ريتشارد فلاناجان روائي أسترالي من مواليد 1961, ويعد واحداً من أبرز الكتاب في أوروبا عامة واستراليا بشكل خاص. حصل فلاناجان علي العديد من الجوائز المهمة مثل كومنولث الأدبية كما حصل في العام الماضي علي جائزة البوكر عن روايته "الطريق الضيق إلي الشمال العميق"، وهو بذلك ثالث أسترالي يفوز بالجائزة بعد مواطنيه توماس كينيلي عام 1982، وبيتر كاري لوشيندا عام 1988 نشر فلاناجان ست روايات منها "صوت لتصفيق يدٍ واحدة" عام 1997, "الإرهابي المجهول" عام 2006 "الاحتياج" عام 2008, بالإضافة إلي خمسة كتب في أدب الواقع منها: "الجمال المفزع" عام 1985 "ماذا تفعل سيد جابل" عام 2011 عمل فلاناجان بالصحافة وكتب في موضوعات الأدب والبيئة والسياسة وتعاقد مع عدد من الجرائد المحلية والعالمية مثل جريدة "التليغراف البريطانية" وجريدة "التايمز" يتحدث فلاناجان في هذا الحوار عن قصة الرواية التي استوحاها من حكاية والده الذي كان أسيراً لدي الجيش الياباني أثناء الحرب العالمية الثانية. الرواية هي قصة دوريجوايفانز، الجراح المعتقل في مخيم الجيش الياباني علي خط السكك الحديد الممتد من تايلاند إلي بورما والمعروف ب "سكة الموت" كما تناقش موضوعات الحب والحرب. لماذا يصعب عليك تصديق ما حققته حتي الآن؟ إن كتابة أي شيء أمر صعب جداً، فأنا أحتاج إلي الوقت والهدوء. حقاً إن تلك القصة كانت تعذبني وإن لم أكن قادراً علي المواجهة. ما كان بإمكاني كتابة شيء آخر ولأسباب منطقية كان عليَّ أن أنتهي من الكتاب قبل أن يذهب والدي. في صباح يوم ما أخبرته بأنني قد أنهيت العمل، وفي مساء نفس اليوم كان قد فارق الحياة. لماذا تحدثت عن فترة السجن في حياتك؟ كان يجب ذلك بالتأكيد لقد كانت حكايات مسلية مصبوغة بالرثاء والعطف ولكن قبل كل شيء, كانت الرواية تتحدث عن الأشياء التي لم تخبرني بها أبداً: عن الخوف, التقدير, الأشياء المدهشة, وعن الحياة اليومية. الحكي لا يجب أن يأتي من الذكريات ولكنه ينبع من الروح, وإذا استثنينا السطور الأخيرة فإنها لن تصبح رواية عن الحرب والمعاناة, بل رواية عن الأنواع المختلفة للحب والصداقة والشهوة, عن الطبيعة والجمال, عن ذلك النوع من الحب الذي لا يأتي بالحل دائماً للأشياء. إن وصفك لمعاناة المساجين كان دقيقا للغاية... هل ثمة بحث ما قمت به؟ ليس كثيراً, أظن أن الهوس بالبحث قد يضلل. كنت أريد أن أغوص في تلك التفاصيل الصغيرة المعقدة, لقد كان هناك شيء ما في باطن الأرض يغمرني من الداخل ويملؤني, كان علي أن أبقي صامتاً وأستمع إلي نفسي دون أن أبتعد, بوجه عام, لقد ذهبت بعيداً حيث حقل أبي في تايلاند ثم في اليابان وتقابلت مع الحراس القدامي وصناع البيرة. في الكتاب, تكتب من وجهة نظر اليابانيين... لماذا؟ إذا أردت أن تكتب روايات, يجب أن تمتلك القدرة علي أن تكون جميع الآخرين وتمتلك ذلك في داخلك, الخير والشر في نفس الشخص, لهذا, نحن نحب الفن والأدب. أما كنت تكرههم؟ فقط, كنت أشعر بالحزن. لقد رأيت هذا المعذب السييء الذي يسميه الأستراليون "السحلية" في الروايات..... لم أكن أعرف ماذا كان, لقد غيّر اسمه بعد محكمة الحرب التي أرسلته إلي الموت كمجرم حرب، وقد أفرجت عنه منظمة العفو عام 1956. كان عجوزاً لطيفاً وكان ينفي عن نفسه تهمة العنف، ولم أكن أريد أن أسخر من نفسي, عندها وبعد ساعة من كلامنا كنت أطلب منه أن يصفعني بكل ما أوتي من قوة، فقد يكشف ذلك عن قدرته. كنت أقول ذلك في نفسي, رفع يده وصفعني مرتين وفي الثالثة بدأ كل شيء حولنا يرتجف, يهتز, ويسقط, كان زلزالاً بقوة سبع درجات. كانت تراجيديا كوميدية, كان خائفاً وضعيفاً, كنت أعتقد أن الكتابة ستساعدني علي الفهم, ولكني لم أفهم شيئاً مختلفاً, لقد كتبت فقط. وهل كان يشعر بالذنب؟ لقد تمت تبرئته, ولكنه كان خجولاً, وأرسل الاعتذارات لوالدي, من أجله وجميع الصبية الذين ماتوا في الحقل. وماذا كان رد فعل أبيك؟ لقد أخبرته بكل شيء عبر الهاتف, استمع وقال إن لديه ما يفعله, ومنذ تلك اللحظة فقد الذاكرة, بشكل كامل, بخصوص تلك السنوات. لماذا للحب جانب مهم؟ سواء كان كتاباً عن الحب أو الحرب, يبقي الحب هو أعلي شيء قد نصل إليه, حيث يمكننا اكتشاف الخلود كي نقول الحقيقة, لا نستطيع فقط أن نهبط في الغابة وسط الظلام, مثل كل قصص الحب العظيمة, هناك دائماً, أيضاً, الموت. هذا هو الإنسان. هل كانت ثمة نظرية ما أردت التأكيد عليها؟ في إحدي القري الصغيرة, كنت أحكي دائماً عن أحد المهاجرين الذي قضي ثلاث سنوات من حياته بعد الحرب يبحث عن زوجته في أوروبا, وفي النهاية هاجر إلي "تسمانيا" حيث أخذ قسطاً من الراحة, بعد وقت طويل وبينما كان يعبر الكوبري في مدينة سيدني, رآها, تمسك طفلاً في يدها وكان الخيار الصعب, هل ستتعرف إليه أم لا. منذ عشرات الشهور كنت أجد نفسي في هذه الجولة مستغرقاً في تفكير عميق حول المسجونين الذين أريد أن أكتب عنهم وعنه, فهمت أن بطلي كان يجب عليه أن يري, هناك, حبيبته, التي اعتقد أنها ماتت, ومعها طفلان, هكذا أنهيت الرواية بعد اثني عشر عاماً.