"لا رسوم لا استسلام".. محامو المنيا ينظمون وقفات احتجاجية أمام المحاكم    وزير التعليم عن الطلاب المصريين بجامعة كامبريدج: نماذج مشرفة    أرباح البنك العربي الأفريقي ترتفع إلى 3.2 مليار جنيه بزيادة 21% في 3 أشهر    رئيس الوزراء يتابع تنفيذ عدد من المشروعات بالوادي الجديد    تقرير أممي يكشف عمق الكارثة في فلسطين.. ويؤكد: إسرائيل استخدمت سلاح التجويع بشكل متعمد    بسبب إسرائيل.. كيف تدفع هارفارد تدفع ثمن دعم طلابها لغزة؟    المبعوث الأمريكي لسوريا: ترامب سيعلن أن سوريا ليست دولة راعية للإرهاب    فون دير لاين تدعو لبناء "أوروبا مستقلة" وتتوقع تشكيل نظام عالمي جديد    هييرو: عقد رونالدو ينتهي فى 30 يوليو ولدينا ثقة فى تمديده    يتواجد في التتش.. الأهلي يستعد لإعلان المدرب الجديد.. ومفاجأة الجهاز المعاون    مكالمة أثناء توقيعي لآخر.. صاحبة أول بطولة في تاريخ الأهلي تحكي لمصراوي كواليس انضمامها للفريق    ضبط 2000 جرام مخدرات وبندقية آلية بحوزة شخصين في قنا    جريمة مروعة بالإسكندرية.. شابان يقتلان آخر ويمثلان بجثته ويلتقطان سيلفي بالدماء    وكيل الأزهر يتابع امتحانات "علمي الثانوية" بمجمع الشروق    وفاة الممثل الأمريكي إد جيل صاحب شخصية الدمية "تشاكي"    يحتوي على 5 أغنيات.. تفاصيل ألبوم حاتم العراقي الجديد    لجنة هندسية تتفقد مستشفى التل الكبير المركزي الجديد تمهيدًا لافتتاحه    العالمية لخريجى الأزهر بسوهاج تشارك فى ندوة حول الدعم النفسى ل"الأمراض المزمنة"    كلمات تهنئة معبرة للحجاج في يوم التروية ويوم عرفة    ب14 ألفا شهريا.. توافر 600 فرصة عمل في مشروع الضبعة النووية «3 وجبات وجمعة وسبت إجازة»    السيطرة على حريق محل مشويات بمدينة بنها    عيد الأضحى 2025.. هل يجوز التضحية في ليالي أيام النحر؟ وما هو أفضل وقت؟    أمين الفتوى يرد: هل يجوز التكبير المطلق من أول أيام ذي الحجة أم أنه للحجاج فقط    قومية المنيا تعرض الإسكافي ملكا ضمن عروض الموسم المسرحي    إعلان أسماء الفائزين بمسابقة "توفيق الحكيم للتأليف" بالمركز القومي للمسرح    كاف يوافق على إقامة دورة الرخصة PRO بمصر    دموع معلول وأكرم واحتفال الدون وهدية القدوة.. لحظات مؤثرة في تتويج الأهلي بالدوري.. فيديو    عرفات يتأهب لاستقبال الحجاج فى الموقف العظيم.. فيديو    رسميًا.. بايرن ميونيخ يُعلن عن أولى صفقاته الصيفية استعدادًا لمونديال الأندية 2025    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة في شبرا.. صور    حملات تفتيشية على محلات اللحوم والأسواق بمركز أخميم فى سوهاج    صور.. رئيس الوزراء يتفقد المقر الجديد لجهاز حماية المستهلك    رئيس قطاع المتاحف: معرض "كنوز الفراعنة" سيشكل حدثا ثقافيا استثنائيا في روما    مصنع حفاضات أطفال يسرق كهرباء ب 19 مليون جنيه في أكتوبر -تفاصيل    لأول مرة في القاهرة.. انطلاق منتدى الشرق الأوسط للتأمين البحري    قرار مفاجئ من الأهلى تجاه معلول بعد دموعه خلال التتويج بالدوري    إعلام إسرائيلى: نتنياهو وجه بالاستعداد لضرب إيران رغم تحذيرات ترامب    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    ندب الدكتورة مروى ياسين مساعدًا لوزير الأوقاف لشئون الواعظات    أسوشيتدبرس: ترك إيلون ماسك منصبه يمثل نهاية لمرحلة مضطربة    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    انتهاء حرب غزة بعد شهرين وخروج سكانها منها، توفيق عكاشة يكشف الخطة    الرئيس السيسي يهنئ نظيره الكرواتي بذكرى يوم الدولة    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    الدوخة المفاجئة بعد الاستيقاظ.. ما أسبابها ومتي تكون خطيرة؟    