«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرض الشيكولاتة
نشر في أخبار الأدب يوم 19 - 12 - 2015

توقفوا عند حدود أرض من تراب بُنّي، بها أكواخ صغيرة من أغصان أشجار بنيّة، نظرَ "كاريسكا" إلي "ميما".
قال "هذا لأجلِك"
نظرَتْ إلي التراب البُنّي، بدَا كأنه شيكولاتة مُذابة، تذكّرَتْ "أرض الشيكولاتة" التي قرأتْها في أوراق "الليل".
قال كاريسكا "نخلع أحذيتنا قبل أن ندخل حتي لا نُغضب أحدًا"
دخلوا وأحذيتهم بأيديهم، توقفَتْ "ميما" بعد خطوتين، تلفّتتْ حولها.
قالت "أشم رائحة شيكولاتة"، جلَسَتْ علي ساقيها، أمسكَتْ حفنة من التراب، تحسّسته، ناعم، شمّتْه، وتذوّقته بطرف لسانها.
همسَتْ "أرض الشيكولاتة، لا يمكنني أن أمشي هنا بحذائي"
انتبهَتْ إلي أنها الجملة نفسها التي قالتها جدّة "سيلسا"، أعادت التراب بهدوء.
مشَتْ مع "كاريسكا" و"دوفو"، رأت علي مسافة قريبة امرأة أربعينية تحمل علي رأسها دلوًا، أومأتْ كلٌ منهما للأخري وابتسمَتْ، ظهرَتْ بعد لحظات أربعينية أخري تحمل تحت ذراعها حزمة من أغصان الأشجار الجافة، ظلّت تبتسم في عيني "ميما" حتي اختفَتْ بين الأكواخ، مرّتْ أربعينية ثالثة تحمل طبقًا من فاكهة متنوعة علي يدها، وابتسامة علي شفتيها.
لاحظ "دوفو" و"ميما" أن كل مَن في القرية نساء أربعينيات، حافيات، لهن بشرة بُنّي فاتح، كل شيء هنا له إحدي درجات اللون البُنّي، لم يسألا "كاريسكا" عن ذلك، فضّلا أن يكتشفا بنفسيهما، أو ربما عَرِفا السرّ، ظلا يتطلّعان حولهما.
المزيد من الأربعينيات المُبتسمات.
توقف "كاريسكا" عند كوخ مفتوح، نظرَ إلي "ميما".
قال "هنا جائزتك".
شمّتْ رائحة تحبها تأتيها من داخل الكوخ، دقّ قلبها.
قالت "ندخل؟"
"تعرفين ما هذا المكان؟"
انتظرَتْ إجابته.
قال "داخل هذا الكوخ صُنعَتْ أول قطعة شيكولاتة في العالم"
لم تشعر "ميما" بشيء لبرهة، ثم اندفعَتْ مشاعرها كلها دفعة واحدة، غرقَتْ فيها للحظات، تلاشي بعدها كل شيء، وبقي معها شجن جميل.
تركوا أحذيتهم خارج الكوخ، ودخلوا.
تطلّعَتْ "ميما" حولها، لا تريد أن تُبعِدَ عينيها عن أيّ شيء، أحبّتْ أن تنظر أولاً إلي كل قطعة علي حِدة، ثم إلي القطع مجتمعة في نظرة واحدة، شمّتْ رائحة شيكولاتة، بَدَتْ لها حاضرة منذ مئات السنين دون انقطاع، عتيقة وجديدة معًا، رأت في أحد الزوايا طاولة خشبية صغيرة مستطيلة، فوقها كوب خشبي به ماء، ثلاثة أطباق صغيرة من الخشب، أحدها به حفنة سُكّر بُنيّ، الثاني به أوراق وردة بنفسجيّة، الثالث به بودرة كاكاو، وبجواره أداة طَحْن يدويّة صغيرة.
هَمَسَ كاريسكا "غير مسموح بلمس أيّ شيء، أو الكلام بصوت مرتفع"
وقفَتْ "ميما" بمواجهة ورقة مُعلّقة علي الجدار داخل إطار من أوراق الشجر، مرسوم فيها بحِبْر بُنيّ وجه امرأة أربعينية، لها عينان واسعتان، شعرها غزير، ومفرود علي كتفيها، رفعَتْ "ميما" يدها ومرّرَتها ببطء في الهواء كأنما تلمس وجه المرأة.
