أرنست هيمنجواي ليس فقط شخصية أدبية مرموقة بل هو مخزن ذكريات متنقل كان حريصا دائما علي الإحتفاظ بمقتنياته الخاصة بداية من بروفات رواياته وجوازات سفره المنتهية الصلاحية، حتي تذاكر مصارعة الثيران وقوائم مشترياته المنزلية، تاركا وراءه أكبر تركة ورقية ولوجستية لكاتب علي الإطلاق. لذا تم افتتاح أول معرض لمجموعة من مقتنيات هيمنجواي من 25 سبتمبر وحتي 31 يناير تحت اسم "هيمنجواي بين حربين" بمكتبة ومتحف "مورجان" بمنهاتن ليكون أول متحف لأشيائه وأعماله التي يمكن ألا يكون هناك من فكر في عرضها من قبل. المعروف أن معظم أوراق "هيمنجواي" موجودة في مكتبة "كينيدي" الرئاسية، ومتحفه الموجود في"بوسطن"، وبعد وفاته سنة 1961 ساعد الرئيس "كينيدي" أرملته "ماري" علي دخول "كوبا" لاستعادة الكثير من متعلقات "هيمنجواي" الكثيرة، وامتنانا منها تبرعت في وقت لاحق بجزء كبير من أرشيفه للمكتبة الرئاسية، ولأن المكتبة لاتتحمل إرضاء الجماهير العريضة التي ترغب في رؤية تلك المقتنيات التي ستنتقل اليها في مارس القادم، سوف يقام لها ذلك المعرض بمكتبة ومتحف "مورجان "حيث يقول "ديكلان كيلي" رئيس قسم المخطوطات الأدبية والتاريخية وأمين المعرض انه في الآونة الأخيرة كانت هناك مشاورات مع "باتريك ميليمان" مسئول الاتصالات منذ سنة 2010، بعد الانتهاء مباشرة من إقامة معرض لمقتنيات "جي دي سالنجر" بعد وفاته مباشرة، لإقامة معرض لهيمنجواي لكن لم يكن ملائما أن يقام علي حوائط يجب طلاؤها باللون الأزرق والأجواء الاستوائية الملائمة للسنوات التي قضاها في "كي ويست" و"كوبا"، مع الوضع في الاعتبار السنوات التي قضاها بالمدرسة "حيث وصفه أحد أقرانه بالمغرور، والمتشدد البغيض نوعا ما"، ثم في سنة 1950 حين رسم لنفسه صورة كاريكاتورية في البروفايل الذي كتبته "ليليان روس" في "نيويوركر"، لكن الجزء الأكبر والأكثر إثارة للاهتمام ينحصر في فترة عشرينيات "هيمنجواي" خلال السنوات التي قضاها في "باريس" التي تكشف أحد جوانب الكاتب التي ربما تكون معرضة للنسيان أو اذا صحت العبارة: "هيمنجواي" قبل أن يصبح "هيمنجواي". المعرض لم يسقط في زلة عرض صور لهيمنجواي ملتحيا مفتول العضلات، من فئة صيادي السمك ومطاردي الحيوانات، بل يظهر واقفا بجانب بعض الحيوانات التي تم اصطيادها للتو بالبندقية في افريقيا، أو علي الجسر بجوار يخت الصيد الأثير لديه "بيلار" مع صديقه "كارلوس جيتريز" ذلك الصياد الذي أصبح مصدر الهام "العجوز والبحر"، إلا أن أول صورة تقابل الزائرين هي ذلك الضخم الوسيم حليق الذقن ذي التسعة عشر ربيعا المستند إلي عكازين، الملتقطة سنة 1918، حين كان يتعافي من إصابته بعدة شظايا في مستشفي الصليب الأحمر بميلان، محاولا تحويل تجاربه في زمن الحرب إلي خيال أدبي. ولأول مرة خرج من شخصية "نيك آدمز" التي ابتكرها هيمنجواي وصنع منها بطلا لعدد كبير من قصصه القصيرة "24 قصة" خلال فترة عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، التي تم جمعها في كتاب سنة 1972، ونسخة المخطوطة الأولي لتلك القصص الموجودة بالمعرض عثر عليها ملفوفة داخل قلم رصاص في مقر الصليب الأحمر، وبسبب نظافة وتناثر كتاباته النثرية نميل إلي التفكير انه كان وقتها يستخدم الآلة الكاتبة في الأيام الأولي علي الأقل، إلا انه غالبا يكتب القلم الرصاص، علي كراسة رخيصة، وأحيانا علي أي ورقة تقع تحت يده، أول مخطوطة لقصة قصيرة تحمل عنوان "وطن الجندي" مكتوبة علي ورق يبدو انه مجتزأ من دفتر يخص مكتب التلغراف، الانطباع الذي يصلك علي الفور أن الكاتب يستولي عليه الإلهام، وأحيانا ينطلق مندفعا دون أن يدري إلي أي اتجاه. بدأ مشروع روايته الأولي "الشمس تشرق أيضا" خلال صيف سنة 1925 وأنهي كتابتها خلال تسعة أسابيع، كتبها أولا علي أوراق متفرقة، ثم استكملها في كراسات، وفي نهاية ثالث كراسة كتب مخطط النهاية علي ظهر الغلاف "الذي سجل عليه أيضا نفقات سفره ومصاريف احتياجاته اليومية التي حرص علي تسجيلها بعناية"، وبعض الصفحات الموجودة بالمتحف ظهر من خلالها شطب كلمات ومقاطع كاملة كما كتب: "كتابتها أولا بالقلم الرصاص تمنحك ثلث فرصة إضافية لتحسينها". "إف سكوت فيتزيجرالد" أحد أصحاب رسائل هيمنجزاي، وكان له أيضا وجهة نظر، من المعروف انه حثه علي حذف أول فصل من "الشمس تشرق أيضا" شاكيا من "الفكاهة الخرقاء" في الافتتاحية، وعده "هيمنجواي" بالتخلص من الافتتاحية الثقيلة .... في سنة 1929 اقترح "فيتزيجرالد" في تسع صفحات من النقد، العديد من المراجعات في رواية "وداعا للسلاح" أخذ هيمنجواي ببعضها لكن بسماحة أقل، ما لبث بعد ذلك أن وصلت صداقتهما إلي نهايتها...كما توضح الأوراق المعروضة في "مورجان" أنه دائما لم يكن واثقا من نفسه، هناك قوائم مدرجة لقصص وعناوين محتملة اعتبرها تافهة، كما كتب تقييما لها مثل " عمل بطولي" ، "جيدة جدا" ، ربما تكون جيدة" ، "الحمد لله" كما كتب 74 خاتمة لتلك الرواية.