في 13 نوفمبر ،تحلّ الذكري الخامسة والعشرون علي رحيل الكاتب والقاص والروائي عبد الحكيم قاسم ، والذي كان ميلاده في يناير 1935،ورحيله في 13 نوفمبر1990 ورغم الأهمية القصوي التي يشغلها قاسم في السرد العربي والمصري ،إلا أن أعماله لم تحظ حتي الآن بالنشر الكامل من جهة أي مؤسسة رسمية أو غير رسمية ،وكذلك لم تحتف به تلك المؤسسات بعقد مؤتمر عن إبداعاته وحياته الخصبة ،رغم أنه كان يحظي بتقدير مسئولين في تلك المؤسسات. هل آن الأوان لكي تتدارك تلك المؤسسات ذلك التجاوز المعيب ؟! وتعمل علي تنشيط الذاكرة باستعادته كاملا ،ودون نقصان ،وطبع ونشر أعماله الروائية والقصصية والنقدية ،لكي تكون تلك الأعمال بين أيدي الناس ،فغياب أعماله كاملة ،ماهو إلا الدليل علي فداحة عدم الإدراك المؤسسي بقيمة مابين أيدينا ،وتجاهل أكثر فداحة لثرواتنا الفنية ،رغم الحديث السلطوي التعيس والشكلي والوهمي ، الذي يتحدث به المسئولون عن القوي الناعمة وأهميتها وجدواها ،إنها مجرد أحاديث للاستهلاك الإعلامي الضال والمضلل. عبد الحكيم قاسم صاحب الجدارية الأجمل "أيام الانسان السبعة"،و»قدر الغرف المقبضة« و»محاولة للخروج «و»المهدي« و»الأشواق والأسي والظنون والرؤي« و»الأخت لأب« و»الهجرة إلي غير المألوف« و»ديوان الملحقات« و»طرف من خبر الآخرة« و»سطور من دفتر الأحوال« ،ثم رسائله الفاتنة ،والتي تعدّ بحق سيرة ذاتية له ،وسيرة غيرية لجيل الستينيات ،تلك الرسائل التي تكبّد محمد شعير مشقة وعناء البحث عن تلك الرسائل في مصادرها الأصلية ،أي البحث عنها لدي "المرسل إليهم"، هذا فضلا عن كتابات عبد الحكيم المتناثرة هنا وهناك في مجلات الآداب البيروتية،والأقلام العراقية ،والكرمل الفلسطينية ،ومجلات وصحف القاهرة والطليعة وإبداع وأدب ونقدو الأهالي والشعب المصرية، هذه كتابات تنتظر الاهتمام والمتابعة ،لكي تكتمل جدران تأريخنا الناقص دوما. عبد الحكيم قاسم الذي عرف أهميته كل أبناء جيله ذوي الحظوة في المؤسسات الرسمية ،وفي الصحف والمجلات ،لم يحظ بذلك الانتباه الذي يليق به ،ومن المفترض أن يليق بهم ،ولم يعتن كثيرون بمتابعة أمر هذا المبدع والفنان الكبير ،وأنا هنا لا أبكي علي عبد الحكيم قاسم فقط ، بل يشاركه آخرون في تلك المحنة ،منهم علي سبيل المثال محمد روميش ،وعبد الفتاح الجمل ،وزهير الشايب ،وضياء الشرقاوي ،ومحمود دياب ،وكمال القلش وغيرهم من مواهب عظيمة أهدرتها تلك الفوضي ،وهذه المحسوبيات التي اجتاحت وزارة الثقافة المعنية بالتنقيب والتفتيش عن التراث الذهبي للمبدعين المصريين الكبار ،بدلا من تلك الإصدارات الكاملة لأعمال لم تلفت الانتباه عندما صدرت منفردة ،وآثرت وزارة الثقافة أن تعمل علي تجميع الكوارث وتكرارها في أعمال كاملة،والمقام محرج جدا للخوض في تفاصيله ،ربما يساعدني الله في الفترة