لوجود عدد كبير من الاشجار بمنطقتنا ،سكنتها الطيور بكثافة .وروار مصري.. هدهد..عصافير ..يمام ..حمام بري ..كروان ..وقليل من الغربان. في الفجر ،كنا نجدالطيور ينطلقون بأصواتهم كأنهم يرسلون لنا تحية الصباح ،باعثين الامل والتفاؤل ،أما ميعاد حفلتهم الموسيقية قبل المغرب، فكنا نستغله- رجالاً ونساء- في التمشية .. الجلوس مع بعضنا ..الدردشة ..تبادل الآراء وكذا الاطفال في اللعب،محاطين بهذا الكورال الرباني الشادي في هارموني مدهش كأنها اوبرا حتي الغروب ، ومع انتظام يومهم المنتهي بعد العشاء بقليل كنا نشعر بسكينة غريبة تشملنا إلي صباح اليوم التالي. منذ عدة سنوات قليلة ،أحضر أحد القاطنين جهاز "ديكودر" ..ركب علي السطح طبقاً كبيراً قطره حوالي مائة وثمانين سم "دشا" .وكان حدثاً ،قمراً صناعياً صغيرا خاصاً به ؟.أعطي لمن ركبه فقط ثمانية الاف جنيه ،أما ثمن هذا القمر"الديكودر و الدش والكامات والاسلاك "فتجاوز الخمسين الفا. بدأت الاجهزة في الظهور علي الاسطح ببطء،.ولأن "الفضائيات" تعمل أربعة وعشرين ساعة فقط في اليوم إمتَصت أوقات الفراغ .قل من ينزل ٌللتمشية .. للفسحة .. للدردشة .السيدات شغلن بقنوات الموضة و الطعام ..الرجال تشاغلوا بقنوات الافلام ،الاغاني ،الرياضة .حتي الاطفال شغلتهم قنوات"الكارتون ".عن اللعب وممارسة الرياضة . وظهرت علي استحياء ظاهرةغريبة، وهي تزايد عدد الغربان بالمنطقة لكننا لم نول الامر اهتماما . ومع رخص ثمن الاجهزة وتركيبها ،تزايد عدد الاطباق المركبة فوق الاسطح لدرجة أن من يريد تركيب "دشا" يضطر للانتظار أسبوعا حتي يأتي المهندس لتركيبه وضبط شفراته،بل وتشاجرناعلي الاماكن المميزة بالسطح ،وأختفي من ينزل للترويح عن نفسه والحوار مع الجيران والصحبة، فانسحب السكون والهدوء تدريجيا من حولنا لتصاعد صوت القنوات المختلف، وكما انسحب الهدوء ،انسحب الوروار المصري ..الحمام البري .. اليمام ..الكروان ..البلابل ،وكافة الطيور عدا الغربان !!!. زادت الاقمار الصناعية ،كثرت القنوات الفضائية ، تكاثفت الارسالات الفضائية بتردداتها الافقية والرأسية . بدأت هذه الترددات المختلفة في جذب الغربان من المناطق المحيطة، كأن بهذه الترددات مغناطيسا جاذبا لها ومع تزايد تشغيل الفضائيات ليلاً أصبحت الغربان لا تنام الا قليلاً .فترة قصيرة لا تتجاوز ساعتين ،مما أثر علي اعصابها لقلة النوم .وجعلها في حالة هستيرية وغير متزنة تطور الامور مع تكاثف الاطباق-لدخولنا في منافسة بيننا في عدد القنوات الفضائية لدي كل منا ، حيث ركب البعض أربعة أطباق في الاتجاهات الاربع وبكل "دش" أكثر من "كامه "وأحياناً ،ثلاثه ..أربعه ،ليزيد قنوات المشاهدة من محلي .. أوربي ..أمريكي . تنافس الكل في تقليده أصبحت معدلات الموجات وتردداتها شديدة التكثيف في منطقتنا عن كل من حولنا .بدأ شكل الغربان في الاختلاف ، أصبحت رؤؤسهم أكبر عن سابق ،تزايد معدل إنجابهم تزايداً رهيبا ، تغير سلوكهم.كانوا يفرون اذا أقترب أحدٌ منها ،أصبحوا لا يعبؤن بمن يمشي بجوارهم ويكاد يلمس ريشهم ،كانوا يقتاتون علي مايجدوه في أكياس القمامة او الطعام الذي يُلقي. دخلوا مطابخنا خاطفين الطعام،لا بل وأجترأوا علي دخول غرف السفرة..الصالون..النوم، لو تركنا النوافذ مفتوحة أوالبلكونات. أضطررنا لإغلاق جميع الشبابيك والبلكونات صيفا وشتاءً كانوا يسكنون الاشجار، انتقلوا لبناء أعشاشهم فوق الاسطح!!،كنا نراهم فرادي ،بدأوا التجمع في أسراب مغطين سماءنا متصايحين بوقوقتهم الحادة وصراخهم الذي لا يتوقف ،كقطيعٍ طائرٍ يحجب عنا الضياء ويملأ أذاننا بنُذر الشؤم تلك الأصوات التي كانت لاتُسمع وسط أصوات هديل الحمام والعصافير والبلابل و الكروانات ،الآن تملأ الجو حولنا بوقوقتها ليلاً ونهارا،مما أضطرنا لوضع سدادات علي أذننا، حتي لا نسمعها ،أما الغالبية فقد استسلمت،تاركة لهم آذانهم ينهشونها بأصواتهم المقززة،مع تزايد صيحات هذه "الوقوقة "الشؤم كلما تزايد عدد القنوات الفضائية ،وتعالي أصواتهم كأنها تؤلمه و يثيرها إثارة لا نعرفها ،أوهناك منافسة ما لا ندريها بين الغربان وصوت الفضائيات فتأخذ في الهياج و الصياح،أم هذه الترددات الكهرومغناطيسية المكثفة أثرت علي عقولهم بطريقةٍ ما لا نعرفها هيج أعصابها مع قلة نومهم . إلي أن هاجمت قطيع الغربان كل من كان بالشارع ظهراً. وهي ملتاثة في سعار .