرغب أيضا أن نعمل في دعم الحرف اليدوية والتي أوشك بعضها علي الانقراض .. وأن نساهم بمحاولة فتح أسواق جديدة من خلال تصديرها للخارج حيث بإمكان البنك أن يلعب دور كبير في هذا الصدد نظرا لأنه بنك إيطالي وله اتصالات هناك .
تضيف ليلي: لقد حرصنا علي دعم المهرجان إعلاميا، فأنشأنا صفحة علي الفيس بوك قبل المهرجان، وقمنا بتوجيه الدعوة لكل السفارات، كما قمنا بتوفير أربع حافلات يومية من القاهرة للفيوم خلال فترة المهرجان علي أن تعود يوميا في السادسة بعد نهاية فعليات اليوم.. كما أضفنا الكثير من الأنشطة الجديدة، منها تنظيم حفلة افتتاحية وتكريم عدد من الشخصيات وعلي رأسهم السيدة إيفلين .. كما حرصنا علي توفير سبل الراحة للعارضين ومنها تقديم وجبات حتي يمكنهم مواصلة اليوم .
وتضيف ليلي: قمنا أيضا بدعوة عدة جهات وجمعيات في مجال الحرف اليدوية لعرض منتجاتهم مثل أياد مصرية وغيرها.. ونظمنا عدداً من الورش الفنية التي تضمنها جدول المهرجان ومنها ورش الأطفال في صناعة الخزف والفخار، والعديد من الورش الفنية الأخري مثل ورشة ومهرجان الطيارات الورق والرسم علي الماء.
وعن الخطط المستقبلية فيما يتعلق بالمهرجان تقول ليلي: نأمل أن يستمر التعاون بيننا وبين أبناء قرية تونس حيث نخطط أن يكون مهرجان العام القادم علي مستوي ضخم ، وعندما سألتها علي شكل الشراكة بين البنك وخزافي قرية تونس، أجابت ليلي : سوف نعقد اجتماعا مع كل الخزافين بمن فيهم السيدة إيفلين للاتفاق علي كافة التفاصيل.
السياحة البيئية في مواجهة السياحة الريفية
وربما كان واحداً من الأنشطة التي أَضافها بنك إسكندرية لبرنامج المهرجان يتمثل في تنظيم عدد من الفاعليات الفنية والندوات التي أٌقيمت في خيمة بها مسرح .. وخلال المهرجان قدم د. أسامة إبراهيم أستاذ الإرشاد السياحي بكلية السياحة والفنادق جامعة الفيوم ندوة عن السياحة البيئية في محاولة جادة لربط الجانب الأكاديمي بالواقع العملي.
وخلال الندوة تحدث د.أسامة عن تعريف السياحة البيئية مع التمييز بينها وبين السياحة الطبيعية والسياحة الريفية وغيرها من الأنماط السياحية التي تزخر بها مصر ، موضحا أن السياحة البيئية تقوم علي ثلاثة أعمدة رئيسية تتمثل في استغلال التراث الحضاري والتراث الطبيعي والوعي بمفردات المجتمع المحلي.. وخلال الندوة تحدث كذلك عن أهمية الوعي السياحي والبيئي والآثري ، ثم المسئولية الملقاة علي عاتق الحكومة والمحافظة ووزارة السياحة المتمثلة في زيادة الوعي وزيادة عدد البرامج السياحية.. وأضاف : نحن من جانبنا نحاول زرع الوعي لدي الخريج، ولذا عملنا برنامجا أكاديمي جديدا عن الإرشاد السياحي البيئي.
حكاية أكبر فاخورة
وداخل الخيمة وجدت عددا كبيرا من الأطفال مجتمعين حول دولاب الفخار التقليدي يتعلمون كيفية أعمال بديعة باستخدام الفخار حيث كان ، أما خارج الخيمة فقد اجتمع حشد أكبر يشاهدون جمعة عيد ومحمد صادق وهما يتبادلان العمل علي أكبر فاخورة ..حيث تم دعوتهما من كوم أوشيم للمشاركة في المهرجان ، وتشتهر كوم أوشيم بعمل فواخير من الأحجام الكبيرة ، حيث أخبرني عيد أن هناك أفرانا مخصوصة لهذه الأحجام الكبيرة، وأنهم يحتاجون عدة أيام للانتهاء من الإناء الكبير حيث يبنون يوميا من 10 إلي 15 سم وعن أسعارها يقول: إن مشكلة تلك الأحجام الكبيرة هي أن خسائرها كبيرة في الفرن قد تصل لنصف الكمية ولذا يتم حساب الأسعار بشكل مختلف طبقا للهادر الكبير.
الرسم علي الماء يبهر أطفال تونس
ظلت عيون هؤلاء الأطفال معلقة لما يزيد علي خمس دقائق بما يشاهدونه بلا كلل .. والحقيقة أن ما يحدث كان مثيرا للدهشة .. حيث يشاهدون فن الرسم علي الماء المعروف بفن الإبرو .. وهو واحد من أجمل الفنون المعروفة في تركيا وينتشر حاليا في الكثير من البلدان، ويعتمد هذا النوع من الفن علي الرسم علي الماء المخلوط بمواد معينة لجعله كثيفا ويستخدم له ألوان خاصة يتم رشها وتشكيلها علي السطح بحيث يمكن فيما بعد أخذ ذلك الرسم علي ورق مرمري خاص سميك لتحمل الماء.