القادمة لفتح هذا الملف المكدس بالمجاملات ومحاولات الإرضاء الرخيصة لهذا ولذاك. عندما خرج عبد الحكيم قاسم من السجن في 14 مايو عام 1964، لم يحظ بأي تكريم خاص مثلما حظي كثير من رفاقه،وكان قد قبض عليه معتقلا ،في 24 ديسمبر عام 1962، وتحول إلي مسجون سياسي عام 1962،إذ صدر عليه حكم بالحبس خمس سنوات ،وخرج في العفو الشامل الذي أصدره جمال عبد الناصر للإفراج عن اليساريين بعد إتمام صفقة رابحة ،بحلّ الحزب الشيوعي ،وإدماجه في الاتحاد الاشتراكي ،والتحاق القيادات الشيوعية بالصف الوطني الرسمي للنظام. كان عبد الحكيم عندما قبض عليه عام 1960، مايزال طالبا في كلية الحقوق،وعاقته سنوات الاعتقال والحبس عن استكمال دراسته ، وعندما خرج مع الخارجين عام 1964 ،استكمل دراسته ،وحصل علي ليسانس الحقوق عام 1965، وعمل في وزارة الخزانة ،إذ إنه لم يكن علي هوي القيادات اليسارية ،وقد شكلّوا لجنة لتوظيف الخارجين ،ومنحوا بعضهم أعمالا مرموقة ،كما وضعوا الأنصبة المالية التي سيتقاضاها المفرج عنهم ،لاستيعابهم في ماكينة الدولة ،تلك الأنصبة التي كانت تتناسب مع حجم وشكل التأييد للسلطة الوطنية الناصرية، فهناك من كانوا رافضين لحلّ الحزب ،هؤلاء حرموا من حظّ التنجيم والبغددة التي شملت من كانوا مؤيدين للحلّ والاندماج في صفوف النظام. لم يكن عبد الحكيم داخل هذه المعادلة ،ولذلك واصل استكمال دراسته ،والاندماج في صفوف الشعب ،بعيدا عن أن يكون من النخبة المرفهة بأمر رئاسي ،ولا نستطيع أن نقول إن هذه الوضعية من صناعة حكيم ،بقدر ماكانت الضمائر تعاني من خلل ،كما يحدث في كل العهود والعصور ،وواصل عبد الحكيم مسيرته الأدبية ،إذ كان قد كتب بعض قصصه القصيرة في السجن ،وكان يقرؤها علي رفاقه في الزنزانة ،تلك القصص التي لم تشاهد النور إلابعد سنوات بعيدة من كتابتها ، فرغم أنه نشر بعضها منجّما في المجلات الأدبية ،إلا أن مجموعته القصصية الأولي وهي "الأشواق والأسي"، لم تنشر إلا في عام 1984،وهي تنطوي علي ثماني قصص ،وليس كما ذكرت مارينا ستاج في كتابها "حدود حرية التعبير"،وقالت بأنها تنطوي علي تسع قصص، وكان قد كتب القصص الخمس من المجموعة في السجن ،هذه القصص هي "قريتي ،الصندوق ، ليلة شتوية ، السفر ،والخوف القديم"،ولدي اعتقاد راسخ بأن هذه القصص الخمس كانت بمثابة التدريب اللغوي والفني والأسلوبي الذي فتح الطريق لعبد الحكيم ليكتب رائعته "أيام الانسان السبعة". نشر عبد الحكيم قصته الأولي "الصندوق" في مجلة الآداب البيروتية ،خلافا لما ذكرته هيئة تحرير "مطبوعات القاهرة" علي غلاف روايته "قدر الغرف المقبضة" بأن تلك القصة نشرت عام 1964،وكذلك ذكر موقع ويكيبديا بأن القصة منشورة عام 1965،وربما يندهش القارئ الكريم من انشغالي من تلك التفاصيل الصغيرة، لكنني أري أن تلك التفاصيل تعني عندي وعند باحثين آخرين معني كبيرا، وعلي سبيل المثال فالدكتور صبري حافظ في كتابه "سرادقات من ورق"، وقد خصّص فيه فصلا عنوانه "القرشي وقاسم..