ما أسباب تراجع أسعار الذهب في الأسواق العالمية؟.. خبير يجيب    نجل نتنياهو يتهم الجيش الإسرائيلي و«الشاباك» بالخيانة.. و«حماس» السبب    بلينكن يهنئ المسلمين بمناسبة عيد الأضحى    يورو 2024.. منتخب رومانيا يقسو على أوكرانيا بثلاثية نظيفة    حمامات السباحة بالقليوبية تشهد إقبالا كبيرا في ثانى أيام عيد الأضحى    مصدر باتحاد الكرة: الأهلي طلب حكام أجانب لمباراتيه مع الزمالك وبيراميدز في الدوري    الفيوم تودع 7 حجاج توفوا أثناء أداء المناسك في الأراضي المقدسة    آخر ظهور للموزع عمرو عبدالعزيز قبل وفاته.. «رحل بعد صراع مع السرطان»    رئيس هيئة الرعاية الصحية يتفقد انتظام العمل بمستشفيات القناة خلال عيد الأضحى    حقق حلمه.. إشبيلية يعلن رحيل سيرجيو راموس رسميًا    أسقف السويس يهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    تفاصيل جديدة حول الطيار المصري المتوفى خلال رحلة من القاهرة إلى الطائف    "تضامن الدقهلية" تواصل توزيع اللحوم على الأسر الأولى بالرعاية    في اول تعليق له على شائعة وفاته .. الفنان حمدي حافظ : أنا بخير    الفلبين: الصين تنفذ مناورات بحرية خطيرة أضرت بمراكبنا    تفاصيل إنقاذ طفل اُحتجز بمصعد في عقار بالقاهرة    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    في ذكري وفاته.. الشيخ الشعراوي إمام الدعاة ومجدد الفكر الإسلامي    حماس: إقدام الاحتلال على إحراق مبنى المغادرة بمعبر رفح عمل إجرامى فى إطار حرب الإبادة    سميرة عبد العزيز تكشف مفاجأة عن سبب تسميتها «فاطمة رشدي الجديدة»    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    مصر تحصد المركز الخامس عربيا في تصدير البطيخ    وزارة المالية: تخفيف الأعباء الضريبية عن العاملين بالدولة والقطاع الخاص    هيئة نظافة القاهرة ترفع 12 ألف طن مخلفات في أول أيام عيد الأضحى    بالترددات وطرق الاستقبال .. 3 قنوات مفتوحة تنقل مباراة فرنسا والنمسا في يورو 2024    حصول مركز تنمية قدرات جامعة أسيوط على رخصة تدريب معتمد من الأعلى للجامعات    إصابة 16 عسكريًا إسرائيليًا خلال ال24 ساعة الماضية    عاجل.. تطورات مفاوضات الأهلي لحسم بديل علي معلول    بالصور.. شواطئ بورسعيد كاملة العدد ثاني أيام العيد    محمود الليثي ينهار من البكاء في أول تعليق له بعد وفاة والدته    الكرملين: تصريحات الناتو بشأن نشر أسلحة نووية تصعيد خطير    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الفيزياء الحيوية الطبية بعلوم القاهرة    بعد إعلان رغبته في الرحيل.. نابولي يحسم مصير كفاراتسخيليا    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    مدير صحة شمال سيناء يتابع الخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين    إسرائيل تقرر زيادة عدد المستوطنات بالضفة الغربية بعد اعتراف بلدان بدولة فلسطين    الإسكان: تنفيذ 1384 مشروعاً بمبادرة «حياة كريمة» في 3 محافظات بالصعيد    26 عامًا على رحيل إمام الدعاة.. محطات فى حياة الشيخ الشعراوي    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    التحقيق مع حلاق لاتهامه بالتحرش بطفلة داخل عقار في الوراق    كيفية تنظيف الممبار في المنزل بسرعة وبطريقة فعالة؟    