همسَتْ "أنا أعرفك"
انتقلَتْ إلي زاوية أخري، رأت صندوقًا صغيرًا من الخشب، منقوش بزخارف لطيور وأوراق أشجار.
همَسَتْ "صندوق ملابسها"
مرّرَتْ يدها في الهواء كأنها تتحسّسه، ابتسمَتْ، رأت بجواره بساطًا من قطن برتقالي، يَسع شخصًا واحدًا، به رسوم بُنيّة لطيور ترفرف، وحوريّات.
همَسَتْ "مكان نومها"
رأت نافذة صغيرة مفتوحة، وبجوارها مقعد خشبيّ هزّاز، ألقَتْ نظرة عبْر النافذة، وبالكاد منعَتْ نفسها من الجلوس علي المقعد.
وقفَتْ في منتصف الكوخ، تطلّعَتْ إلي كل قطعة علي حِدَة، أغلقَتْ عينيها، سحبَتْ نفسًا عميقًا، حبسَتْه لوقت طويل، شعرَ "كاريسكا" بالقلق عليها، مدّ يده إليها، منعَه "دوفو".
قال "لا تقلق"
فتحَتْ "ميما" عينيها، أطلقَتْ نَفَسَها، نظرَتْ إلي "كاريسكا"، أومأت بما يُفيد أنها يُمكن أن تغادر.
خرجَ "كاريسكا" "ودوفو".
توقفَتْ "ميما" في فتحة الكوخ، قبّلَتْ باطن يدها ولوّحَتْ للمرأة المرسومة في الورقة، صانعة أول قطعة شيكولاتة في العالم.
التقطوا أحذيتهم، ابتعدوا عن الكوخ.
قالت ميما "تعرفان، الشيكولاتة البُنيّة هي الشيكولاتة الحقيقية، لا يمكنكَ القول أنك أكلْتَ شيكولاتة لو لم يكن لونها بُنّي"، تطلّعَتْ حولها إلي الأكواخ، والمزيد من الأربعينيّات المُبتسمات.
قالت "البُنيّ ليس من الألوان ذات الشعبيّة الكبيرة، لكنه يُعوّض ذلك بكونه لون الشيكولاتة، لو أنه موجود فقط لأجلها فهذا يكفيه ليكون رائعًا جدًا، ومحبوب جدًا"، تنهدّت.
"البُنّي دم الشيكولاتة"
عادوا إلي "جبل النور".
لم يعرف "دوفو" و"ميما" إن كانا قد أمضيا تحت الأرض عدّة سنوات أم لحظة واحدة، ليس مُهمًا، صعدوا أكثر من سُلّم، وصلوا إلي السحاب.
سألَتْ ميما "إلي أين تأخذنا كاريسكا؟"
"القمر"
تنقّلوا بين طبقات ملوّنة في السحاب، تتوقّف "ميما" بين لحظة وأخري، تلمس سحابة، تَحُكّ وجهها بها، أو تتذوّقها بطرف لسانها.
انتهي السلّم عند حافة القمر.
دخلوه، توقفوا بعد خطوتين، الأرض رماد فضّي، التقطَتْ "ميما" حفنة منه، بارد، وناعم، همَسَ لها بأنه رماد الأحلام، شَمّتْ فيه رائحة السّهَر، عرِفَتْها رغم أنها تشمّها للمرة الأولي، أو أن الرائحة عرّفَتْها بنفسها، تركَتْ حفنة الرماد، تلاشَتْ في الهواء مثل دُخان فضّي.
تطلّعَتْ "ميما" حولها، رأت أرنبًا بنفسجيًا علي مسافة قريبة، يحفر الرماد بفأس من ورق أبيض، تذكّرَتْ الأرنب الذي كانت تراه في طفولتها كلما نظرَتْ إلي القمر، كان يفعل شيئًا مختلفًا في كل مرة، يحمل دلوًا، يحفر بفأس، أو يقفز في الهواء، الآن تراه عن قُرْب يحفر بفأسه، نظرَ إليها، رأت في عينيه الورديّتين دهشة كأنه يقول لها "أنتِ؟"، لم ينقصه غير أن ينطقها.