الإحصاء: انخفاض نسبة المدخنين إلى 14.2% خلال 2023 - 2024    استشاري أمراض باطنة يقدم 4 نصائح هامة لمرضى متلازمة القولون العصبي (فيديو)    بإطلالة كاجوال.. مي عمر تتألق في أحدث ظهور لها    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن 4 أشخاص    ياسر ريان: بيراميدز ساعد الأهلي على التتويج بالدوري.. ولاعبو الأحمر تحرروا بعد رحيل كولر    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    حبس شخص ادعي قيام ضابطى شرطة بمساومته للنصب على أشقائه بالموسكي    توجيه حكومي بالاستعداد لإجازة عيد الأضحى وتوفير الخدمات للمواطنين    91.3 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة الأربعاء    نشرة التوك شو| ظهور متحور جديد لكورونا.. وتطبيع محتمل مع إسرائيل قد ينطلق من دمشق وبيروت    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هبة خليفة تفتح الأبواب المغلقة في حياة المرأة
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 09 - 2015

تتحول الحكايات العادية التي نراها يوميا إلي قصص ملهمة، حتي تكتسب معها الأشياء معاني جديدة، أقف كثيرا أمام مجموعة كعك العيد ودفتر بيت ستي وأغرق في تفاصيل طفولتي وبيت جدتي أنا أيضا، ثم أعود بالذاكرة سنوات عدة حين شاهدت لأول مرة تلك الصورة المعبرة علي دعوة أحد معارض التصوير الفوتوغرافي.. صورة لامرأة برداء البيت تغلق فمها ب"استيكر" تعلوه ابتسامة مرسومة، بينما تحكي المرأة حكاية لا علاقة لها بالبسمة من قريب أو بعيد، تحكي معاناة متأصلة في روحها بنظرة حزينة، وتسند يدها علي خدها في انتظار بائس ووحيد، إلي هذا الحد يقمعها المجتمع ويفعل بنا مثلها؟ وإلي هذه الدرجة تجيد الصورة الحكي؟ قادتني تلك الصورة إلي مجموعة أخري من الصورة الفوتوغرافية التي لمست روحي من الداخل كما لم تفعل صور من قبل .
و"من الداخل" كان هو أيضا العنوان الذي اختارته الفنانة هبة خليفة لتقدم مجموعتها البديعة في إطار معرض جماعي استضافه أتيليه القاهرة منذ بضع سنوات تحت عنوان "شوف"، والذي قدم ستة معارض متميزة في معرض واحد، لسبعة من المصورين المتميزين من جريدة "الشروق"، ممن اختاروا الفوتوغرافية مهنة لهم ووسيلة تعبر عن أفكارهم ومبادئهم في الحياة وإن جاءوا من خلفيات مختلفة.
"معظمنا يطارد قصصاً أو تطارده قصص .. ندونها بالكاميرا التي نري من خلالها العالم" ... هكذا فعلت هبة وزملاؤها، وقد اختارت هبة حكي سيرتها الذاتية .. حيث تقول: "حكي السيرة الذاتية عن طريق الكاميرا ليس مسألة بسيطة، لا يمكننا من خلال الصور أن نعرف أين يبدأ الحدث وأين ينتهي .. القصة مفتوحة علي كافة الاحتمالات.. والأسئلة والتصورات عن النفس هي التي تتبدل ، ما يحدث داخل البيت مرآة لما يحدث في المجتمع الذي يعيد إنتاج العلاقة داخل البيوت .
