«العمل»: تمكين المرأة أهم خطط الوزارة في «الجمهورية الجديدة»    تحت أي مسمى.. «أوقاف الإسكندرية» تحذر من الدعوة لجمع تبرعات على منابر المساجد    مغامرة مجنونة.. ضياء رشوان: إسرائيل لن تكون حمقاء لإضاعة 46 سنة سلام مع مصر    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 8 مايو 2024 بعد الانخفاض الجديد    رئيس البورصة السابق: الاستثمار الأجنبي المباشر يتعلق بتنفيذ مشروعات في مصر    البيت الأبيض يعلن فتح معبر كرم أبو سالم اليوم    العاهل الأردني من واشنطن: يجب منع العملية العسكرية الإسرائيلية البرية على رفح    عاجل.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه لفلسطين المحتلة لاستكمال مباحثات هدنة غزة    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة، أبرزها مواجهة ريال مدريد والبايرن    «الجميع في صدمة».. تعليق ناري من صالح جمعة على قرار إيقافه 6 أشهر    قبل مواجهة الزمالك.. نهضة بركان يهزم التطواني بثلاثية في الدوري المغربي    تعليق ناري من شوبير بعد زيادة أعداد الجماهير لحضور المباريات المحلية والإفريقية    متحدث الزمالك: هناك مفاجآت كارثية في ملف بوطيب.. ولا يمكننا الصمت على الأخطاء التحكيمية المتكررة    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من تحول حالة الطقس اليوم وتنصح بضرورة توخي الحذر    الداخلية تصدر بيانا بشأن مقتل أجنبي في الإسكندرية    ياسمين عبد العزيز: بتعرض لحرب مش طبيعية من تحت لتحت وهذا سبب زعل أحمد حلمي مني    3 أبراج تحب الجلوس في المنزل والاعتناء به    ياسمين عبدالعزيز تكشف أعمالها الجديدة بين السينما والدراما    بعد 18 سنة.. ياسمين عبدالعزيز تكشف كواليس لأول مرة من فيلم الرهينة    "ارتبطت بفنان".. تصريحات راغدة شلهوب تتصدر التريند- تفاصيل    عاجل - "بين استقرار وتراجع" تحديث أسعار الدواجن.. بكم الفراخ والبيض اليوم؟    تراجع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 8 مايو 2024    قبل بداية الصيف.. طرق لخفض استهلاك الأجهزة الكهربائية    موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    جريشة: ركلتي جزاء الأهلي ضد الاتحاد صحيحتين    الحديدي: كولر «كلمة السر» في فوز الأهلي برباعية أمام الاتحاد السكندري    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    هل نقترب من فجر عيد الأضحى في العراق؟ تحليل موعد أول أيام العيد لعام 2024    ضبط تاجر مخدرات ونجله وبحوزتهما 2000 جرام حشيش في قنا    تأجيل محاكمة ترامب بقضية احتفاظه بوثائق سرية لأجل غير مسمى    الأونروا: مصممون على البقاء في غزة رغم الأوضاع الكارثية    أبطال فيديو إنقاذ جرحى مجمع ناصر الطبي تحت نيران الاحتلال يروون تفاصيل الواقعة    كيف صنعت إسرائيل أسطورتها بعد تحطيمها في حرب 73؟.. عزت إبراهيم يوضح    اعرف تحديث أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 8 مايو 2024    معجبة بتفاصيله.. سلمى الشماع تشيد بمسلسل "الحشاشين"    حسن الرداد: إيمي شخصيتها دمها خفيف ومش بعرف أتخانق معاها وردودها بتضحكني|فيديو    «خيمة رفيدة».. أول مستشفى ميداني في الإسلام    بعد تصريح ياسمين عبد العزيز عن أكياس الرحم.. تعرف على أسبابها وأعراضها    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    صدمه قطار.. إصابة شخص ونقله للمستشفى بالدقهلية    دار