همَسَتْ له "أنا ميما"
مشَتْ إليه، صارت علي بُعد خطوات منه، تركَ فأسه وقفز مبتعدًا، لاحقَتْه، يتناثر رماد الأحلام من أقدامهما ويتلاشي في الهواء، يتوقف الأرنب بين لحظة وأخري حتي لا تفقده، بدَا أنه يُلاعبها، أو يقودها إلي مكان ما، توقّفَ عند بركة ماء علي شكل فراشة، مساحتها لا تتجاوز مترًا واحدًا، جلسَتْ بمواجهته عند حافتها، نظرَ في عينيها، مدّ فمه ليشرب، تأمّلَته، رفعَ عينيه إليها بتحريض كأنما يقول لها "اشربي"، لم ينقصه غير أن ينطقها، تمدّدَتْ علي بطنها، بدأتْ تشرب، سمعَتْ صوتًا يهمس في أذنها، يخبرها عن سِرّ لعبة القمر الأثيرة، كيف يمكنه أن يمشي مع الجميع في وقت واحد، ابتسمَتْ روحها، لو أن القمر سمحَ لها أن تسأله سؤالاً واحدًا عن نفسه، لطلَبَتْ منه أن يكشف لها سرّ هذه اللعبة القديمة.
انتبهَتْ عندما انتهَتْ بركة المياه، جلسَتْ علي ساقيها، ابتسمَتْ للأرنب، ابتسمَ لها، مدّتْ يدها إليه، قرّبَ رأسه منها، مسَحَتْها برفق، أغلقَ عينيه ونام قليلاً، استيقَظ، سحَبَ رأسه من يدها ببطء، قفزَ مبتعدًا، تبِعَتْه، توقّف عند فأسه، نظرَ إلي الزائرة لوزيّة العينين، توقّفَتْ علي بُعد خطوات، حرّكَ فمه الورديّ بسرعة، ابتسمَتْ، التقط الفأس وعاود الحفر.
عادت "ميما" إلي "دوفو" و"كاريسكا" عند حافة القمر، وقفَتْ بجوارهما، تأمّلَتْ الأرنب، أمالت رأسها علي كتفها، نادَته.
"أرنب، أنت، يا بنفسجي، ورديّ العينين"
لم يلتفت إليها كأنه لم يكن معها منذ لحظات، ابتسمَتْ،
، خرجَتْ من القمر إلي السلّم الذي ينتظر، لَحِقَ بها "دوفو" و"كاريسكا"، لم تسألهما عما رأياه هناك، تساءلَتْ مع نفسها إن كانت قد رأت شيئًا في القمر عدا الأرنب البنفسجي.
صعدوا في السحاب.
دخلوا غيمة داكنة الزُرقة، شعروا بلمسة برد خفيفة، خرجوا منها إلي نور الشمس، غطّوا عيونهم بأيديهم للحظات، كشفوا عنها ببطء، رأوا سحابًا أبيض به رتوش برتقالية، وشمس منتصف النهار تلمع علي مسافة قريبة، كانوا يقفون علي آخر درجة من السُلّم، انحرفَ "كاريسكا" خطوة إلي اليمين، ظهرَتْ تحت قدمه درجة سُلّم جديدة، طلَبَ من "ميما" و"دوفو" أن يقفا إلي جواره.
قال "انظرا إلي الشمس"
رأياها بلون برتقاليّ تغطس في البحر، انتقلَ "كاريسكا" خطوة إلي أعلي، أشار إليهما، وقَفَا بجواره، رأيا الشمس بلون زَهريّ تهبط خلف أشجار عالية، تحرّكوا خطوة إلي اليمين، رأوا شمسًا ذهبية تُشرق خلف جبل، خطوة إلي اليسار، رأوا شمسًا فضيّة تُشرق علي طريق مليء بالبشر، نظرَ "كاريسكا" إلي "ميما".
قال "ما رأيكِ؟"
"كأنها شمس أخري في كل مرة، أعجبني هذا"
ابتعدوا عن الشمس.
دخلوا سحابة ملأي بالنور بحيث لم يستطع أيّ منهم أن يري شيئًا.
"استمرّا، لا تقلقا"، قال "كاريسكا".
قالت ميما "لم يَشْتَكِ لك أحد؟"
ضحك "كاريسكا" ضحكة قصيرة.