روسيا: لن نسمح بإعادة آلية فرض قيود على كوريا الشمالية في مجلس الأمن    30 مليون مستفيد من خدمات التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    أسعار العملات العربية في بداية تعاملات ثاني أيام عيد الأضحى    وزيرة الهجرة تطلق «بودكاست» لتعريف المصريين بالخارج تاريخ حضارتهم    شاهد| أول أيام التشريق.. صحن الطواف يمتلئ بحجاج بيت الله الحرام    سعر الريال السعودي في بداية تعاملات ثاني أيام عيد الأضحى    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    وفاة خامس حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    مصرع طفل صعقا بالكهرباء خلال شرب المياه من كولدير في الفيوم    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    مانشستر سيتي يحدد سعر بيع كانسيلو إلى برشلونة في الميركاتو الصيفي    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    في ثاني أيام العيد.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 17 يونيو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير عن نفسي: سيرة الكائن الخلاسي ابن الحب والحرب
نشر في أخبار الأدب يوم 22 - 08 - 2015

تطل علينا السير الذاتية للكتاب والفنانين كل مرة في أحجام ضخمة مختبرة درجات من البوح والجرأة حسب كاتبها لمواجهة تجربة الأنا ومسيرتها الطويلة مستنسخة بعضها أحيانا محاولة الافلات من المحاكاة في أحايين أخري. غير أن هناك سيرًا قصيرة نادر كسيرة بورخيس وسيرة بول ريكور وسيرة ساراماجو ظلت سيرًا ملفتة لطابعها التأملي والتي كانت سيرًا فكرية وفلسفية أكثر منها سيرًا ذاتية حكائية تنشغل بالاحداث والوقائع، بين هذه الأولي والثانية يتموقع كتاب " تقرير عن نفسي" للكاتب والرسام الفرنسي جريجوار بوييه في ترجمته العربية لياسر عبد اللطيف الصادرة عن كتب خان بالقاهرة.
السيرة المكثفة السيرة المدوية
في ما يناهز المائة صفحة يضع صاحب رواية " كيب كانيفرال" تقريره عن نفسه، في ما يشبه الوشاية بالنفس ، حينما يتقلد دور المخبر لينقل أسرار عائلته للقارئ ويحطم وقار المؤسسة العائلية العريقة؛ عائلة الضابط الفرنسي الذي شارك في حرب التحرير الجزائرية؛ المواطن الفرنسي الصالح الذي يلبي كل مرة نداء الواجب ويهرع لساحات القتال في بزته العسكرية دفاعا عن شرف الوطن. هكذا وفي صفحتين يطيح جريجوار بوييه بهذه المؤسسة كاشفا هشاشتها .
يبدأ هذا التقرير السيري باستحضار مشهد الأم وهي تهم بالانتحار سائلة ابناءها الصغار سؤالا وجوديا أكبر من طاقتهم" يا أطفالي هل أحبكما؟" سؤال عبثي لا يمكن أن تجيب عليه إلا تلك الأم التي تهم برمي نفسها من الشرفة. قبل أن يلتقطها الأب " بعد أن تكون قد مرت احدي أرجلها في الفراغ".
هكذا يبدأ الكاتب سرد حياته بعد استحضار ذلك المشهد السينماتوغرافي لفشل انتحار الأم. ليفجر قنبلته أنه ابن لرجلين كما أخبرته أمه. فالأم كانت تعاشر عشيقها الطبيب الجزائري في ذات الوقت الذي كانت تعاشر فيه زوجها الذي كان يتقاسم زوجته مع الشريك الجزائري في نفس اللحظة ومن ثمة وحسب ما أكده العلم فهو ثمرة هذا الجماع الثلاثي وهذا ما عكسته بشرته السمراء التي لا تشبه ال بوييه. ونتيجة لذلك سمته أمه ب" ابن الحب" حب رجلين في آن واحد وبرضائهم الثلاثة . علاقة حب مزدوج نبت في أرض الحرب.
معرفة هذه الهوية الخلاسية للكاتب / الشخصية ستحدد حياته المستقبلية ورؤيته للعالم وللأدب.
غير أن هذا الحدث ليس الوحيد الذي شكل شخصية الكاتب بل كان إصابته ب"العنقوديات الذهبية" ذلك المرض الذي كاد يفتك به في طفولته والذي فرح أهله بنجاته منه ولكنهم لم ينتبهوا أن الطفل قد خبأ عنهم سنوات أنه فقد منذ إصابته به في سن الرابعة حاسة الشم. فتتناص السيرة في هده اللحظة مع رواية العطر لزوسكيند بطريقة المعارضة الساخرة فمقابل "غرونوي" صاحب حاسة الشم الفظيعة مع زوسكيند نجد أنفسنا أمام جريجوار رجل بلا أنف. فقدان الطفل لحاسة الشم واصراره علي كتم تلك العاهة التي سببته له إصابته بالعنقوديات الذهبية جعله يشكل العالم وفق نسج الحيل للتفوق علي النقصان الحسي بالإدراك وهو ما جعله يتفوق في نصوصه التعبيرية في المدرسة.
