جميع الأسلحة متاحة دائماً في نقاشات الإنترنت بداية من الحوار بالمنطق والأدلة العقلانية وحتي الشتائم والسباب. قد تثير هذا الحرية غير المحدودة امتعاض البعض لكنها في الوقت نفسه تشكل مصدر قوة الانترنت، وجوهر معناه. لا يحتاج الانترنت إلي ضابط شرطة أو سلطة لتنظيم حركة المعلومات خلال ممراته، وفي العادة يلجأ الناس إليه هرباً من تلك السلطة. الأمر الذي يفسر كيف أن المواضيع التي تهاجم وتنتقد الحكومة أو السلطة بكافة أشكالها هي أكثر المواضيع انتشاراً عليه. لكن يوماً بعد يوم يظهر شبح جديد للرقابة علي الانترنت، هذا المرة رجل الشرطة يأتي متخفياً في جلباب أبيض ولحية كثيفة. في البداية ظهر مع الانتفاضة الثانية مصطلح الجهاد الإلكتروني للمرة الأولي، وقتها كان المقصود به ما يمارسه بعض "الهاكرز" العرب أو المؤيدين للقضية الفلسطينية من اقتحام وتخريب بعض المواقع الإسرائيلية، وتزايد الأمر مع حملة الرسوم الدنماركية المسيئة. وفي العام الماضي تحول الجهاد الإلكتروني من مقاومة الأخطار الخارجية التي تهدد الأمة إلي مواجهه العلمانيين والقضاء علي العناصر الفاسدة في نسيج الأمة. حيث قام عدد من الهاكرز بالسطو علي حسابات بعض المدونين وأعضاء الفيسبوك العلمانيين والذين كانوا ينتقدون المد الوهابي في مصر. كما قام الهاكرز الذين يدعون الدفاع عن الإسلام بنشر صور خاصة ومراسلات بين هؤلاء العلمانيين الذي تم تصويرهم بصفتهم الفيروس الذي ينهش في جسد الأمة. حتي الآن كانت صورة الهاكرز المجاهد صورة غامضة. علي الأرجح مجموعة من الشباب الغاضب الذي يرفض الجدال والحوار ويفضل قمع الرأي الآخر حتي لو كانت مساحة وجوده صفحة علي الانترنت. لكن الأسبوع الماضي وما حدث مع جريدة اليوم السابع كشف عن تطور جديد في شخصية الهاكرز المجاهد، فالأمر ليس مجرد شباب منفعل بل منظومة متكاملة يقودها مجموعة من أصحاب الأفكار الفاشية، ترفض الحوار وليس لديها أي مشكلة في استخدام أي وسيلة لقمع الرأي المخالف لها.
منذ حوالي أسبوعين أعلنت جريدة اليوم السابع نشر رواية بعنوان "محاكمة محمد" للكاتب أنيس الدغيدي، الذي تخصص علي مدار سنوات في الكتب ذات العناوين المثيرة والشعبية. وعلي ما يبدو فقد رأي البعض أن العنوان فيه ما يسيء للنبي محمد _عليه الصلاة والسلام- بالرغم من أن الرواية تأتي دفاعاً عن النبي ورداً علي الإساءات الغربية اتجاهه. وهكذا فقد خرجت من إحدي القنوات الفضائية الدينية حملة هجومية وتحريضية ضد جريدة "اليوم السابع" وموقعها الإلكتروني كانت نتيجتها تعرض الموقع للقرصنة علي يد أحد المجاهدين الإلكترونيين الذي لم يكتف بتعطيل الموقع، بل قام بنشر نص طويل يحتوي علي الكثير من الإساءات في حق الديانة المسيحية، وبعد بضع ساعات قامت قوات الأمن بالقبض علي الهاكرز المجاهد الذي تبين أنه شاب (27 عاما) يعمل في إحدي شركات التقنية بالمعادي. طبعاً لم يتم توجيه أي اتهام بالتحريض للشيوخ الذين وقفوا وراء هذه الحملة، لكن المدهش كان موقف إدارة موقع اليوم السابع التي تراجعت عن نشر الرواية وطلبت عرضها علي مجمع البحوث الإسلامية وهو الموقف الذي اعتبره عدد من المدونين ترسيخاً لسلطة الشيوخ علي الإنترنت أبرزهم كان المدون "قلم جاف" صاحب مدونة "الدين والديناميت" حيث وصف الأمر كله بأنه "فيلم يصعب علي الشخص العادي مقاومة الضحك عليه، من شدة هبوط السيناريو والتنفيذ" وهاجم "قلم جاف" ادعاء موقع "اليوم السابع" بأنه موقع ليبرالي متسائلاً "لماذا تراجع فجأة الموقع عن مبادئه وقرر عرض مصنفه علي مجمع البحوث الإسلامية، بعد نشر تنويه الرواية وحدوث الزوبعة؟ لماذا لم يفعل مثلما فعل "حلمي سالم" الذي رفض عرض عمله علي أي مؤسسة دينية؟" وأشار في تدوينته التي حملت عنوان "اليوم السابع: أفلام عربي (..) الأجنبي" أن الحادثة تكشف عن "أن البعض من أدعياء الاعتدال والليبرالية والحرية والمهلبية يخفي ذقنه ، أي أنه يدافع عن حرية أي شخص في إبداء أي رأي يتوافق مع مصلحته الفكرية فقط ، وبالتالي "يفصل" تعريفاته للحرية والاعتدال علي مقاسه."
الخطير في واقعة اليوم السابع أنها لا ترسخ فقط لسلطة بعض رجال الدين، بل تفتح الباب للفتنة الطائفية وتمنح الخطاب الطائفي لبعض الشباب علي الإنترنت شرعية بحيث يتحول من مجرد صرخات وخناقات في غرف الشات و"البالتوك" إلي خطاب إعلامي مطروح في التلفزيون وفي وسائل الإعلام الجماهيرية الأمر الذي يرفع من حدة الاحتقان الطائفي داخل المجامع المصري.