وقفت دينا أسامة ونهال نور يتبادلان العمل أمام عدد كبير من زوار المهرجان وسكان النزلة الذين تجمعوا حولهم يشاهدونهم وهم يمارسون ذلك الفن البديع ..
تقول دينا: تعلمنا هذا الفن من خلال ورش مكثفة في تركيا ونقوم بعمل ورش متنوعة في مختلف الأماكن ،ولكنها المرة الأولي التي نشارك فيها في فاعليات مهرجان الفيوم للفخار والخزف .. وقد عرفنا عنه عن طريق الفيس بوك وأرسلنا باستفسار عن إمكانية مشاركتنا في المهرجان ووجدنا ترحيباً.
أعمال فنية من طرح البحر
كانت القرية الصغيرة مزدحمة بالزوار، حيث لم يكن يخلو شارع من عرض ما ، إما عرضاً تفاعليا من خلال الورش الفنية، وإما عروض للحرف والمنتجات اليدوية التي جاءت بها مختلف الجمعيات لعرضها بالفيوم ، ذلك بخلاف منافذ بيع الخزف بقرية تونس ، حيث تباري العارضون في تقديم الجديد.
وبينما أتجول شاهدت قطعة فنية بديعة مصنوعة من بقايا الأخشاب والمسامير، يقول عماد عادل وهو خريج تربية فنية دفعة 92 ، ويعمل مصمم جرافيك : إن الفكرة الأساسية تتمثل في تقديم أعمال فنية بكل الخامات خاصة الأشياء المهملة، وإعادة تدوير هذه الخامات، وهذا العمل مصنوع من أخشاب طرح البحر التي شربت من مياه البحر المالحة ، فكرت أن أستغل كل الخشب القديم الذي لم يعد له شكل في عمل تكوينات تحاكي الطبيعة القديمة مثل المواني والبيوت القديمة والفنار القديم وغير ذلك، أما فيما يتعلق بالمنحوتات الخشبية ، فقد درست آليات التحريك، وكل قطعة هي فريدة في شكلها وفي طريقة تحريكها .
الحاجة سماح ومنزل عمر الفاروق
في صباح اليوم الثالث خرجنا للبحث عن منزل المعماري عمر الفاروق، هذا المنزل الذي سمعنا عنه حكايات وقصصا، أخبرنا الكاتب عبده جبير أنه لا يجب علينا مغادرة قرية تونس قبل أن نزور هذا المنزل البديع ، الذي بناه المعماري عمر الفاروق علي طراز معماري فريد فأعاد بعض جوانب مسجد السلطان حسن في المعمار والزخارف ، وعبر رحلة طويلة تمكنا من الوصول للمنزل لكن مع الأسف دون أن نجد أصحابه .. كان المنزل يبدو مهيبا من الخارج تحفة معمارية رائعة، لكن مع الأسف لم نتمكن من الدخول، ولكن كان ما شاهدته من الخارج كفيل بأن أسقط أسيرة هوي المكان .. بحثت عنه علي الانترنت لأشاهد تلك الصور البديعة التي نشرتها عدد من المجلات للمنزل من الداخل فقررت أن تكون زيارتي لقرية تونس المرة القادمة للتعرف علي هذه التحفة المعمارية .
حكايات قرية تونس لم تكن بالنسبة لي حكاية مهرجان الخزف والفخار ، كان تلك الوجوه التي تابعتنا أينما ذهبنا ، كانت كل تلك الفنون البديعة التي شاهدتها بما في ذلك الرسوم الموجودة علي الجدران، كانت أيضا حكاية الحاجة سماح التي جلست لتصنع منتجات من الخوص والزعف ، التي تشتهر بها الفيوم أيضا ، كانت تعمل في صمت وحين سألتها قالت: أعمل بتلك الحرفة منذ أن وعيت علي العالم تعلمتها من أمي ، و عن مشكلات الحرفة ابتسمت وقالت : رضا ، تلك المرأة الراضية المبتسمة عن قناعة.
لا أنسي أن واحدة من الحكايات التي لن أنساها هي حكاية هناء .. الفتاة الجميلة التي سألتني عما أصور ، فأخبرتها أن الرسومات علي الحوائط جميلة ، فأمسكت يدي وقادتني لغرفتها لتريني كيف تلك الرسومات علي حوائط غرفتها .. ولم يكن هناك أصدق من ابتسامتها وهي تودعني ..
وأنا أودع تونس حملت معي ثلاثة من أجمل الأيام التي قضيتها في حياتي ..حملت معي ابتسامة هناء ورضا الحاجة سماح .. وكثيرا من الذكريات الرائعة علي وعد بالعودة
العنوان مقتبس من كلمات أغنية النهر الخالد التي غاها الفنان محمد عبد الوهاب ومن كلمات الشاعر محمود حسن إسماعيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.