أعلام الجيل المنكور وتجربة العمر المهدور"، ذكر فيه عنوان قصة عبد الحكيم "طبلة السحور"، علي أنه "طبلية السحور"، ولا يظن القارئ الكريم بأن هذا خطأ مطبعيا ، ولكن د حافظ يقصد فعلا ذلك العنوان ،لأنه كان يتحدث عن أن عبد الحكيم كان مشغولا في هجرته إلي ألمانيا بصناعة مأكولات مصرية أصيلة "وإن لم ينجح كما يكتب حافظفي أن يجعل له نكهة أرز البندرةقرية عبد الحكيم الطالع من أفران الخبيز بها في آخر النهار وقبل عودة البهائم من الغيطان ،فهيهات أن تبلغ أفران برلين المنزلية روعة أفران البندرة،فتلك أفران برلين آلية لا طعم لها ولا نفس ،وما أن عاد إلي مصر بعد غيبته الطويلة عن القرية حتي كانت أولي قصصه "طبلية السحور" عن التحولات التي انتابتها ،ونحن هنا لا نتصيد ،ولكن التصحيح واجب ،وقد ذكر د حافظ أن رواية عبد الحكيم "محاولة للخروج" نشرت في العام 1989، . لذلك فأنا مشغول بتلك التفاصيل التي تعني بالنسبة لي الكثير،وبالأحري مشغول بالتطور الفني الذي طرأ علي الكاتب ،فالقصة عند نشرها للمرة الأولي في مجلة أو صحيفة ما ، ثم صياغتها الأخيرة عندما استقرت في مجموعة أو كتاب قصصي ،أو أصبحت فصلا في رواية مثل قصة "الحديقة" لضياء الشرقاوي ، أو "الطوق والأسورة" ليحيي الطاهر عبدالله ،وهناك بعض القصص التي تحولت إلي مسرحيات ،وأشهر مثال علي ذلك قصة "جمهورية فرحات" ليوسف ادريس، كل ذلك يعني الكثير ،وإذا لم يستسهل الباحث ، سيصل حتما إلي نتائج عظمي من إجراء تلك المقارنات الضرورية والواجبة. وعبد الحكيم قاسم أحد الكتّاب المحيّرين، الذين أجروا تعديلات كثيرة علي صياغات قصصهم ، فالصيغة الأخيرة المستقرة ، تختلف كثيرا عن الصيغة الأولي التي ظهرت بها في مجلة أو صحيفة ما ،وهذا الأمر يعنيني ،خاصة أنه تطور فني وأسلوبي محضر ،وليس تعديلا لغويا أو سياسيا ، مثلما حدث عند آخرين ،ولذلك عندما تجري المقارنة بين النصّ في صيغته الأولي ،والنص ذاته في صيغته الأخيرة ، سندرك مدي التطور أو القلق الذي كان يلاحق الكاتب في مسيرته. وعلي سبيل المثال لو تأملنا بعض التغييرات التي طرأت علي قصة "الصندوق" في صيغتها الأولي والمنشورة عام 1966،وفي صياغتها الأخيرة والمستقرة في مجموعة "الأشواق والأسي" المنشورة عام 1984، هذا التطور الذي لحق بالمعجم اللغوي ، وبالتراكيب التي تعمل علي توسيع معني ما ،وتقليص معني آخر ، هذا بالإضافة إلي الحسّ الجمالي الذي بدأ يهيمن علي الكاتب ، بغض النظر عن أن هذا الحس من الممكن أن يرضي القارئ أم لا ،فمثلا الاستهلال الذي بدأ به حكيم قصته "الصندوق" في صيغتها الأولي يقول :"...كانت كل يوم تصعد السلم الطيني درجة ..