نزل عندنا منذ سنوات المستر كسلر أحد أثرياء الأميركان وكان يلقب بملك الشمبانيا وتقدم إلي في مساء اليوم الثاني قائلا أريد أن أولم وليمة غداء مبتكرة لم يسبق لها مثيل أفاجئ بها المدعوين مفاجأة لم تخطر لهم ببال مهما كانت النفقة. فلبثت هنيهة أفكر ثم قلت: اقترح أن نملأ قاعة الطعام السفلي ماء إلي نصفها ونمد مائدة الطعام في مركب من نوع المراكب الإيطالية التي كان يستعملها أمراء مدينة فينيس فأعجب بهذه الفكرة وحبذها ووعد بأن يجزل لي الجزاء اذا استطعت أن أعد كل شيء حتي أوان الغداء في اليوم التالي لان الدعوة قد أرسلت للمدعوين ولابد من تنفيذها. فبادرت من ساعتي الي العمل وجئت بعدد كبير من النجارين والحدادين والبنائين فأحيوا الليل يشتغلون بجد واجتهاد حتي جعلوا الغرفة ضابطة للماء وأكملوا صنع مسرح فسيح جعلوا شكله كشكل المركب وعملوا نموذجاً لجسر "الريالتو" وحضرنا الزوارق الصغيرة ليستعملها الخدم في أثناء تقديم الطعام وزيناها بالأزهار والرياحين وقد دهش المدعوون في اليوم التالي عندما وصلوا وقدم لهم الغداء علي مائدة فخمة في ذلك المركب الاثري البديع والخدم يطوفون بألوان الطعام وهم بملابس خدم أمراء فينيسيا وكانت فرقة موسيقي وترية تشنف الآذان في مركب آخر في أحد أركان القاعة أو تلك البحيرة المسقوفة وكان المغني كاروزو ضمن المدعوين وانقضت تلك الوليمة علي خير مايرام. وقد بلغ عدد الولائم الكبري التي قمت باعدادها في اثناء العشرين عاما التي قضيتها في فندق سافواي حتي الأسبوع الماضي عشرة آلاف وليمة وقد حفظت العشرة آلاف قائمة الخاصة بتلك الولائم "المانيو" وهي لدي بمثابة الكنز النفيس تذكرني بنحو مليوني نفس من الرجال والنساء الذين تناولوا طعامهم علي موائدي في أثناء خدمتي وكنت اشترك معهم في كل وجبة لأعرف ميول الناس وأذواقهم فيما يتعلق بأصناف الأطعمة وتنظيم الموائد. أما الولائم فتكثر الآن وتتزايد حتي أني أضطر في الصيف أن أعد مايربو علي عشر ولائم يومياً. وليس هناك مايصعب عمله في الفنادق الكبيرة التي تستخدم الوكلاء والمديرين المبتكرين مادام النزلاء ينفقون عن سعة حتي ولو خطر لاحد ان يولم وليمة لضيوفه في مزرعة مصغرة أو علي شاطيء خليج أو في جوف البحار. وقد اعتدت أن أجعل ألوان الطعام وملابس الخدم وكل مايحدق بالوليمة ملائما لاحوالها وموضوعها. فالمستر كسلر هذا أولم وليمة للرحالتين الشهيرين كوك وبيري اللذين عادا من رحلة قاما بها إلي القطب وعهد إلي باعداد شيء مناسب فحولت كل ما في قاعة الطعام الي مناظر المنطقة القطبية. وقد جعلت المائدة التي عليها الوليمة قاعدة للقطب وعملت تمثالين للرحالتين وهما يسيران بين الثلوج نحو غايتهما وكان الضيوف جميعاً بالملابس الناصعة البياض والخدم يرتدون فراء الدبب القطبية مقلدين أهالي أسكيمو. وفي مأدبة غداء أعددتها حديثاً للقمندور بيرد الذي قام برحلة طيران عظيمة الي القطب راجعت نظام تلك الوليمة التي