أصدر وزير العدل، بناءً علي اقتراح من وزير الثقافة السابق، الدكتور عبد الواحد النبوي، قرارًا مَفادُه منح ستة من أعضاء مجلس نقابة المهن التمثيلية سلطة الضبطية القضائية. والتي تُمكِّنهم من البحث عن الجريمة و مرتكبيها و جمع الاستدلالات اللازمة للتحقيق و القضية، و ذلك في الأمور المخالفة للمادة الخامسة من القانون رقم 8 لسنة 2003 في شأن اتحاد النقابات التمثيلية و و يتعلق الأمر هنا بتعريف "أعمال وظائفهم"؛ حيث إن الشخصيات الستة الممنوح لهم الحق -بالأساس- مختصون بأعمال التمثيل، في حين أن القرار صدر لتوقيع الضبط القضائي علي من يخالف أعمال السينما و الموسيقي أيضًا. لذا يهدُف هذا المقال لاستعراض القانون الذي يحكم الأعمال التمثيلية و السينمائية و الموسيقية علي وجه اكثر تفصيلًا. حتي يتسني لنا الوقوف علي ما كان لأعضاء النقابات الفنية من سلطات، مرورًا بالتطور التشريعي للمواد المُتعلقة بممارسة العمل الإبداعي منذ ما سُمي بحركة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 و حتي اليوم، وصولًا لقرار وزير العدل الأخير و ما يحمله من صلاحيات و سلطات جديدة للقائمين علي حماية حقوق الفنانين (سينمائيين، موسيقيين ..الخ). قانون رقم 35 لسنة 1978 بشأن إنشاء نقابات و اتحاد نقابات المهن التمثيلية و السينمائية و الموسيقية: هو القانون المعمول به حاليًا، و ذلك بعد أن كانت هناك عدة قوانين تحمل نفس الاسم تم إلغاؤها، و لكن، لعل من المهم التعرُّض لها للوقوف علي اهم التغييرات التي استحدثها المُشرِّع وصولًا إلي النص النهائي الحالي للقانون. تُحدِد المادة الثانية من القانون فروع كل مهنة و شُعبها، بينما تُعد المادة الخامسة من أهم المواد التي تعرضت لحرية المواطنين في ممارسة حقهم في الإبداع، والتي جعلت ممارسة أعمال هذه المهن الفنية حكًرا علي أعضاء النقابة، وأجازت لمجلس النقابة إعطاء تصريح مؤقت لمن يريد مزاولة المهنة، ويكون ذلك بمقابل مادي. وقد ظهرت هذه المادة - لأول مره- في هذا القانون، و ذلك علي الرغم من أن حق هذه المهن في التنظيم تعرضت له عدة قوانين سابقة تُنظم أعمال هذه النقابات، ولم َيرد في أي منها ذكرً لمنع أي شخص من ممارسة المهنة إذا لم يحصُل علي تصريح بذلك، ليصدُر بعد ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية الفقرة الرابعة من المادة الخامسة و التي نصَّت علي: "وعلي طالب التصريح مصريًا كان أو أجنبيًا أن يؤدي إلي صندوق الإعانات والمعاشات بالنقابة رسمًا نسبيًا مقداره 20٪ من الأجور و المرتبات التي يحصل عليها نتيجة التصريح المؤقت. إلا أن استجابة المُشرع للإلغاء كانت بعد صدور الحكم بست سنوات، وذلك عندما صدر القرار رقم 8 لسنة 2003 بتعديل نص المادة الخامسة، حيث تم تغيير النسبة المئوية بدلًا من إلغائها بالكامل، كما أكّد التعديل علي منع العمل بهذه المهن من دون تصريح مؤقت، ليُصبح نص الفقرة الرابعة : وتقوم النقابة بمتابعة تنفيذ العقد لضمان حصول طالب التصريح علي حقوقه قِبل المتعاقد معه فترة سريان العقد". ويؤدي طالب التصريح للنقابة مبلغًا من المال مقابل متابعتها تنفيذ العقد حسب التصنيف الفئوي لا يجاوز عشرة آلاف جنيه. وإذا كان طالب التصريح من غير المصريين يكون الحد الأقصي عشرين ألف جنيه. وتُحدد اللائحة الداخلية لكل نقابة التصنيف الفئوي الخاص بها. و يُحظر التعاقد أو التشغيل لغير الأعضاء العاملين بالنقابة أو غير الحاصلين علي تصاريح عمل مؤقتة. إذًا فما ضرورة وجود النقابة من الأساس إن لم يكن لها الحق في احتكار ممارسة المهنة التي تنظمها؟ يتضح من القوانين المُنظمة لعمل المهن التمثيلية و السينمائية و الموسيقية أن أغراض النقابات تبتعد كل البُعد عن منع أي شخص من إظهار إبداعه، وإنما عملها يتمثل في رعاية مصالح أعضاؤها وذلك: بالعمل علي ترقية هذه المهن من جميع نواحيها، و متابعتها بمقتضيات التقدم الفني و العلمي، وكذا رعاية حقوق الأعضاء فيما بينهم و بالنسبة للغير، تقوية روابط الزمالة بين الأعضاء، مساعدة الأعضاء علي إظهار مواهبهم الفنية وتنميتها والسعي لإيجاد عمل لهم، السعي لفض المنازعات التي تقوم بين الأعضاء أو بينهم وبين غيرهم. وصولًا إلي أحد الأغراض التي استعملتها النقابات الحالية بما يتناقض وحقيقة الدور المنوط بها وهي: توفير العمل للأعضاء، وتنظيم التعاون بينهم، وتقوية روح الزمالة فيهم، والعمل علي فض المنازعات التي تنشأ فيما بينهم أو بينهم وبين الغير. وعليه فإن التزام النقابة بتوفير العمل لأعضائها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُصبح مسوغًا لها لمنع غير المنتسب لها من حقه الدستوري الأصيل في التعبير عن رأيه بأي طريقة يراها مناسبة دون أي قيد. ذهب إلي ذلك رأي المحكمة الدستورية العليا حين حكمت بعدم دستورية الفقرة الرابعة من المادة رقم (5) من القانون الحالي، الا أن الحكم ذهب الي أبعد من ذلك في حيثياته ورسم دور للنقابات و أهمية وجودها وحق الشخص في عدم الانضمام لأي نقابة حين أوضح الحكم: " قضاء المحكمة الدستورية العليا مطرد علي أن حق العمال والمهنيين في تكوين تنظيمهم النقابي، فرع من حرية الاجتماع ، وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفًا إراديًا حرًا لا تتدخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ليظل بعيدًا عن سيطرتها، و من ثم تنحل الحرية النقابية ، إلي قاعدة أولية في التنظيم النقابي ، تمنحها بعض الدول ومن بينها جمهورية مصر العربية قيمة دستورية في ذاتها ، لتكفل لكل عامل حق الانضمام إلي المنظمة النقابية التي يطمئن إليها وانتفاء واحدة أو أكثر من بينها عند تعددها ليكون عضوًا فيها، وفي أن ينعزل عنها جميعًا ، فلا يلج أيًا من أبوابها، وكذلك في أن يَعدُل عن البقاء فيها مُنهيًا عضويته بها . وكما أفردنا سابقًا من ارتباط المادتين الخامسة والثانية من قانون اتحاد النقابات التمثيلية والسينمائية والموسيقية اللتين استخدمهما مُصدر قرار الضبطية القضائية للتحايل علي بنود القانون لعرقلة كل من تسول له نفسه العمل في احد مجالات الإبداع، لذا فقد اسهب قاضي المحكمة الدستورية العليا ليوضح لنا تفسير المادة بما لا يدع مجالا للشك من تأكيده للحرية النقابية وتوضيحه لغرض المُشرِّع و رسمه لحدود تدخل النقابة و ما يُعد تجاوزًا منها: "ولا تفرض قوة من بينهم بعيدًا عن وزن أصواتها هيمنتها علي شئونهم ، بل يكون القرار بأيديهم ، نابعًا من قناعتهم كافلًا ضمان مصالحهم سواء في جوهر بنيانها أو عن طريق إنفاذ وسائل الدفاع عنها ودعمها فلا يكون العمل النقابي ومبناه بالضرورة الحوار والإقناع علي ضوء تعدد الآراء وتنوعها ومقابلتها ببعض والتوفيق بينها قدر الإمكان إملاء أو التواء ، بل تراضيًا والتزامًا ، وإلا كان مجاوزًا حدوده0 . لم يتخطَ الحكم في ذلك مواد الدستور عندما فسّر القانون علي هذا النحو إذ أن دساتير مصر تواترت علي حفظ هذا الحق منذ دستور عام 1923 حتي دستورنا الحالي الصادر في 2014 الذي نص في المادة 67 : ز ة ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري ية ". ربما يظن البعض أن الضمانات التي ينُص عليها الدستور و يُقرِها القانون تُمثِل حماية حقيقية لحرية الإبداع إلا أن عشوائية و اهتراء البنية التشريعية في مصر جعل هناك أبواب خلفية لممارسة الرقابة و التضييق علي المبدعين تضعهم تحت مقصلة الاتهام بجرائم ينص عليها قانون العقوبات، وهو ما يؤثر علي العمل الإبداعي إلي جانب تغوُّل دور الأجهزة الرقابية المختلفة. لعل كل هذه الضمانات التي ينص عليها الدستور ويؤكدها القانون تُمثل ضمانة لحرية الإبداع إلا أن دخول الأعمال الابداعية في الفترة الأخيرة في نطاق جرائم يعاقب عليها قانون العقوبات من جهة وتمنعها برقابة سابقة ولاحقة جهات الرقابة المختلفة يجعل المُبدع مُلاحق طوال الوقت من لحظة تفكيره بالعمل وحتي عرضه وانتظار ردود الفعل عليه فلا يكون أمامه إلا أن يكون العمل خاويا من أي محتوي يثير ردود أفعال متباينة فلا يعدو كونه مُقلدا، وفي نفس الوقت تطالب الدولة المُبدعين بحث المواطنين علي الاتجاه للفنون الهادفة والبُعد عما يطلقون عليه ابتذالا.