تلتفت هبة إليّ بينما تواصل حديثها معي وتطهو الطعام في الوقت نفسه، في منزلها الدافئ جدا .. وذلك بعد سنوات من مشاهدتي لهذا المعرض حيث كنت أحتفظ برغبتي في الحديث معها طوال هذا الوقت. لم يكن لهبة رفاهية الجلوس لوقت طويل بينما عليها أن تنهي عملها اليومي في جريدة الشروق وتراعي ابنتها الصغيرة ورد ، وتنتهي من أعمالها المنزلية .. وتعمل علي مشروعاتها الفنية المستقلة.
وربما كان أكثر ما يميز حكايات هبة أنها استطاعت أن تحول من تفاصيل الحياة المجهدة إلي ماكينة حكايات ترويها بالكاميرا.. ولهذا أعتبر أن صور هبة هي مجموعة من أصدق الأعمال الفنية التي يمكن أن تشاهدها في حياتك.
تقول هبة : "المعتاد أن يقوم الناس بالتصوير ثم يعلقون علي الصور ، لكن أن تحاول التعبير عن مكنون نفسك من خلال قالب فني بصري هو المختلف". وتضيف : "إن ما يحدث لي هنا يحدث للكثيرات هناك خلف الأبواب المغلقة، أحاول فتح الباب والكشف عما يحدث، أصفه وأحاول تفسيره. أقول كل ما أريد في محاولة لتثبيت الزمن واقتطاع لقطة معينة منه . ربما أريد تجاوز الزمن من خلال الاستغراق فيه والتشبع بتفاصيله والتعبير عنه ثم تركه يرحل، لأكمل أنا المسيرة إلي مكان أبعد وأعمق. بقلب يعرف ويعي ويصدق".
الصدق هو ذلك الإحساس الأهم في حياة هبة ، الصدق الذي تنطق به أعمالها هو صدق مشاعرها في الحقيقة، هو صدقها مع نفسها في التعبير عن حياتها بلا مواربة وبلا ادعاء وببساطة شديدة .
تبتسم هبة وهي تضع أمامي طبقاً من الطعام الذي قامت بطهوه للتو.. وهي تقول: "أحاول أن أسرد سيرتي الذاتية من خلال الفن، أحاول أن أفهم نفسي وعلاقتي بعائلتي وأختي وابنتي وعلاقتي بالعالم وعلاقتي بجسدي. وكذلك علاقتي بالأماكن التي أحبها .. إذا استطاع كل الناس أن يرووا سيرتهم الذاتية فإن المجتمع سيتغير لأن قصتي وليست قصتي وحدي وإنما قصة آلاف غيري".
بدايات مختلفة
أعود بهبة إلي البدايات حيث تخرجت في كلية فنون جميلة ، قسم ديكور ومسرح جامعة حلوان عام 2000 ، قبل أن تحصل علي دبلومة المعهد العالي للنقد الفني - قسم فن تشكيلي في 2002 ، وقد كانت مغرمة بالفن منذ البداية .. تروي هبة تفاصيل تلك الفترة من حياتها قائلة: كنت كلما زرت معرضا أثناء الدراسة أو بعد تخرجي مباشرة شعرت بالانبهار ولكنني لم أكن أفهم ما الذي يحدث، لم أكن أفهم جوهر العملية الفنية، فقد كنا في الكلية نتبع النموذج الكلاسيكي للفن والذي يعني أن الدراسة تهتم بكيفية أن ترسم جيدا ، ولكن ليس بأهمية الفن في كونه وسيلة للتعبير، الدراسة مفصولة عن الواقع الفني، لأنهم لا يهتمون بالإجابة علي أول وأهم سؤال وهو أهمية الفن؟ فمن كان يرسم أفيشات الأفلام قديما مثلا هو رسام ماهر وليس فناناً، الفن هو قدرتك للتعبير عن مشاعرك وأفكارك من خلال وسيلة فنية .. وأن يكون لك تجربة تريد أن ترويها . وربما كنا محظوظين بالتعرف علي الفنان عمر جيهان أثناء الدراسة وهو أستاذنا الذي علمنا الفن، ونحن مدينون له بكل شيء تعلمناه عن الفن وعن الحياة".