أولمت لذينك الرحالتين منذ 16 عاماً وأجلست الطيار المكتشف في المحل الذي جلس فيه الرحالة كوك. وإزاء هاتين المأدبتين ومعداتهما البيضاء أذكر لكم مأدبة حمراء أعددتها بناء علي طلب رجل ساعده الحظ في مونت كارلو فربح أموالاً طائلة بالميسر وكسر البنك في ليلة واحدة ولما كان اللون الذي خدمه الحظ به هو اللون الأحمر طلب الي ان أجعل معدات المأدبة وألوان الطعام والشراب كلها حمراء وقد قمنا بما يجب خير قيام فجلعنا المائدة علي شكل مائدة "الرولا" برسمها تماماً ولكنها مكبرة وزينا وسطها بالأزهار والرياحين وجلس صاحب الوليمة تجاه الرقم الذي كان سبب سعده وكانت الصحاف أشبه بالاوعية التي تستعمل لعد النقود في مقمر مونت كارلو وكانت المصابيح أزهاار حمراء والخدم بملابس رسمية حمراء أما نفقة هذه الوليمة فبلغت أرقامها أربعة منازل (أي منزلة الالوف). وفي العام الماضي أولمت إحدي السيدات الوارثات وليمة للممثل السينما توغرافي الشهير توم ميكس وأصرت علي وجوب دخوله قاعة الطعام وهو راكب علي جواده وان يدعه يبرك به الي مائدة الطعام ويتناول الغداء وهو علي ظهر الجواد ولما كان المال يفعل مايشاء نفذت جميع رغائب تلك السيدة بحذافيرها وكان لتلك الوليمة ضجة كبيرة في جميع الأندية وأدب أحد الاميركيين الغريبي الأطوار مأدبة لاصدقائه ومعارفه في قاعة تمثل حديقة الحيوانات وقد حوت عدداً كبيراً من الوحوش والدبابات منها عدة أسود أليفة أطلقت في الغرفة تسرح وتمرح بين المدعوين تتناول منهم مايقدمونه اليها من المآكل الشهية ولكني لا أخفي عليك أيها القاريء الكريم انه كان بين المدعوين بعض وجوده شاحبة وقلوب خافقة من تلك المناظر المرعبة ولم يهنأوا بطعامهم وشرابهم. وأظن أن أكبر الولائم نفقة هي الوليمة التي أولمها أحد أرباب الملايين الاميركيين لنحو ثلاثين مدعواً وكانت ألوان الطعام التي قدمت وأنواع الشراب كلها اعتيادية ليس فيها مايلفت الانظار ولكن أرغفة الخبز التي قدم منها لكل مدعو رغيف واحد بلغ ثمنها حوالي أربعة آلاف جنيه وذلك ان كل رغيف كان يحوي في جوفه حلية من الذهب مرصعة بالالماس والجواهر الكريمة للسيدات مايليق بهن وللرجال كذلك علي أن مثل هذه الولائم المستنبطة لم تعد كثيرة الحدوث في هذه الايام والظاهر ان الناس أصبحوا بعد الحرب لايرغبون في زيادة النفقات في مثل هذه الأمور وأصبحت المآدب المبتكرة قاصرة علي بعض أثرياء أميركا وصارت الخطب التي تلقي فيها أقصر كثيراً مما كانت قبلا والسبب في ذلك ان المدعوين يقضون نصف ساعة قبل أوان المائدة يحتسون "الكوكتيل" (الخمور الممزوجة من عدة أنواع). وآخر مأدبة أعددتها من المآدب التي تستحق الذكر كانت لبعض أقطاب شركات سكك الحديد وكان أهم ما فيها أننا ركبنا خطوطاً حديدية علي المائدة تسير عليها قطارات صغيرة تدور آلاتها بالكهرباء تنقل صحف الطعام وقناني الشراب الي المدعوين بدقة وانتظام لايختلف عن نظام قطارات سكك الحديد.