الإفتاء تستطلع اليوم هلال شهر ذى القعدة لعام 1445 هجريًا    اليوم، تطبيق المواعيد الجديدة لتخفيف الأحمال بجميع المحافظات    وفد قومي حقوق الإنسان يشارك في الاجتماع السنوي المؤسسات الوطنية بالأمم المتحدة    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    ما هي كفارة اليمين الغموس؟.. دار الإفتاء تكشف    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    عزت إبراهيم: الجماعات اليهودية وسعت نفوذها قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    في يوم الربو العالمي.. هل تشكل الحيوانات الأليفة خطرا على المصابين به؟    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة منفرة مجتمعيًا وعقوبتها المؤبد .. بعد تهديد دكتورة جامعية لزميلتها بصورة خاصة.. مطالبات بتغليظ العقوبة    إجازة عيد الأضحى| رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    ضمن مشروعات حياة كريمة.. محافظ قنا يفتتح وحدتى طب الاسرة بالقبيبة والكوم الأحمر بفرشوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث الفقهي بين التقديس والتهوين "5"
نشر في البديل يوم 16 - 05 - 2016

وإذ قد مرت بنا في المقالات السابقة مناقشات لمسالك أناس ينظرون إلى تراث الفقهاء على أنه الكلمة الأخيرة، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن ثم لا يحتاج هذا التراث عندهم إلى قراءة واعية ناقدة، ولا تجوز فيه المراجعة إلا في أضيق الحدود عند بعضهم، ولا تساوي الدعوة إلى التجديد والاجتهاد عندهم إلا الدوران في فلك أقوال الماضين والتخريج عليها، ويكاد هذا التراث في نظرهم أن يتماهى مع نصوص الوحي ذاته، فلا يفرقون بين إلهية الوحي وبشرية فهم الوحي.
نناقش في هذا المقال مسلكا آخر في المواجهة مع أولئك الأولين، مسلكا يرى أنه يجب تجاوز كل التراث القديم، وأنه لا شئ فيه يستحق الإبقاء عليه، وأن التراث جميعه متلون بلون عصره الذي كتب فيه، ولا يصلح بحال أن يحكم عصرنا الحاضر، ويرى أصحاب هذا الفريق أنه لا يجوز بحال أن نعير هذه الاجتهادات السابقة بالًا، وأنه ينبغي البدء من حيث بدأ الفقهاء لا من حيث انتهوا، لأن عقولنا كعقولهم، والمتاح لنا في عصر انفجار المعرفة أضعاف أضعاف ما أتيح لهم، ومن ثم فإذا أردنا تشريعات تناسب عصرنا فلابد أولًا من إهالة التراب على هذا التراث، ولابد من طي صفحته، والتعامل مباشرة مع نصوص الوحي دون أدنى التفات إلى ما فهمه الأقدمون من هذه النصوص، مع اعتبار مناهج الأقدمين في الفهم والاستنباط عند بعضٍ، وعدم هذا الاعتماد عند بعضٍ آخر.
وننطلق في مناقشة هؤلاء من نقطة أولى ونتساءل، هل جميع الأحكان الشرعية التي استنبطها الفقهاء السابقون فعلا بنيت على أعراف أزمانهم، فيجدر أن تتغير بتغير هذه الأعراف؟
والجواب الذي أراه أن الأحكام الفقهية منها ما بني بلا ريب على عرف سابق بناء خالصا، فيجب تغييره مع تغير هذا العرف، وهو ما حصل فعلا من الفقهاء أنفسهم في زمن متقارب أو في أماكن متقاربة، وآية ذلك الواضحة أن الشافعي غير كثيرا من اجتهاداته لما انتقل من العراق إلى مصر؛ حتى صار له مذهبان يعبرون عنهما بالجديد والقديم، ونجد كذلك مثلا في المذهب الحنفي خلافا بين صاحب المذهب أبي حنيفة النعمان، وبين صاحبيه شريكي التأسيس أبي يوسف ومحمد، ثم يعبر الفقهاء عن بعض هذا الخلاف فيقولون هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان.