"ستشعران متي عليكما أن تتوقفا"
شعرَ "دوفو" و"ميما" أنهما اخترقا حاجزًا ما، توقّفا، رأيا أمامها ما شعرَا أنه نهاية العالم، مساحة لا نهائية من فراغ، ليس بها نور أو ظلام، مسّهما خوف غامض.
قال كاريسكا "هذا ما تُطلقون عليه مكان خارج العالم"
قالت ميما "ماذا تقصد؟"
"أنتم، هناك، خارج الجبل، تقولون عن شيء ما، إنه من خارج العالم، رغم أني لا أفهم ماذا تقصدون عندما تقولون عن مكان أنه خارج العالم، المفروض أن العالم يحتوي كل الأماكن"، نظرَ إلي "دوفو".
"صحيح دوفو؟ أليس من المُفتَرض أن أيّ مكان لا بد أن يكون داخل العالم؟"
قال دوفو "يبدو أننا كرّرنا جملة "خارج العالم" عددًا كافيًا من المرات حتي نشأ مكان مثل هذا بالفعل، وصار حقيقة، في الغالب، نقصد بها أن الشيء جميل"
رأوا بيانو يسبح أمامهم في الفراغ، كمان، كُتُب، أشجار، أقلام، وبيوت.
قال كاريسكا "كل مَن يدخل هذا المكان يتحوّل إلي شيء ما، ما ترونه كانوا بشرًا دخلوا إلي هنا برغبتهم أو بطريق الخطأ، وتحوّلوا"
قالت ميما "هل يمكن أن يعود أيّ منهم إلي حالته الأصلية"
"لا أعرف"
راقبَتْ "ميما" الأشياء للحظات.
"ماذا يحدث لو مدَدْتُ يدي هناك؟"
رفعَتْ يدها، أمسكَها "كاريسكا".
"لا تفعلي، ربما يكون هذا كافيًا لتتحوّلي"
نظرَتْ إلي "دوفو".
قالت "إلي ماذا يمكن أن أتحوّل برأيك؟"
"سهل جدًا، قالب شيكولاتة، أو كمان"
ابتسمَتْ.
"أحبَبْتُ هذا"
"ماذا تتوقّعين لي؟"
"أنت بيانو، أو حفنة دقيق"
تنقّلوا بين السحاب.
توقفوا عند حدود أرض شوارعها عبارة عن ممرّات، بعضها مفروش بطبقة من تراب بُنّي، والبعض بحصوات صفراء، تتوّزع بينها بيوت صغيرة من خشب ملوّن، كل بيت بلون مختلف.
"غير مسموح بالمشي في الممرّات البُنيّة، يُمكن لمْسُها باليد"، قال "كاريسكا".
دخلوا أحد الممرّات الصفراء، سمعوا نغمات بيانو هادئة تأتي من مكان مجهول، شَمّوا رائحة شيكولاتة خافتة، تذكّرَتْ "ميما" صوت البيانو الذي سمِعَتْه "سيلسا" وجدّتها في "أرض الشيكولاتة"، التقطَتْ حفنة تراب من ممرّ بُنيّ، وجدَتْ به خشونة لطيفة، شمّتْ فيه رائحة شيكولاتة توأم التي شمّتْها في أرض الأربعينيات المُبتسمات، تذوقّتْه بطرف لسانها، الطعم أيضًا توأم، أعادت التراب إلي المَمرّ، وربّتَتْ عليه مرتين.
مشوا، لم تتغيّر درجة صوت البيانو، مرّت بجوار "ميما" شابة عشرينية تحمل حزمة سحاب ملوّن تحت ذراعها، وضحكَتْ لها بمَوَدّة، بعد قليل نظرَتْ إليها شابة من نافذة بيتها، وضحكَتْ الضحكة الودود نفسها، انعطفوا إلي شارع جديد، عبَرَتْ أمامهم شابة عشرينية، وضحكَتْ بموّدة.
لاحظ "دوفو" و"ميما" أن كل مَن في القرية شابات عشرينيّات، يضحكن بمودّة، لهُنّ شعر بُنّي طويل، وعيونًا بُنيّة.
أشار "كاريسكا" إلي بيت من خشب بُنّي شيكولاتي.
