فى الحقيقة واعتقد أننى بالحق أتكلم وأقول إن ثورتنا الشعبية السلمية اللاعنفية أسقطت ورقة التوت التى تستر عورات نفوسنا وأطلقت مكنونات نفوسنا المكبوتة على مدار عقود طويلة وانطلقت إفرازات نفوسنا السيئة دفعة واحدة كالانفجار الذى دائما مايحدث فى التوقيت الخاطئ. الثورة كسرت القيود وأفرزت أسوا مافينا مبكرا جدا، فبمجرد تنحى الرئيس المخلوع انصرفنا من الميادين وتركنا الأمانة طوعا لقواتنا المساحة الباسلة والشريفة لإعادة بناء المؤسسات على مبادئ الحرية والديمقراطية الحقيقية ثم تأتى المؤسسات المنتخبة والتى تمثل الإرادة الشعبية لاستكمال أهداف الثورة. من هذه اللحظة بدأ الصراع على السلطة بطريقة محمومة فى مسرحية هزلية ابطالها القوى السياسية والقوى الإعلامية والنخب الثقافية، سواء محسوبين على النظام المخلوع أو النظام الجديد وطبعا جزء من القوى الثورية الشبابية. بدأ الصراع على السلطة، ولا أستطيع أن أسميه تنافسا مبكرا جدا قبل تحقيق أهداف ثورة الشعب المجيدة. كان ينبغى على الجميع التوافق ولو على الحد الأدنى للوصول إلى مرحلة الاستقرار والخروج من عنق الزجاجة. بالعكس بدأ الجميع يضغط ويضغط للحصول على أكبر قدر من كعكة انتصار الثورة. بدأ الصراع على السلطة بجميع الوسائل المشروعة وغير مشروعة بجميع الوسائل القانونية وغير القانونية من الجميع وبلا استثناء. أسوأ هذه الوسائل وهى العنف والتشكيك فى كل شىء حتى ولو كان من الخطوط الحمراء ومحاولات الإقصاء والتهميش. شككنا فى مؤسستنا العسكرية رغم تاريخها الوطنى المشرف وطالبنا بمجلس رئاسى معين دون أخذ رأى الشعب واختلفنا حول الدستور أولا أم الانتخابات أولا وطالبنا بسقوط حكم العسكر. وشككنا فى حكومة الدكتور عصام شرف مع إن رئيس وزرائها من الميدان وسميناها حكومة الثورة ثم أسقطناها. بدأ التشكيك فى الوطنية والجميع تكلم عن المؤامرات والتمويل الأجنبى والعمل لصالح دول أجنبية وعربية. شككنا فى البرلمان المنتخب واختلفنا هل هو برلمان الثورة أم لا ومنا من طعن فى شرعيته وشككنا فى قرار حله من المحكمة الدستورية، وفى النهاية خسرنا برلمان خرج أكثر من ثلاثين مليون مصرى لاختيار من يمثلهم. من اللحظة الأولى شككنا فى شرعية أول رئيس منتخب بسبب هويته الإخوانية وانحيازه للمشروع الإسلامى وتعاملنا مع الإخوان بإجحاف وكأنهم أصحاب جنسية أخرى وليسوا فصيلا مصريا، واتهمنا باقى الأحزاب الإسلامية بالإرهاب، وشككنا فى انتماء القوى الليبرالية واليسارية أصحاب مشروع الدولة المدنية وكدنا نرميهم بالكفر. بدأنا نطالب بانتخابات رئاسبة مبكرة وشككنا فى الجمعية التاسيسية والدستور الجديد الذى تم استفتاء الشعب عليه ووصلنا إلى مرحلة اليأس وطالبنا الجيش بالتدخل والانقلاب وكأنه شخشيخة نلعو بها، شككنا فى كفاءة أى حكومة حكمت مصر بعد الثورة وشككنا فى أى وزير للداخلية ونادينا بعزلهم وإسقاطهم. تشكيك يتلوه التشكيك تلو التشكيك حتى الأحكام القضائية لم تسلم من التشكيك ولم تنال الاحترام الواجب منا جميعا. كل هذه السيئات والعورات والسقطات ارتبطت بأعمال عنف وأعمال إجرامية فسالت الدماء وازداد عدد المصابين والضحايا ووصلنا إلى حافة الهاوية فى مجالات الأمن والاقتصاد والسلم الأهلى فى نفس الوقت الذى يرزح فيه أغلبية الشعب تحت وطأة الفقر والجهل والمرض. هنا السؤال المهم ماذا بعد إسقاط الداخلية وقطع الطرق وتعطيل العمل ووقف الإنتاج وظهور الفلول فى ميدان الثورة واختلاط الحابل بالنابل، وإسقاط هيبة الدولة أو النيل منها والوصول إلى الدولة الفاشلة؟ من على هذا المنبر الحر أريد أن أقول إن مصرنا الحبيبة تمر بأزمة اقتصادية كبيرة وأزمة سياسية طاحنة ماكان لها أن تكون الآن، مصرنا الحبيبة الآن فى مرحلة الدولة الرخوة كل شىء فيها هش وضعيف إلا أبنائها الشرفاء الأقوياء. مصر فى مفترق طرق إما أن يأخذها العقلاء إلى الدولة القوية أو يأخذها الفاشلون بالعنف والتشكيك إلى الدولة الفاشلة. الدولة الفاشلة هى الدولة التى لا تستطيع أن توفر الحد الأدنى من الآمن لمواطنيها، الدولة التى تفلس ولاتستطيع أن تفى بالتزاماتها المالية للمواطنين والدائنين. الدولة الفاشلة تعنى حرب أهلية وثورة جياع لا قدر الله لا تبقى ولا تذر لتقضى على الأخضر واليابس وعندها نكون هدمناها بأيدينا وينطبق علينا المثل الذى يقول جنت على نفسها براكش. اللهم احفظ نصر بلادى الغالية من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.