وإذ قد تناولنا في مقالتين سابقتين حقيقة التصوف، وبينا أنه مع اختلاف التعبير عن هذه الحقيقة فإنها ترجع إلى شئ واحد، وهو صدق التوجه إلى الله، بكل ما تحمله كلمة الصدق من معانٍ تشمل الأقوال والأفعال وما تنطوي عليه القلوب، وقلنا إن الصوفي اتخذ مجاهدة (...)
مجاهدة النفس ومقاومة نزعاتها وتهذيبها وإقامتها على الجادة وتدريبها على معالي الأمور من أصعب الأشياء، ومع صعوبتها التي يدركها كل واحد من نفسه بما يشبه الضرورة، فقد اتخذها المتصوف منهاجا لازما، وغاية أخلاقية لا يتنازل عن محاولة تحقيقها في أرض (...)
التصوف فكرة وسلوك، ونور معرفة يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده الصالحين، وكأي شئ في الوجود لا يمكننا الحكم عليه إلا بعد تصوره؛ فمحاولة الحكم على التصوف أو له قبل وجود هذا التصور ضرب من العبث ومحاولة يقودها الهوى قبل كل شئ.
وقد حاول أهل التصوف (...)
" من نزل بأرض قوم فشا فيهم الربا فحدثهم عن حرمة الخمر فقد خان الله ورسوله " مقولة تلخص كثيرا مما أريد أن أقوله في هذه المقالة، ليس الشأن إذن أن تتكلم في قضية هي من الدين ولو أحسنت الكلام فيها، إنما الشأن مراعاة مقتضى حال المخاطبين وما يحتاجون إليه (...)
وإذ قد مرت بنا في المقالات السابقة مناقشات لمسالك أناس ينظرون إلى تراث الفقهاء على أنه الكلمة الأخيرة، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن ثم لا يحتاج هذا التراث عندهم إلى قراءة واعية ناقدة، ولا تجوز فيه المراجعة إلا في أضيق الحدود عند (...)
يقول أهل العلم بالإسلام إن لله في كل فعل من أفعال المكلفين حكما شرعيا من وجوب أو حرمة أو كراهة أو إباحة أو استحباب ونحو هذا، ولمعرفة هذا الحكم لابد من وجود مصادر معتمدة تتوفر لها الحجية في الاستنباط منها، أي: تكون حجة في استنباط هذه الأحكام الشرعية، (...)
" فقهنا هذا رأي، فمن جاءنا بخير منه قبلناه" مقوله خالدة لإمام الفقه الأعظم أبي حنيفة النعمان، لا ينبغي أن تغيب عن الحضور لدى كل متصدٍ للفقه والاجتهاد في أي عصر من العصور، فليس الفقه نصوصا قطعية فحسب واجبة الاتباع، بل أكثره اجتهاد ورأي، إما في محاولة (...)
لا ريب أن شيئا كثيرا من تراث الفقهاء هو نتاج التفاعل في داخل عقل الفقيه بين النص من جهة والواقع من جهة ثانية، فلا غرو أن يكون ما توصلوا إليه مرهونة مناسبته لعصر معين ببقاء ذلك الواقع الذي كان في عملية الاجتهاد التفاعلية التي أنتجت هذا الرأي أو ذاك، (...)
ككثير من عاداتنا الفكرية ينقسم الناس في الحكم على تراث الفقهاء والمفسرين إلى فريقين يمثلان طرفي نقيض، فريق يقدس هذا التراث، وفريق يهيل التراب عليه.
فالفريق الأول ينظر إلى هذا التراث الفقهي على أنه الكلمة الأخيرة، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا (...)