وفي عام 2006 قدمت هبة أولي معارضها الفردية تحت عنوان "غياب مؤقت"، وقد مزجت في معرضها هذا بين الفوتوغرافيا والتصوير .. ولم تكن الصور الفوتوغرافية بعدستها آنذاك، وإنما كانت صوراً جمعتها من ألبوم العائلة .. صوراً شخصية وغيرها .. تجربة ثرية ترويها هبة بينما نتأمل إحدي لوحات المعرض المعلقة علي أحد جدران صالة منزلها الذي تحول لقاعة عرض دائمة : "كانت الفكرة تدور حول كون هذه الصور دليلا علي الوجود، عندما نشاهد صوراً فوتوغرافية، فإنها كثيرا ما تكون لأشخاص غير موجودين، هذه الصور تجعلهم حاضرين، تجعل غيابهم هذا غياباً مؤقتاً ..فهناك صوا لجدتي ..وجدتي رحلت منذ زمن بعيد لكن هذه الصورة تؤكد أنها موجودة.. كانت موجودة يوما ما، غيابها هذا هو غياب مؤقت. تضيف هبة : "كنت وقتها أعمل مع الأولاد المتسربين من التعليم بإحدي الجمعيات الأهلية، وكنت علي وشك أن أترك العمل ولكن صورهم كانت معي، وهنا بدأت أطبع صورهم علي مقاس أكبر وأرسمهم بحيث يظلون في حياتي، كأني أريد أن أحتفظ بهم، إن الفن هو وسيلة للاحتفاظ بالناس والذكريات ووعيك وخبرتك حتي لا تتسرب منك".
تتحمس هبة وتقول بينما تلمع عيناها: "كنت مهوسة بفكرة الصورة لأن الصورة هو أن تحبسي حركة الزمن أو بالأحري الاحتفاظ بالزمن في كادر، اقتناص قطعة من الزمن الهارب، الصور مع الرسم يصنعان معا عالمين منفصلين متصلين، ولذا لجأت للكولاج وكنت في هذا المعرض أمزج بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي .. كتجربة للمزج بين عالمين وخلق حوار بين الواقع والخيال".
سألت هبة عن بداية تحويل مسارها لاحتراف الفوتوغرافيا ، فأخبرتني أن البداية كانت بكاميرا صغيرة : "كنت قد اشتركت في صالون الشباب بخمس لوحات وفزت بجائزة محمد منير وكانت الجائزة مبلغاً من المال قيمته 1000 جنيه فابتعت بهم كاميرا، وبدأت أصور أصحابي وبيتي وعائلتي، فطوال الوقت كان لدي إحساس كبير بالفقد ، فقد فقدت أشخاصا كثيرين في حياتي ومنهم والدي وجدتي وخالي وخالتي .. ولذا كان دائما لدي إحساس بأني أريد تصوير كل شيء حولي مرات ومرات .. وكأن الرحيل هو سنة الحياة .. ميلان كونديرا دائما يقول إن الحاضر متغير لكن الناس دائما عندهم وهم وكأن الحاضر أبد حتي يشعروا بالأمان، ولكنني لم يكن أبدا لدي هذا الشعور .. ولذا كنت أحرص علي تصوير كل الأماكن والأشخاص مرات ومرات، حتي بيت جدتي كان لدي إحساس أني سأغادره في يوم ما.. وأنا أحب بيت جدتي .. فقد بناه جدي خصيصا بعد أن تهدم منزلهم القديم، وقد فتحت فيه جدتي شبابيك عديدة علي غير المعتاد.. بيت جدتي مليء بالنور، وأنا أشعر بدفء الصور التي كنت أصورها فيه، ولذا كنت كلما اشتريت كاميرا جديدة بدأت التصوير وكأني أبدأ من جديد، ويبدو أنهم اعتادوا عليّ وأنا أصور فخرجت الصور صادقة وتلقائية ومفعمة بالحياة.
