لو كان الفقر رجلا لقتلته.. ما لنا ولجرائم القتل والإرهاب يا رجل..صاح محذرا.. لا تنس السلمة المكسورة يا أخي.. سلم النزول من علي شجرة الفقر هو قصة حينا.. كان الفقر رجلا أم ورقة مع أغنية يظل السلم هو الحلم الذي يراود الكثير من البسطاء، بعد أن عض الفقر أجيالا من المصريين.. دستور يا أسيادنا مستأذنا في الدخول.. تلفت يمنة ويسرة ثم إلي الخلف وأنا أحاول أن ألفت انتباهه أن يكون ذلك بقدمه اليمني، مع مسح قدميه بالدواسة الجلدية أمام الباب للتخلص من آثار مياه المجاري الطافحة باستمرار بالشارع.. اختفت معظم حروف كلمة مرحبا من علي سطح الدواسة تحت وطأة الأقدام.. تراجع الرجل للخلف يتفحص الأوراق التي يحتضنها، وهز رأسه ثم استدار ليهبط دركات السلم القليلة.. قبل وصوله للدرجة المكسورة استوقفته ما الذي حدث يا أستاذنا..؟ ما تقوله يا سيدي غير موجود في الأوراق.. يا لها من أوراق.. كانت الإشاعات قد سرت بين جنبات الحي،وداخل غرف النوم عن تغيير الدستور ودستور جديد يحل المشاكل، وذلك بعد هروب عم عبده بعربة الفول، خوفا علي سوسه من الانتشار بأوراق الدستور.. والأدهي أن أغلق المخبز الإفرنجي الوحيد أبوابه بعد ظهور الخلافات حول الرغيف الشرعي.. وأغلقت مدرسة البنات أبوابها بعد حملة زواج الصغيرات وخوفا من خطفهن.. ولم تتوقف المظاهرات المطالبة بسقوط الدستور إلا بعد ظهور التشققات والتصدع بالبيت الأبيض الكائن بشارع السلام المتفرع من شارع المعاهدة وإخلاء السكان منه.. تفضل يا أستاذ بالدخول كيفما شئت فالضرورات تبيح المحظورات.. كانت زيارة الرجل ومعه مسودة الدستور الجديد - والتي احتضنها بعناية كبيرة بعد اتصالات مكثفة بالإدارة المحلية لمحافظتنا.. ومع حديثنا عن النهضة فقد هز الشوق أفراد العائلة والذين اجتمعوا لأول مرة علي معرفة شئ ما.. وكان ذلك أيضا مع توسط وبإلحاح من ابن عمي بالمجلس المحلي وعضو اللجنة التأسيسية للدستور وجاري بالدور العلوي، والذي أكمل دراسته بكلية الحقوق أثناء العمل.. شاركنا بجدية ابن الخالة وجارنا بالدور الأول علوي، وهو بالمناسبة يعمل مع سكرتير السيد المحافظ، ويطلق لحيته وعضو المجلس المنحل ويسبقنا إلي الصلاة بالمسجد يوم الجمعة.. وكان أكثرنا حركة للاستحواذ علي نسخة هو الصول بالداخلية، وزوج أختي التي تسكن بالدور الأرضي المرتفع.. وكانت الزيارة بحجرة الصالون بشقتها، في وجود ممثلي العائلة الذين تجمعوا للمرة الأولي.. جلس الأستاذ علي الأريكة.. جفف حبات عرق لصقت بجبهته.. وضع ساقا فوق الأخري.. ارتشف حبات الشاي الأخضر.. مفيدة هي لأصحاب الضغط العالي والسكر كما تقول قناة الناس الحلوين الفضائية.. سألته لماذا كنت تتلفت للخلف وما سر هذا العرق..كنت أخفي النسخة تحت الشلته من أقمشة قديمة، علي مقعد متهالك، متروك في احد أركان الحجرة بمنزلنا في انتظار بائع الروبابيكيا.. وعندما عدت لآخذه وجدت مكانة مكتبة جديدة.. ظننت أن موسي ابني الأكبر قد اشتراها وسأسأله عند عودتي.. ثم ماذا يا أستاذ اعترف.. رد الصول يستحثه علي مواصلة الحكاية.. في طريقي إليكم عبرت المزلقان قبل قدوم القطار وإذا بصرخات تتعالي والقطار ينطلق بعيدا وسيارة محطمة تجمع حولها الأهالي، وعدت لأستكشف الخبر ولم أفهم شيئا فالبعض يتحولق والآخر يبكي، ومنهم من يطالب بحضور سيارة الإسعاف....الله يعوض علي السيارة وصاحبها،مقاطعا، طبعا أصبحت خردة بالتأكيد وأكمل ابن الخالة.. فين ميكانيكية وصنايعية زمان.. تشرئب الأعناق حول حامل الدستور من جديد، فيعيد تبديل ساق فوق الأخري.. يشم غلاف الدستور.. يستكمل.. وضعت الدستور علي السيارة حتي استطيع المساعدة في استخراج المصابين ومن كان حيا.. وبين ذهول الناس خرج الركاب جميعا من وسط حطام السيارة ولم يصب أي منهم بخدش واحد وتعالت الزغاريد.. وأسرعت الخطي وأنا لا أصدق ما حدث.. تعالت أصوات نباح الكلاب بالخارج، وأشار زوج أختي بالهدوء فلا جديد في الأمر..