درجة،الدنيا وقت القيلولة وكلهم نائمون ،حتي الدجاجة السوداء ،نكشت بمنقارها وأظافرها حتي صنعت لنفسها مهدا صغيرا نامت فيه منفوشة الريش مغمضة العينين مفرجة المنقار لاهثة الأنفاس يكاد تنفسها أن يسمع في صمت الدار"، أما في صيغته النهائية :"وكانت كل يوم تصعد السلم الطيني درجة ..درجة، حينما تكون الدنيا وقت القيلولة وكلهم نائمون ، والدجاجة السوداء العتيقة نكشت بمنقارها وأظافرها حتي صنعت لنفسها مهدا صغيرا نامت فيه منفوشة الريش مغمضة العينين لاهثة الأنفاس ، يكاد تنفسها أن يسمع في صمت الدار". وعلي هذا المنوال ، نحن نجد أنفسنا أمام نصين ،أو علي الأقل نجد فرصة ذهبية خالصة ، لملاحظة أو ملاحقة عناصر التطور عند عبد الحكيم منذ كتابة قصصه في صياغتها الأولي ، ثم في صياغتها الثانية ، ولا بد أن نرصد هنا ملاحظة أن تلك السمة ، وهي التدخل بالتغيير في النصوص، لم تحدث في النصوص الأخيرة ، وعلي وجه الخصوص ،مجموعته "ديوان الملحقات" ،وربما يكون التغيير الذي كان يجري علي النصوص القديمة كان مرتبطا بغربة عبد الحكيم قاسم ،وأعتقد أن النزعة الأصولية العربية واللغوية بدأت تغزو كتاباته بشكل واضح ، لشدة ماعاناه في الفترة التي زادت عن عشر سنوات من 1974 حتي 1985 في برلينالغربية ، حيث إن الهوية العربية كانت تتهدد بالزوال أو بالانقراض أو بالتهميش بشكل يومي ،وكثيرا ما عبّر عن ذلك في رسائله إلي أصدقائه ،وفي مكاتباته الأخري من مقالات أو تغطيات صحفية استثنائية ،حيث يتقمص وظيفة الصحفي فيكتب متابعات خاصة ،ولكن هذه المتابعات ترقي بامتياز إلي درجة النصوص الأدبية ، ففي مجلة الآداب الصادرة في ديسمبر عام 1982، كتب قاسم متابعة فريدة لمهرجان برلين السينمائي ،وراح يعبّر عن نفسه وعن المهرجان بطريقته الخاصة ، فيكتب :"أنا لست صحفيا مفوضا من صحيفة ما ،إنما أنا كاتب مصري أعيش في الغربة ،معلق النظرات بوطن تعيس ،وعليه فإنني لست مدعوا لهذا المؤتمر ،لا أملك بطاقة دعوة ولا تذاكر مجانية لحضور العروض السينمائية ،ذهبت إلي دار العرض الرئيسية لأشتري تذاكري للأيام وللأفلام التي أريد أن أراها"،ويسترسل عبد الحكيم في عرضه الأدبي الممتع ليعرض هواجسه ورؤاه التي تختلف حتما عن كافة المتابعات الصحفية ، فهو ليس مشغولا بالأفلام التي حصلت علي جوائز ،لأنها في نظره تخضع لترتيبات وحسابات سياسية معقدة ،ولكنه يكتب عما أعجبه ،أو ما لم يعجبه ، وفي السياق لا ينسي أن يدسّ لنا قصة غرام لاعجة حدثت له في ذلك المهرجان ،فالمهرجان كما يذكر يمثّل له تجربة شخصية خاصة "مثل زحام الناس أخرج أنا وزوجتي وأولادي لنزهة صباحية في الشارع الرئيسي لمدينة برلين كور فورستندام ربما نأمل مثل الناس الآخرين أن نستقبل بشائر الربيع في منتصف الطريق ،وإذا بي أري حاملات الإعلانات وقد ألصقت عليها لوحات تعلن عن المهرجان..