بعد ذلك في 2007 حصلت علي منحة الفنان محمد عبلة لدراسة الفن في ساليزبرج ، كانت تجربة ملهمة وممتعة في حياتي، وهناك تعرضت لكل التجارب الفنية، تأكد أن الحرفية ليست أهم شيء وإنما الأهم التجربة الذاتية والتعبير عنها من خلال الفن ، إن أهم شيء هو أن يجيد الفنان استخدام أدواته للتعبير عما يريد قوله وأن يصل ذلك للناس، أنا أدرك تماما ما أريده من التصوير أو من الفن عموما.
وفي عام 2008 أعلنت جريدة "الشروق" - وكانت جريدة جديدة آنذاك - عن حاجتها لمصورين فوتوغرافيين، وهنا أخذت صوري وقابلت راندا شعث وكنت محظوظة بها ، كانت صوراً غير صحفية بالمرة ، ولكنها كانت مليئة بالحكايات وهو ما جعلها تمنحني فرصة للتدريب معها ، وكان لابد من شراء كاميرا جيدة، ولم يكن معي ما يكفي من المال، فما كان منها إلا أنها ساعدتني من خلال عمل جمعية، واشتريت كاميرا جديدة .
في البداية كنت أشعر بصعوبة التعبير بالفوتوغرافيا وحدها ، ففي اللوحة لديك حرية أن تخلقي العالم في الكادر الفارغ أمامك ، أما في الصورة الفوتوغرافية فإنك تقتطعين جزءاً من العالم، وهذا الجزء لابد أن يعبر عن رؤيتك".
وتجيد هبة صناعة الصورة أكثر من التقاطها جاهزة، حيث تقول: "راندا شعث كانت تدعمني طوال الوقت لأخرج أفضل ما فيَّ، أتذكر مثلا خلال زيارة أوباما لمصر، كانت الصور في الشارع محدودة ، يومها كلمت راندا وأخبرتني أن أصور في البيت ، وقد صورت أمي تقوم بتنقية الأرز وتستمع إلي خطاب أوباما ، وكانت صورة سينمائية وإن لم تكن راندا فنانة لما نشرت مثل هذه الصورة التي نالت كثيراً من الاستحسان".
الشعب خط أحمر
وككل المصورين - وخاصة الصحفيين منهم - كان لثورة يناير تأثير بالغ علي هبة خليفة التي انفعلت بالحدث علي أكثر من مستوي، حيث تعود بذاكرتها إلي ذلك اليوم قائلة: "نزلت يوم 28، وربما كان عملي بالتصوير هو تلك المنحة التي وهبها الله لي ، لأتمكن من تسجيل الحدث عن قرب، ولكنني مرة أخري لم أشعر أن الصور وحدها كافية ، وهنا جاءت تجربة تقديم أعمال فنية جديدة مزجت فيها بين الرسم والصور".
وقد شاركت هبة بعملين في معرض " الشعب خط أحمر" أقيم بمنحة من "المورد الثقافي" والذي كان يهدف لتوثيق استمرار الثورة من خلال الصور التي التقطها 14 مصوراً فوتوغرافياً صحفياً.
تقول هبة: "رسمت مريم والمسيح يزوران كوبري قصر النيل، كانت لحظة تاريخية تشبه دخول العائلة المقدسة إلي مصر ، كأنها لحظة سحرية.. رسمت شهداء يطيرون فوق الميدان وكأن أرواحهم تحلق فوقه، رسمت نجفة في الميدان وكأن الثورة ستحدث داخل البيوت وخارجها في نفس الوقت".
ومرة أخري لا تكتفي هبة ، حيث تتطور تجربتها بعدها مرة أخري في معرض آخر "جوة الميدان " ،أقيم بفندق الفينواز بوسط البلد، والذي تضمن إضافة إلي تشكيلات هبة من الصور الفوتوغرافية والرسومات، تجربة تفاعلية مع الجمهور.
