قطعنا شوطا في ملف "قضايا الترجمة". في الأعداد السابقة قدمنا ما يشبه النظرة العامة علي أبرز المشاكل، عبر تحقيقات موسعة مع القائمين علي الجهات الرسمية المختصة في مصر، عرضنا أبرز المعوقات التي كان أهمها العشوائية وغياب التنسيق التي تجعل المؤسسات كالجزر المنعزلة. ونستكمل في هذا العدد وفي الأعداد القادمة حواراتنا مع المترجمين أحد الأضلاع الأساسية في عملية الترجمة، من أجل قراءة أكثر دقة، وأيضا كمحاولة للبحث عن حلول. هنا تتحدث المترجمة أميمة صبحي عن تجربتها. عن أهم الصعوبات التي واجهتها في بداية عملها كمترجمة، وتقيمها للعملية بشكل كامل. تتحدث عن التعامل مع الناشرين، وتنقل تجربتها مع الترجمة للصحف المصرية والعربية. ترجمت أميمه صبحي كثير من النصوص الأدبية والمقالات الصحفية التي نشرت في مطبوعات مختلفة، وكثير منها نشر هنا في "أخبار الأدب". وترجمت كتابين، صدر الأول "عقول مريضة" عن دار العربي عام 2013 وهو كتاب عن تاريخ بعض الأمراض النفسية والعصبية وقصص حيوات العلماء والمتخصصين مكتشفي هذه الأمراض وتاريخ الحالات الأولي التي كانت سببا في اكتشاف المرض وتشخيصه، وكيفية العلاج أو الأساليب المتبعة للحد من ازدياد حدة المرض وتدرجه. الكتاب الثاني صدر منذ أيام وهي رواية نرويجية بعنوان "إلينج"، ترجمتها من اللغة الإنجليزية الوسيطة. وهي رواية إنسانية عن مريضين نفسيين خرجا لتوهما من مصحة تأهيل نفسي ويحاولا التعايش بمفردهما مع المجتمع النرويجي. يواجها الكثير من المصاعب والمواقف الكوميدية والجادة المحرجة، لكنهما يستطيعان الانغماس في المجتمع في النهاية وتكوين بعض الصداقات. بدأت أميمه الترجمة بالصدفة. تخرجت في كلية الآداب قسم الإعلام جامعة عين شمس، وقررت العمل في المجال الذي درسته، واختارت أن تبدأ مع جريدة الأهرام. بالمصادفة نشرت وقتها مجلة "آخر ساعة" قصة لإحسان عبد القدوس وادعت أنها تنشر لأول مرة لكنها لم تكن كذلك. كانت قصة منشورة في المجموعة القصصية "زوجة أحمد". فاستعارت أميمة المجموعة من مكتبة مصر العامة وصعدت بها لمكتب رئيس تحرير المجلة وأخبرته أنهم وقعوا في خطأ. اندهش الرجل لعدم التفات محمد عبد القدوس لهذا الخطأ وعرض عليها التدريب والعمل معهم بالمجلة. الطبيعي أن تكون تلك الواقعة علي هوي صاحبتها التي اختارت العمل في مجال الصحافة، لكنها كانت علي العكس تماما، فكرت أميمة واحتارت ثم اختارت أن ترفض الفرصة، وتحول المسار تماما لتستغل حبها للقراءة والكتابة في العمل بالترجمة! الأغرب أن ترجع الأمر ترك الصحافة والبدء بالترجمة لدراسة الصحافة نفسها "الدراسة لها أثر ما لأني درست الترجمة الإعلامية والصحفية، لكني فضلت العمل كمترجمة حرة لاختار نصوصي بحرية". - بشكل عام هل يجب أن يكون المترجم خريج أقسام اللغات؟ أنا أفضل ذلك. كخريجة قسم إعلام ولم أدرس أي لغة بشكل أكاديمي أقول أن هذا له تأثير سلبي. حاولت مرارا أن ألتحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب لكن البيروقراطية المصرية حالت دون ذلك. إلي الآن أجدني في حاجة لتعلم المزيد للإلمام باللغة بشكل أكبر وهي مهمة شاقة. بالطبع الترجمة تعطي خبرة واسعة باللغة إلا أني كنت أفضل دراسة الأدب الانجليزي وخاصة الشعر بشكل ممنهج وأكاديمي لأتشرب اللغة واستوعبها بشكل كامل ويزيد إحساسي بها. - هل أثر ذلك علي عملك كمترجمة؟ عدم دراستي للغة الإنجليزية بشكل أكاديمي موسع كانت أهم الصعوبات التي واجهتني. وترتب علي ذلك مروري بدورات اللغة الإنجليزية في معظم الأماكن التي تقدم تلك الدورات في مصر تقريبا ولكنها طبعا غير كافية لصنع مترجم محترف، يمكنها أن تؤهل المرء للتحدث بثقة بلغة أجنبية لكنها غير صالحة بمفردها لتشكل إحساس المترجم باللغة التي ينقل منها. مما تطلب مني جهدا مضاعفا لدراسة اللغة بشكل منفرد ولقراءة كلاسيكيات الأدب ولاسيما الشعر الانجليزي الذي مازلت أواجه صعوبات في قراءاته إلي الآن. - وهل فكرت في التوقف وربما تحويل المسار؟ في الحقيقة نعم! فكرت كثيرا في التوقف. بل إني لم أمتلك الجرأة لأطلق علي نفسي لقب مترجمة إلا بعد سنوات عديدة من ممارسة الترجمة. أنا أحب الترجمة وأحب كوني أمتهن تلك المهنة الشاقة، إلا أني ومع فشلي في الالتحاق بأقسام اللغة الإنجليزية في أكثر من جامعة مصرية فكرت كثيرا في التوقف وترك الساحة لمن هم أكثر دراية باللغة لكني لم أستطع مقاومة سحر التعلم المستمر وفك ألغاز نص استعصي علي فهمي وعملت كثيرا عليه، واكتشاف الجمل الطويلة المركبة التي تحمل أكثر من بُعد. ففي النهاية تكتمل سعادتي حين أنتهي من ترجمة نص ما بشكل صحيح وأشعر أني علي الدرب الصحيح. - كيف ترين التعامل مع الناشرين بخصوص الترجمة؟ لم أواجه مشكلة في التعامل مع الناشرين إلي الآن، وترجمت مع الأستاذ شريف بكر كتابين واعتقد أنها كانت تجربة ناجحة وكنت محظوظة بالعمل معه. كما أني لا أخجل من عرض عملي أو اقتراحاتي للترجمة علي الناشرين. أرسل لهم الرسائل والإيميلات وانتظر الرد علي مقترح بترجمة رواية ما. لا يرد سوي القلائل في الحقيقة، يمكننا اعتبار ذلك مشكلة لأنهم في بعض الأحيان لا يوكلون مهمة الترجمة سوي لمترجمين مشهورين أو من أصدقائهم مما يهدر فرصا كثيرة لمترجمين مغمورين لكنهم جيدون. - وكيف تقيمين دور الدولة في هذا المجال؟ تقوم الهيئة العامة للكتاب والمركز القومي للترجمة بجهد شاق لترجمة الأعمال الجيدة لكنها تتأخر جدا في صدور كتبها ولا نستطيع إيجاد إصداراتها في كل المكتبات كما أنها لا تصل للمحافظات البعيدة. مثل كل شئ تقدمه الدولة للمواطن لا يكون كاملا للنهاية. - هل ترين نموذجا ناجحا يمكن الاستفادة منه، أو يكون منطلقا للبحث عن حل؟ اعتقد أن سلسلة الجوائز نموذج ناجح لسرعة نشر إصدارتها نسبيا عن المركز القومي للترجمة. في النهاية أري أن حركة الترجمة في مصر لا بأس بها فحين فاز موديانو بجائزة نوبل العام الفائت كان لدينا 6 روايات مترجمة له إلي العربية في حين كانت جرائد العالم الغربي تعلن جهلها التام بأعمال الرجل ويطالبون بسرعة ترجمتها للغة الإنجليزية للتعرف علي مشروعه. لست بالخبرة الكافية لتقديم مقترحات بحلول عملية ولكنني أري أنه لابد من زيادة مساحة التقدير للمترجمين علي الأقل من الناحية المادية. فالمترجم ليس آلة أو ناقلا من جوجل والقواميس الإلكترونية إنما يبذل روحه من أجل خروج النص في أصح وأفضل صورة للقارئ وأري أن الجرائد والمجلات المصرية من أقل الأماكن تقديرا لدور المترجم ولا تعطي له سوي الفتات. - هل جربت التعاون مع جهات خارج مصر؟ ليس كثيرا! أرسلت الكثير من المقالات لمجلة عربية ولكنها نشرت لي مقالا واحدا فقط وتسلمت راتبي بعد النشر بعدة أشهر. رغم مكانة تلك المجلة الثقافية في الوطن العربي ولكن العمل بهذا الشكل يكون مرهقا ويستهلك الكثير من الوقت سواء للرد علي المترجم بالموافقة علي النشر أو النشر نفسه أو حتي تلقي الراتب لذلك لم أخض التجربة مرة أخري إلا في أضيق الحدود. - أخيرا ماهي أهم فروع الترجمة التي تحتاج لدعم أكبر من وجهة نظرك؟ أعتقد أن فروع الترجمة التي تحتاج لدعم أكبر هي كل فروع الترجمة. ربما نحن نترجم الأدب العالمي بسرعة لا بأس بها ولكن لا توجد ترجمات فلسفية حديثة والقديم منها لغته معقدة أكثر من النص الأصلي. كما أن هناك نقصا شديدا في ترجمة الكتب العلمية. حتي صفحة الويكيبديا علي شبكة الإنترنت تعاني من نقص في محتواها العربي لكننا نجد أنها مترجمة بشكل جيد لمعظم لغات العالم. مازال أمامنا الكثير لترجمته وإثراء المكتبة العربية به.