في هذه اللحظة تحرك في قلبي الفرح ،وفي ذات اللحظة تحرك في قلب زوجتي الخوف ،نعم ،تلك أيام عشرة أو أكثر أكون فيها غائبا عن البيت تماما بجسمي وعقلي وقلبي وروحي ،يستغرق المهرجان كل وقتي وكل عواطفي ،وكل قدرتي علي التفكير والعطاء ،تبادلنا أنا وزوجتي نظرة ،في عينيها العتاب وفي عيني الاعتذار الخجلان ،ماذا أقول لابد مما ليس منه بد." هكذا لا يفوّت عبد الحكيم الفرصة ، لكي يبثّنا هواجسه وأحواله ،وكذلك وحدته وغربته وتحامل الآخر الأوروبي علي شرقيته وعربيته ، لذلك لاحظنا أن معجمه كان يتوغل في اصطياد المفردات المهجورة والمطمورة وربما الملغزة ، ولكنه يخلق لتلك المفردات مناخا أسلوبيا وبيئيا ولغويا ، لكي لا تكون مفردات ثقيلة ومستغربة ،وربما كان ذلك أحد طرائق ادوار الخراط في معظم كتاباته. وهنا لا بد أن أضع علامة تعجب أخري ،فهناك بعض القصص التي نشرت منجمة في مجلة ما ، وبتاريخ معين ،ولكنها عندما نشرت في مجموعة قصصية ،ذيلها عبد الحكيم بتاريخ آخر ، وعلي سبيل المثال قصة "شجرة الحب"، والتي نشرت في مجلة الهلال في أغسطس عام 1969،ولكنه عندما نشرها في مجموعته "الظنون والرؤي" ذيّلها بتاريخ آخر تماما ،وهو 24 مارس 1982برلين ، وكذلك قصته "عن البنات" التي نشرها في مجلة الهلال أيضافي أغسطس عام 1970، وعندما ضمتها مجموعة "الظنون والرؤي"، وضع لها تاريخ "25 مارس 1982"،أي بعد القصة السابقة بيوم واحد ،وهناك تعديلات عديدة في القصص ،وحذف بعض المفردات والفقرات ،وإحلال مفردات وجمل بديلة ،فهل كان عبد الحكيم يريد تنبيهنا إلي أن نتعامل مع النص المعدلّ؟،أم أن إثبات التاريخ باليوم والشهر والسنة والمكان نوع من الدقة الصارمة التي اكتسبها من الألمان ؟. في سبتمبر 1969 وجهت مجلة الطليعة المصرية عدة أسئلة لعدد كبير من أبناء الجيل الظاهرة ، أي جيل الستينيات ،وكان عبد الحكيم أحد هؤلاء ،وذكر في التعريف بنفسه ،بأنه كان متفرغا من وزارة الثقافة ،ويحصل علي دخل شهري 18 جنيها ، له رواية منشورة هي "أيام الانسان السبعة"،أما غير المنشور فكان "محاولة للخروج "رواية"،الأشواق والأسي" مجموعة قصصية ،وحكايات حول حادث صغير "مجموعة قصصية". لم يذكر عبد الحكيم معاناته وغربته في السجن ، ولم يذكر حتي خبر السجن علي وجه الإطلاق ،لكنه عاد إلي الخلف تماما ، فتحدث عن طفولته في قريته ، تلك القرية التي عمل علي تخليدها بشكل مذهل ،وكما لم يفعل أحد من قبل ، فجاءت روايته "الأيقونة" وهي "أيام الانسان السبعة" التي صدرت عام 1969، وكتب عنها الدكتور عبد المحسن طه بدر فصلا طويلا ومهما في كتابه "الروائي والأرض" الذي صدر عام 1971،أي بعد صدور الرواية بعامين،واعتبر أن ما فعله عبد الحكيم كان تتويجا ومغايرا لكل ماكتب عن القرية فيما سبق ، وهذا كما كتب صبري حافظ أغضب كبار الأدباء