لكن على الجانب الآخر هناك الكثير من الاجتهادات لم يتدخل فيها أبدا عرف معين، بل هي وليدة التأمل والاجتهاد في النصوص وحدها طبقا لمناهج علمية محددة لها صفة التجريد عن الجزئيات التفصيلية، وهذه الاجتهادات داخلة في جميع أبواب الفقه حتى لا يزعم البعض أنها قاصرة على بعض الأحكام في العبادات التي يستوي في معرفتها الخاص والعام من الناس، فمثلا في أحكام الزواج لابد من صيغة الإيجاب والقبول ومن شهادة الشهود، ولابد أن لا تكون المرأة محرمة على الرجل كأخته وأمه وبنته وهكذا، فهل يستطيع أحد أن يزعم تجاوز هذا النوع من الأحكام لمجرد أنه من التراث القديم!!، وفي البيوع مثلا نجد أنه لابد أن يكون المبيع معلوما للمشتري، ولا يجوز أن يكون المبيع خمرا أو خنزيرا إذا كان العاقد مسلما، فهذه أحكام ثابتة لا تتغير؛ لأنها لم تبن على أعراف خاصة بأزمنة، بل بنيت على نصوص من القرآن أو السنة النبوية، نعم قد تختلف وسائل العلم بالمبيع في عصرنا الذي عرف طرقا لتقييم جودة المبيع وتحليل مواصفاته ومدى مطابقتها للأوصاف القياسية، لكن لم يسقط أبدا اشتراط العلم بالمبيع حتى تصح عملية البيع نفسها.
ونخلص من هذا أنه ليس كل التراث بني على الزمان الذي وجد فيه هذا الفقيه أو ذاك، بل منها ما بني على وحي السماء الذي لا يأتيه الباطل أبدا، فلابد أن يوضع ذلك في الحسبان، ويوضع كل في منزلته.
على أن بعضا من هذا الذي استند على النص وحده دون العرف قد دخل فيه العنصر البشري فهما؛ فيبقى الباب مفتوحا لأن يجتهد في فهمه والاستنباط منه مجتهدون آخرون طالما التزموا المنهج العلمي في التعامل مع النصوص وتجردوا لإدراك الحقيقة، لا للتملص من أحكام الوحي واتخاذ الهوى إلهاً.
ثم من ناحية ثانية نقول إن التراث الفقهي فيه مئات الألوف من المسائل، واستجدت في عصرنا عشرات الألوف أخرى، ففي سبيل الاهتداء بوحي السماء هل لدينا الوقت الكافي والطاقة لنبدأ من نقطة الصفر ونعيد النظر في كل التراث؟ أم ينبغي علينا أن نشكل العقلية الفقهية الناقدة الواعية لتنطلق في ضبط إيقاع الحياة بالأحكام الشرعية مستصحبة هذا التراث الفقهي الكبير فتأخذ منه وتدع بمنهج ووعي، وطبقا لسلم أولويات حاجات المعاصرة تريد الاندماج في هداية الوحي، لا طبقا لأجندات تفرض من هنا أو هناك.
إن طبيعة العلوم التراكم المعرفي، ولا يُبدأ أبدا في علم مع تجاوز جهود السابقين، لا سيما إذا كانوا على قدر من التميز والخبرة، والفقه علم بل هو أولى بوصف العلم من كثير مما يطلق عليه علوم، ذلك أن تعريفه وموضوعه ومسائله واضحة، ومناهجه مضبوطة معروفة، ساهمت فيها عقول كبيرة وضبطتها ونقحتها وصارت تتيه على الدنيا قائلة: ائتوني بمثله إن كنتم صادقين.
وليس معنى ما وجهناه من نقد، رآه البعض لاذعا في المقالات الأربعة السابقة، أننا نهون من شأن هؤلاء الفقهاء، بل إنني أقول إن التتلمذ على كتب هؤلاء والوعي بتراثهم والتزام المنهجية العلمية التي برعوا فيها هو خير ما يوجد هذه العقلية الناقدة.
على أنه لا ينبغي أن يقتصر النقد على تراثهم، بل يتجاوز ذلك إلى نقد الانتقادات الواردة عليهم إن أردنا البحث الحر وإعلاء قيمة العقل والاجتهاد.
بقي أن نذكر أن الهدف الكلي من هذه السلسلة من المقالات هو أن نصل إلى طريق وسط لا يقدس التراث تقديسا يعطل تفعيل الوحي في واقعنا المعاصر، ولا يعتبره كلا شئ، بل يحسن فهمه ثم نقده ثم الانطلاق في اجتهاد جديد.
والله الموفِق والمستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.