سيرة حياة روائية تشكيلية
كتب جيرجوار سيرته وفق بناء روائي محكم كلاسيكي في ظاهره حيث تكاد تنادي مقدمته، التي تروي محاولة انتحار الأم، نهايتها التي تروي قصة الأم التي نجحت في القفز من الطابق الخامس لكنها فشلت في الموت.
لكن هذا البناء السردي الدائري يقابله داخليا برنامج سردي مختلف ينهض علي القفز في كل الاتجاهات كما تقفز ريشة الرسام الكاتب تلاحق صورة ليس لها وجود إلا في مخيلته هو ، تضرب الريشة بقوة خط سرد الحياة لتشكل خطها الخاص الذي أخرجها في هيئة لوحة طروس للتجارب والانفعالات فنرفع هذا العمل الأدبي إلي السيرة الذاتية للتجريبية. فنحن نرجح أن مرد هذا التشويش الزمني للعمل مرده ليس خيانة الذاكرة أنما استراتيجية سردية أمنت للكتاب خصوصيته وألحقته بهوية الكاتب الرسام. وتظهر التجريبية في المرح اللغوي الذي يعمد اليه الكاتب بمداورته للغة الفرنسية بجناساتها وضروب معانيها وهذا ما نجح في إيصاله إلينا المترجم بذكاء داخل هوامش دقيقة تستدعي هذا اللعب وتوضحه. والحق أن الكاتب كان يعي جيدا أنه تشكل داخل اللغة وأنه مجرد كائن لغوي.
عندما يقول : "تألمت عندما لاحظت أن حياتي تشكلت من اللغة".وهذا ما يدفع الكاتب للتعامل مع العالم باعتباره مجموعة شيفرات لغوية عليه أن يعمل علي تفكيكها محاذرا السقوط في خطأ التشابه الأجناسي.
كتابة المحظور ولاأخلاقية المعيش
يشكل المحظور العالم الذي تتحرك فيه حياة جريجوار منذ مولده وهو ما جعله أقرب نفسيا إلي رواد الأدب الجنسي ومنظري الشر والسادية والحريّة الجنسية التي يقول منذ الصفحات الأولي إن والديه " لم يكونا بحاجة لأي شعارات ليستمتعا بها بلا قيد، بوكاشيو وأرسيتو فان كانا دائما قريبين من الحقيقة، كذلك دي ساد وجورج باتاي، وبالذات ذلك الأخير لأنه يحمل في اسمه نفس الأحرف التي يبدأ بها اسمي".
إن ذكر واستحضار هؤلاء وخاصةجورج باتاي يجعلنا نتساءل هل هذه القصص التي رواها كانت وقائع حقيقية أم هي من اختلاق مخيال الروائي واستحضاره لعوالم صاحب " الأدب والشر" و"حكاية عين".
هذه الحفلة الجنسية التاريخية التي تعيشها العائلة عبر السلالات القديمة من الجد الي الأحفاد تنتهي بالفجائع فالأم تحاول كل مرة الانتحار والأخ المثلي الذي هاجر الي الولايات المتحدة يأكله مرض الأيدز. وهجران الأب للعائلة كل مرة يزيد من رسم ملامح هذه الشخصية الأوروبية التي تذهب في الشطط حدا يجعلها كلها تفكر بالانتحار.
تقرير عن نفسي" عمل سيري فريد لا تمثل استعادة الوقائع كل هويته إنما ينهض أسلوب الكتابة نفسه أحد مشكلات المتعة. تلك المتعة التي تنسجها الأسئلة الفلسفية عن حقيقة الذات البشرية التي تتنازعها الشهوات المادية من ناحية والحاجة إلي الحب والطمأنينة من ناحية ثانية. أسئلة حول هذا الكائن الهش الذي يولد داخل اللغة لتفترسه الحروف بانحرافاتها. انها ليست سيرة جنسية كما تبدو ولا فضائحية بقدر ما هي سيرة فكرية في ثوب تخييلي لرسام رمي الفرشاة الناعمة واستل السكين الحادة ليشرح ذاته من مراحلها الجنينية الي مرحلة النضوج ممسكا بسيرة العائلة المارقة خيطا سرديا متينا لنسج صورة عن نشأته؛ صورة عن نفسه.
تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.