والمبدعين في ذلك الوقت ، لأن القرية عند عبد الحكيم ليست مجالا للعرض أو للفرجة أو للشرح ،وهو ليس بسائح غريب عنها ، بل إنه أحد أبنائها، بنائيها كذلك "وهو في روايته ليس الزائر الغريب المتفرج والمحايد ، وليس القاضي الذي يصدر أحكاما بالبراءة والإدانة ،ولكنه منتم إلي عالم القرية وجزء منه ،ملتصق به ليس غريبا عنه يدور معه وفيه ، ولا يتطلع إليه من برج عاجي ". ويستطيع أي باحث في تاريخ جيل الستينيات أن يلحظ ذلك الأثر الذي أحدثته تلك الرواية، ورغم أن عبد الحكيم كتب عددا من الروايات والقصص ، التي أعلنت عن تطوره الكبير ،إلا أن قرّاء ونقادا حبسوه في تلك الرواية الأولي والفاتنة ،ولذلك يكتب فاروق عبد القادر في قراءته لحكيم قائلا :"عندي ،وعند كثيرين ممن عرفوا أعمال عبد الحكيم ،وتابعوها ،ماتزال روايته الاولي أيام الانسان السبعة قريبة للقلب ،وعملا من أهم أعمال الأدب المصري الحديث ". لذلك لا بد أن تتاح الفرصة لكي تكون كل نصوص عبد الحكيم قاسم متوفرة بين يدي الناس ، وكذلك لا بد أن تنتبه المؤسسات الثقافية الخاصة والرسمية ،لتلك المناسبة ،وعقد مؤتمر موسع لدراسة أعمال هذا الكاتب المصري الكبير عبد الحكيم قاسم. رسائله إلي فؤاد حجازي أخي فؤاد حجازي لماذا انقطعت رسائلك عني ؟ لقد أحدث ذلك فراغا حقيقيا !..هل أنت مريض ؟أم أنك غارق في المشاغل ؟ هل حصلت علي نسخة من التحقيق من الأستاذ عبد الحميد سعيد ؟ مرة أخري أشكرك علي إرسالك مجموعة الورداني لي وأشكرك علي كل شيء ....لكنني أرجوك ألا تقطع رسائلك . كان إدوار الخراط هنا ،وشاءت الظروف أن يكون اللقاء قصيرا وألا نتمكن من تبادل الحديث ، سعيد الكفراوي أرسل لي مجموعة مبروك .. كيف حالكم ، أرجو أن تكونوا جميعا لا بخير وألا تنسوني عبد الحكيم برلينالغربية صباح الخميس 26 ابريل 1984 عزيزي فؤاد حجازي قرأنا صباح اليوم قصة لك في "اليسار العربي" الرجل المهم..أهنئك علي القصة الجميلة وشكرا علي رسالتك المشرقة وعلي صداقتك المخلصة ،وصلتني كلماتك وأنا أعاني من التهاب رئوي حاد ونزيف في الأوعية الدموية ،ونتيجة لكثرة الأدوية التي كان عليّ أن أتناولها وصل بي الأمر إلي انحطاط شامل في وظائف الأجهزة جعلني كسولا متهدما فاقد الرغبة ،وإذا بدأت أتحسن أجد أمامي علي مكتبي من الأوراق التي يجب إنجازها لذا أحس بتعاسة شديدة ، لكن لا محالة سوي بدء العمل ، شكرا علي المقالة التي أرسلتها لي مصورة من روز اليوسف بقلم كاتبة لا أعرفها لكنني أحسست بذكائها وتفهمها. أهنئك علي الانتهاء من مسرحيتك وأحيّي فهمك للفن وتحويل فهمك إلي حقيقة واقعة ،إنني مبهور من خصوبتك وإنتاجك الغزير ، إنني استغرقت خمسة شهور في كتابة قصة رجوع الشيخ ،25 صفحة التي ستنشر في عدد الكرمل عن الأدب المصري ..