فالكلاب تطارد القطة التي صعدت أعلي الشجرة بينما لاذ الفأر بالفرار.. ضحك.. طبعا المجاري قريبة منه.. المشكلة أن ذلك يحدث ليلا أو نهارا..تصور قيامك من النوم علي صوت النباح.. كابوس يا إخوانا.. فكرت كثيرا في إطلاق الرصاص عليهم..حانت مني التفاته والرجل يزيح الدستور قليلا إلي ركن المنضدة، فلاحظت تنوع المشروبات وعلبة شيكولاته تتوسط المنضدة مع قطع من البسكويت والحلوي.. من أين لأختي بهذه الرفاهية وهل هناك حوافز كبيرة بالداخلية..هل السر بالدستور الجديد..عاد الرجل بظهره للخلف وقد ران الصمت علي المكان، إلا من فترات تناول المشروبات.. حان دوري في الحديث وفرصة ذهبية.. جلست..أعرف أنه ليس موقف خطبة ومواعظ .. ماذا تريد العائلة..أحفظ حكما ومواقف تاريخية، ولكني أدرك أن علي الرجل أن يكون حريصا ودقيقا فيما يصدر عنه، وأن يزن كلماته، قبل أن يطلقها إلي الطرف السامع، لأن الكلمات، كما قيل، كالرصاصات سواء بسواء، إذا ما انطلقت صار من المستحيل أن تعود إلي النقطة التي بدأت منها.. راودتني ابتسامة المثقف الواعي عن السهم ينطلق ولا يعود.. والزمن يمضي ولا يتوقف.. والصدفة تأتي مرة واحدة..مع دخان السجاير المنطلق في جو الحجرة كانت الإشارات من الأقارب من تحت لتحت..هاهي الفرصة سانحة لتحقيق المعجزة في بيتنا فماذا أطلب.. دارت عيناي تستشف أشياء من وجوه الحاضرين.. وفاض قلبي بكلام صالح ولكنني أستعجل الكلام المفيد.. ها....وجدتها....أتمني أن تمطر السماء ذهبا.. هززت رأسي فساعتها سوف تتحكم الرياح في الذهب وسيحصل الجيران علي كمية من الذهب، ابن عمي سيقف بجانبهم حرصا علي أصواتهم في الانتخابات القادمة.. أعرف مطامعهم سيبيعون الذهب برخص التراب لشراء اللحم والفاكهة..عبده ذو اللحية البيضاء وصديق ابن خالتنا يريد الزواج من وراء ظهر زوجته.. لن أشاركه في هذه الحكاية ودعاء الأبناء عليه.. أشار الرجل بيده علامة عدم الموافقة.. نظرات الدهشة تسبقني فأنا لم أنطق بكلمة بعد..هل يعرف ما أفكر فيه.. تجاهلته لكنه سارع بالقول.. من الأفضل أن نغير اسم الشارع.. نسميه (وول ستريت) أي شارع المال بالأمريكاني.. قالها ابن عمي الذي يجيد الانجليزية منذ أيام أن تعلمها في سبعة أيام وبدون معلم والفخر يدغدغ مشاعره..واستغرقني التفكير.. هل نطالب بظهور البترول في بيتنا.. طبعا سنبني سورا لحماية حقنا.. وكيف سنقسم الأرباح.. ؟ انتفضت واقفا.. أنا المدير.. هذا حلمي..النظرات المذعورة أعادتني إلي رشدي..جلست أحكي لهم ما أفكر فيه وكيف نطالب بالنص بعدم التعدي علي الملكية الخاصة بالدستور وممارسة الديمقراطية فمن حقنا أن نحلم.. هي الشوري لا الديمقراطية يا أخينا..قالها وقد اختلطت رائحة المجاري بدوائر الدخان المتصاعد إلي سقف الحجرة ينافس نظرات الجميع المتعلقة به بينما عادت الكلاب للنباح. أصالة .. نهر صديقه بشدة، وهو يضع غطاء فوهة مجاري الشارع الكبير خلفه، بالعربة الصغيرة.. إن سرقت اسرق جمل وإن عشقت اعشق قمر رد صديقه بتكاسل.. علي قدر الحاجة يا سيدي.. ألا تخاف أن يسقط ابنك في المجاري..؟ هز رأسه وهو يقول : لست متزوجا وهو يناوله ساندويتش كفته مخصوص.. أشعل سيجارته وأطلق حلقات الدخان في الهواء، بينما قضم الآخر قطعة كبيرة مع إصبع كفتة كاملة من الساندويتش، وعاش مع خليط الرائحة والنشوة، وهو يدندن، وصوت المذياع يردد نشرة الأخبار المسائية.. حبس صاحب محلات كفتة مخصوص بعد اكتشاف أنها من لحوم الحمير.. .. في المساء التالي حملا الأغطية الجديدة مع ساندويتشات الفول والطعمية.