قال "هنا"
توقفوا عند الباب المفتوح، لا زالوا يسمعون موسيقا البيانو دون أن تتغيّر درجة الصوت الخافتة.
قالت ميما "أشعر أن الموسيقي تصدر من جسم البيت نفسه، وليس مِن بيانو يعزف عليه أحدهم"
قال كاريسكا "داخل هذا البيت صُنِعَتْ أول قطعة شيكولاتة في العالم"
ابتسمَتْ "ميما" كأنها توقّعَتْ أن يقول شيئًا كهذا.
قالت "قُلْتَ هذا عن الكوخ تحت الأرض، عند الأربعينيات المبتسمات"
"لكل شيء أكثر من حكاية"
قال دوفو "وكلها صحيحة"
خلعَتْ "ميما" حذاءها عند عتبة الباب، نظرَتْ إلي "دوفو" و"كاريسكا".
قالت "اخلَعَا الأحذية من فضلِكما"
دخلوا البيت، انقطعَتْ موسيقي البيانو.
قال كاريسكا "تتوقف الموسيقي عندما يدخل أحدهم البيت، كي تعرف البلدة أن ثمّة زائر"
قالت دوفو "هل نتوقّع أن يأتي أحد ويطردنا؟"
"لا، فقط طريقة البيت، وبالمناسبة"، نقل عينيه بين "دوفو" و"ميما".
"غير مسموح هنا أيضًا بلمس أيّ شيء، أو الكلام بصوت مرتفع"
البيت حجرة واحدة متوسطة الحجم، شمّتْ "ميما" رائحة شيكولاتة توأم التي شمّتها في الكوخ الأرضي، رأت علي طاولة خشبية مستطيلة كأس به ماء، ثلاثة أطباق زجاجية، أحدها به حفنة سُكّر بُنّي، الثاني به ورَقَتا شجر، إحداهما حمراء، والأخري زرقاء، والثالث به ثلاث ثمرات كاكاو، بجواره أداة طحن يدويّة صغيرة، وبإحدي الزوايا ثلاثة أرفف خشبية، في كلٍ منها قطعة ملابس مَطويّة.
اقتربَتْ "ميما" من الملابس.
همَسَتْ "ملابسها"
شَمّتْ فيها رائحة شيكولاتة، مرّرَتْ يدها في الهواء بمحازاة الأرفف، رأت علي الأرض سحابة يتداخل فيها الأزرق والأبيض، جلسَتْ علي ساقيها تتأمّلها.
همَسَتْ "سريرها"
أغلقَتْ عينيها، حاولَتْ أن تشمّ رائحة جسد صانعة الشيكولاتة، رأت بحرًا بُنّيًا يموج، فتحَتْ عينيها، حدّقَتْ في السحابة لبرهة، نهضَتْ، أشار لها "دوفو" تجاه نقطة بالجدار، اتجهَتْ إليها، رأت رسمًا بالحبر الأسود داخل إطار من خشب بُنّي لوجه شابة عشرينية، ينساب جانب من شعرها علي صدرها، والآخر خلف ظهرها، بجوار الإطار قلادة علي شكل قلب بُنّي صغير، ونافذة صغيرة مفتوحة، أسفلها مقعد هزّاز من سحابة بنفسجيّة.
وقفَتْ "ميما" في منتصف البيت، أغلقَتْ عينيها، سحبَتْ نفَسًا عميقًا، حبسَتْه لوقت طويل، لم يقلق عليها أحد هذه المرة، فتحَتْ عينيها، أطلقَتْ نفَسَها، نظرَتْ إلي "كاريسكا"، أومأتْ برأسها، خرَجَ و"دوفو"، وقفَتْ في فتحة الباب، قبّلَتْ يدها ولوّحَتْ لصانعة أول قطعة شيكولاتة في العالم.
وقَفَ الثلاثة أمام البيت، سمعوا موسيقي البيانو، نظرَ "كاريسكا" إلي "ميما".
قال "أيهما تعتبرينها صانعة أول قطعة شيكولاتة في العالم، صاحبة هذا البيت، أم صاحبة الكوخ؟"
أمالت رأسها علي كتفها.
قالت "لكل شيء أكثر من حكاية، وكلها صحيحة".
مقطع من رواية بعنوان "ألف جناح للعالم"
قريبًا عن الكتب خان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.