ومنذ الانتهاء منها في سبتمبر الماضي لم أكتب حرفا ولا أفكر في الكتابة الآن. أتوقع أن تصلني منك 5 نسخ علي الأقل من مجموعتي "الأشواق والأسي" وخمس نسخ من مجلة "المسرح" التي نشر لي فيها حديث مع المخرج المسرحي الألماني بيتر شتين ويهمني جدا أن أحصل علي المجلة لإهداء نسخ إلي معارف ألمان يسهلون لي أعمالا كثيرة ،تستطيع أن تحصل علي نسخ الأشواق والأسي ،ونسخ مجلة المسرح من أخي العميد عبد المنعم قاسم ورقم تليفون منزله 912403 وأما تكاليف البريد فإنني علي استعداد لدفعها لك ،أما الجهد والاهتمام فذلك هو الذي لا يشتري بثمن علي يالإطلاق . أما عن سفري للبلد بعد وصولي للقاهرة فهو يتم بعد 3 أيام من الوصول علي الأكثر وهناك البندرة أبقي معظم الإجازة إلا أياما قليلة أقضيها في القاهرة ، وسوف أفرح جدا أن أراك في البلد أي يوم من أيام الإجازة أو أن نحتفل سويا بالعيد الكبير ،وأنا سيسعدني أن أقضي معك يوما في المنصورة ،هذه المدينة من أعزّ الأماكن علي نفسي قضيت فيها أياما من أجمل ما جربت في هذه الدنيا ، كان خالي مهندس تنظيم فيها وكانت خالتي متزوجة بموظف في المحكمة وكنت أقضي كل إجازة في المدينة الجميلة وكان منزلي قريبا من النيل ولكني نسيت اسم الحي ، وكنت أدور مع خالي علي الدوكار في البلد وأجلس في المساء علي المقاهي المطلة علي النيل وعاصرت بناء كوبري طلخا وسينما الدكتور شميس في حي توريل....ومعك سأستعيد كل هذه الذكريات ..سلامي وإيزيس وأمير وزينب لك ولأولادك وزوجتك. برلين 5 يناير 1985 ليس من حقك أن تزعل مني أبدا ..بل أنا الذي أملك هذا الحق ..وأتنازل عنه مقدما لأنني لا أستطيع الزعل منك...وتفصيل الأمر كالآتي : أنت الوحيد الذي أرسلت له خطابا بموعد وصولي للقاهرة ..لكنني لم أجد لك أي أثر ..فص ملح وذاب ..استعجبت جدا ،هل هذه مقاطعة ؟ قابلني محمد المخزنجي في فصول ،أرسلت لك معه السلام ،قال لي إنه سيحضر معك ومع آخرين لزيارتي في بلدنا في العيد وتذكرت أنك وعدتني بذلك العام السابق ،فرحت جدا وذهبت للبلد مع سهام بيومي بأمل أن نراك وذبحنا الجدي الجميل ، وحضرتك لم تحضر ، لا أنت ولا المخزنجي ! تأكد لدي إذن أنها مقاطعة ! الآن يصل منك الكلام بأنك زعلان مني ! أليس هذا أمرا عجيبا؟ شكرا لرأيك في مقالتي عن ماهر ، هل كتب ردا عليها أم لا ؟ لو فعل قل لي بسرعة لأردّ عليه ، قصتي في "إبداع" نشرت من زمان وإدوار أعطاها لإبداع دون علمي وكل الناس ألقوا اللوم عليّ دون ذنب لي. إن موظف وزارة الثقافة المشئوم أهمل في تسليم النسخ من التحقيق الصحفي لك .. لكن المهم الآن أن عندك نسخة أرجو أن تبادر فورا بإرسالها إلي "الآداب" أو "الأقلام" أو "المعرفة السورية" أو "البيان الكويتية". واقبل تحياتي واكتب لي. عبد الحكيم قرأت قصتك "عامل الإنارة" في مجلة الأقلام وهي رقيقة عذبة مليئة بالحب للانسان وقد سعدت بها أنا وزوجتي.