وتستعيد هبة ذكرياتها قائلة: "فكرت أن هذا الحجم الضخم قد يعيد ذكري الثورة مرة أخري، يمكننا أن ندخل الميدان بعد أن مضي ثلاث سنوات علي الثورة ، دعوت الناس كي أصورهم داخل الصور ووجدت تفاعلا منهم أبهجني، بعضهم أحضر معه كوفية عليها علم مصر ، وبعضهم بدا وكأنه يكح من الغاز وكأنهم عادوا بالفعل إلي الميدان ، كانت صوراً لناس داخل ناس، واستحضاراً لروح المكان، وكأنها طبقات الزمن.
ورد الصغيرة ملهمة معرض "من الداخل"
كان صوت ورد الصغيرة يتداخل مع الحوار طوال الوقت، وقد كان لميلاد ورد أثر كبير في تجربة هبة الفنية التي لم تنفصل لحظة عن تجربتها الذاتية ، تقول هبة : "عندما أنجبت ورد كانت لحظة تحول ضخمة في حياتي كنت أشعر بالخوف من الأمومة ، ولكنني أيضا أشعر أن الطفل ونس وامتداد، كأنك عندما تربين طفلا تصالحين الطفل الصغير الذي يعيش بداخلك".
ولكن بعد ميلاد ورد لم يكن بإمكاني تصوير مظاهرات أو حتي الخروج إلي الشارع ، كان عليَّ أن أنتهي من عملي سريعا لأصطحب طفلتي من الحضانة .. وأعود إلي المنزل، وكان هناك بعض المشكلات داخل المنزل آنذاك.
إن الجنة تحت أقدام الأمهات ولا يتكلم أحد عن الأمومة المقيدة. أجد نفسي غير قادرة علي مغادرة البيت، غير قادرة علي السير في مظاهرة، أحبس أنفاسي جالسة علي الكرسي أمام التليفزيون بينما تطير الطائرات الحربية في سقف الغرفة ويملأ الغاز المسيل للدموع المطبخ ، تربطني طفلة رضيعة إلي جوارها يتعلق فمها بصدري أغلب الوقت . نحن في مجتمع يطالب الأم بكل الواجبات وكأن ليس لها حقوق .. وهنا قررت أن أعمل مشروعاً عني أنا وابنتي .. مجموعة قصص مصورة تعبر عنا ، وكانت مجموعة، من الداخل".
ولم يكن الأمر يتعلق بورد وحدها كان أيضا يتعلق بغياب الآخر بمشاعرها الأنثوية المجهدة التي بدت في كلمتها عن المعرض: "أحاول أن أعبر عن تلك العلاقة مع الآخر الذي في الأغلب ليس موجودا ولكنه حاضر لأنني أحكي عنه وأغضب منه وأتساءل عن غيابه . أحاول مطاردة مشاعري . أطارد الجدران داخل نفسي وخارجها . الألم يجعلني أبلع الزلط، أحاول تمرير علاقة مؤلمة . أما فيما يتبقي من اليوم بعد العمل أعود بفتافيت الطاقة . أوزعها في كل مكان . بجانب البوتاجاز أحاول طهو الطعام بكسر العزلة فيما بيننا. تمتلئ الغرفة بناموس يصعب عليَّ مقاومته . أقاوم كل شيء بدأب ولا أنجح في أغلب الأحيان. تنكسر العلاقة . أكنس كل يوم ما تبقي منها في زوايا روحي".
كانت هبة تعود من عملها يوميا لتواصل تجربتها في تصوير تلك المجموعة البديعة التي عبرت في جوانبها عن معاناة المرأة، في لوحة "الرباط المقدس" يتحول ذلك الرباط إلي شريط لاصق ضخم يقيد الأم إلي كرسي بينما تحمل طفلتها علي رجلها .. وفي "وجبة يومية" يمتلئ طبق الطعام بالزلط الذي عليها أن تبتلعه لتكمل المسيرة..وفي "انتظار " تجلس الأم لتتأمل السماء من وراء شباك عليه قضبان حديدية أقرب إلي السجن، ويشبه تطلعها إلي السماء توقها إلي الحرية المفقودة.. بينما في "ضيق تنفس" تمزج هبة بين الواقع والفانتازيا حيث تقف الأم في المطبخ مرتدية قناع الغاز وتغطي رأسها بالمصفاة، ذلك الغاز الذي كان يتسرب إليها ابنتها عبر الشباك طوال الوقت، وتستمر الحكايات.
صُنع في المنزل .. عن علاقة المرأة بجسدها
وتعمل هبة حاليا علي مشروع توثيقي جديد أتوقع أن تكون نتائجه بمثل قوة مشروع "من الداخل" .. حيث فازت هبة مؤخرا بمنحة "آفاق الصندوق العربي للثقافة والفنون" في إطار برنامج التصوير الفوتوغرافي الوثائقي العربي 2015، عن مشروع "صنع في المنزل" والمشروع يدرس ويوثق بطريقة سمعية وبصرية العلاقة الشائكة بين النساء وأجسامهنّ، ويتكلم عن مخاوفهنّ وعن آلامهنّ المتراكمة نتيجة ضغط المجتمع. حيث تنعكس العلاقة السلبية مع الجسم تعلي الهوية وتُعيق المشاركة بالشأن العام والتفاعل مع المجتمع. العديد من النساء مجبرات علي تغطية أجسامهنّ أو يغطينه فقط ليتمكنّ من المشي في الشارع. التحرّش والاغتصاب في ازدياد في مجتمع يملك الوقاحة الكافية ليلقي اللوم علي الضحايا"
وقد تأسس صندوق (آفاق) عام 2007 بمبادرة من ناشطين ثقافيين عرب وقد أنشيء ليكون مؤسسة مستقلة تموّل الأفراد والمؤسسات العاملين في مجال السينما، فنون الأداء، الأدب، الموسيقي والفنون البصرية.
وعن تلك التجربة تقول هبة: "اكتشفت أن مشكلتنا الكبري كنساء شرقيات ترتبط بأجسادنا، فهو مصدر شرف أو عار، مصدر خزي أو فخر، ونحن منذ الطفولة نتحاكم بهذا الجسم، نحن نتحاكم بما ليس في مقدورنا وليس منجزنا، تقفين في المرآة بالساعات وتلومين نفسك ، وتعذبين نفسك لو قام أحدهم بمعاكستك، في لحظة معينة تكرهين هذا الجسد، فالحياة كلها تتمحور حول امتلاكك لهذا الجسد، وتتحول الحياة عند كثيرات للهاث لحماية هذا الجسد ، أو استثماره.
تجربة صعبة جديدة، طلبت ممن أقوم بتصويرهن ارتداء بادي لون جسدهن، وحين تقتربين من جسمك تخرج كل الحكايات الدفينة، أتذكر أن هناك طبيبة بعد أن ارتدت ملابس التصوير غطت وجهها ورفضت استكمال التجربة، وأخبرتني أنها تكره نفسها فلم يحبها أحد أبدا، عندما نكون بجوار أجسامنا نحن فعليا بجوار خط أحمر، المشروع بالفعل شاق ويحتاج مجهوداً وجرأة".
أنظر إلي مكتبة هبة الصغيرة التي تضم مجموعة منتقاة من الكتب ، هبة تشكل وعيها طوال الوقت بالقراءة ، ولهبة قراءات متعددة في الصوفية ، والعمل الفني ما هو إلا انعكاس لكل ما يدخل إلي روح الفنان، إضافة إلي تلك الفنون التي تشاهدها طوال الوقت ، حيث تقول هناك أسماء كثيرة تأثرت بها في التصوير ومنها رائدة سعدة وهي مصورة فلسطينية وشرين نشأت وهي مصورة إيرانية، وسيندي شريمان وهي مصورة أمريكية.
إن الفوتوغرافيا لم تعد تسجيلا للحظات خارجية بالنسبة لهبة خليفة، وإنما هو غوص عميق بالداخل ولذا فإنني أري أن "من الداخل " هو عنوان لتجربة هبة الفنية الحياتية، إن الأمر يتعلق بعلاقة المرأة بروحها، ولذا أختتم رحلتي أنا أيضا في عالم هبة الساحر الثري بتلك الجملة التي قالتها هبة وهي تبتسم : "حتي يتقبلك العالم لابد أن تتقبلي روحك ، لتصبحي كائنا مستقرا يشعر بالأمان".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.