منذ فجر التاريخ واشتهرت مصر بالعلم والعلماء فمصر الأزهر هى التى تُصدر كله العلم الوسطى، وهى التى تنشر بواسطة علمائها نور العلم، وهذا من فضل الله على مصر وتعالوا بنا نقسم اللقاء إلى عناصر ثلاثة: أولها: فضل العلم والعلماء. العنصر الثانى سؤال أهل الذكر وتولى المناصب لأهل الكفاءة لا للثقات وفقط. العنصر الثالث: الاحترام هو طريق العلم بل هو الأهم من العلم. أولاً: فضل العلم والعلماء العلماء هم السادة، وهم القادة الإخلاء وهم منارات الأرض، العلماء ورثة الأنبياء، وهم خيار الناس المراد بهم خيراً قال تعالى [ إنما يخشى الله من عباده العلماء] عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إنما العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر. وعن أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه أنه مرّ بأناس يتشاغلون بالتجارة فقال: "أنتم هنا، وميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُقسم فى المساجد؟!" ذهبوا فوجدوا حلق العلم وحلق الذكر. فالعلم شرف لا قدر له، ولا يجهل قدر العلم وفضله إلا الجاهلون. قال عبد الملك بن مروان لبنيه: "يا بَنِى! تعلموا العلم، فإن كنتم سادة فُقتم، وإن كنتم وسطاً سدتم، وإن كنتم سوقة عشتم". فمن لم يذق مر التعلم ساعة تجرع ذل الجهل طول حياته، ومن فاته التعليم حال شبابه فكبر عليه أربعاً لوفاته بالعلم تُبنى الأمجاد، وتشيد الحضارات، وتسود الشعوب، وتبنى الممالك، بل لا يستطيع المسلم أن يحقق العبودية الخالصة لله تعالى على وفق شرعه، فضلاً عن أن يبنى نفسه، كما أراد الله سبحانه، أو يقدم لمجتمعه خيراً، أو لأمته عزاً ومجداً ونصراً إلا بالعلم، وما فشا الجهل فى أمة من الأمم إلا قَوَّض أركانها، وصدَّع بنيانها، وأوقعها فى الرذائل والمتاهات المهلكة. والعلماء هم شموع الأمة فهم الذين يستضاء بهم من ظلمات الجهل، كما ينجلى ظلام الليل بالسراج المنير، فمن اقتدى بهم اهتدى بنورهم. إن الأكابر يحكمون على الورى وعلى الأكابر تحكم العلماء. والعالم هو من يذكرك فى الله مظهره، ويعلقك بالله مخبره، وتجعلك مع الله أقواله. قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: (ليس العلم بكثرة الحديث ولكن العلم الخشية)، فليس العالم إخوتى من لبس لباس المشيخة، وتجلبب بجلباب العلم، وتشدق بفصيح الكلام، وجاء بغريب الألفاظ، بل إنه الذى إذا رأيته ذكرت الله، إنه الذى إذا سمعت صوته حسبته يخشى الله، هذا هو العالم، العالم يسير فى دعوته على مثل ما سار عليه الأنبياء، يعلق قلوب الناس بالله، ويعرفهم، ويعلق أفئدتهم به، ويخوفهم من عقابه، ويحثهم على طاعته، ويحرص على هدايتهم، ويبعدهم عن عصيان الله وعقابه وسخطه، فإن وجدت هذا العالم فألزمه ولا تفارقه. فإن لم تجده فاعتن بصلاح نفسك، واختر لك صديقاً صالحاً مخلصاً فى الله تنصحه وينصحك فإن وجدته فالزمه. ولا تغتر بمن ذاع صيته وساء اعتقاده وعمله. العنصر الثانى: سؤال أهل الذكر وتولى المناصب لأهل الكفاءة لا للثقات وفقط فمما أثر فى اهتزاز وخلخلة البناء هو تحدث من لا يعلم فى مالا يعلم وتعرض الكثيرين للفتيا فى دين الله والعلوم الشرعية بغير علم، ولا سند، ولا فهم للنص ولذا ترى القرآن الكريم يدعو الناس إلى مجالسة أهل الفهم وأهل العلم، ويحث الناس على الإيمان بالتخصص قال تعالى: [ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون]، فلا سبيل لإمام أو داعية حينما يُسأل عن مرض أو أوجاع والعكس ولذا فإننى أوجه الرسالة إلى القادة والحكام أن يحرصوا فى اختيارهم على من يفقهون فى ما يختارونهم فيه حتى ينفعوا البلد والعباد ويساعدوا فى البناء وعلى هذا أعرج على الحدث التاريخى العظيم الذى مرت به مصر من تغيير للدماء فى دار الإفتاء المصرية، وهذا المشهد الرائع الذى رأيناه فى الأيام القليلة الماضية مما يؤمن مصر ويطمئن قلبوا المصريين على سلامة المؤسسات الدينية والزهرية أسأل الله جل وعلا أن يجعلها مؤسسات نورانية على مر العصور والأزمان. يا طالبَ العلمِ ماذا تفعل الآن؟! *** أَما عَلِمْتَ بِأنَّ الجدَّ قَد حانا؟! لا تنتظِرْ لحظةً واركُضْ لأزهرنا *** مَنْ فاقَ أَقْرَانهُ فِقْهاً وإحسانا. فَهْو الرئيسُ وباقى القومِ متبعٌ *** ومنْ يَرَى غَيرَ هَذا حِقْدُه بانا. ولا تَشُكّنّ أنّ الدينَ منهزمٌ *** مَا دَام أزْهَرِنا حَياً بِدُنْيَانا. فإنهُ مٌقتَفٍ هَدى النَّبِى وَمنْ *** يَسْتَهدِ بالمُصطفى فالصَّعبُ قَدْ هانا. فاللهَ ندْعُوا بإخلاصٍ وإجلال. *** أنْ يُذهِبَ الغلَّ أحقاداً وأضغانا يا خالقَ الكونِ يا ستارُ طهِّرنا *** وَامْنَح بواطِنَنَا حباً وإيمانا ثُمَّ الصلاةُ عَلَى مَنْ أَخْجَلَ القمرا *** الحَاضِنَ الجِذْعِ إشفاقاً وتحنانا عن أبى ذر قال قلت يا رسول الله ألا تستعملنى قال فضرب بيده على منكبى ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها ومعنى الضعف الوارد فى الحديث هو العجز عن القيام بوظائف الولاية. قال النووى رحمه الله: هذا الحديث أصل عظيم فى اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية وأخيراً : الاحترام هو الطريق الموصل للعلم ولذا قال أصحاب الأمثلة الشعبية إن الأدب فُضل على العلم فليحترم كل منا الآخر فإن الأكابر من علماء الأمة وإن اختلفت أفكارهم وطريقة فهمهم للنص فإنهم لم يستنقصوا بعضهم وإنما كانوا أشد الناس حبا واحتراما لبعضهم ولذا فإن على طالب العلم أن يتأدب مع العلماء وليتعلموا من التاريخ ومواقف من كانوا فيه علماء بحق دخل زيد بن ثابت على جنازة فقربوا إليه دابة ليركبها فجاء عبد الله بن عباس فأخذ بزمام الدابة فقال زيد بن ثابت له خل عن الدابة يا بن عم رسول الله فقال عبد الله بن عباس هكذا أمرنا أن نفعل مع العلماء فقبل زيد بن حارثة يده وقال هكذا أمرنا أن نفعل مع آل بيت نبينا صلى قال تعالى (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم ) فمن اتقى الله وتأدب بآداب الإسلام وتخلق بأخلاقه رزقه الله العلم. قال سفيان الثورى: كان الرجل إذا أراد أن يكتب الحديث تأدب وتعبد قبل ذلك بعشرين سنة. قد كان طلب الأدب مقدمًا عندهم على طلب العلم. هذا مالك الإمام يقول لفتىً من قريش: "يا ابن أخى تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم" ويروى عن الإمام أحمد أنه قال : ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعى، وقال ابنه : يا أبتِ أى رجلٍ كان الشافعى حتى تدعو له كل هذا الدعاء ؟ قال : يا بنى كان الشافعى كالشمس للدنيا والعافية للناس، فانظر يا بنى هل من هذين خلف؟ هكذا كان العلماء الصالحون كالشمس للدنيا والعافية للناس وليس منهما خلف... فإن الله يدفع بهم البلاء ويُنزل الرخاء، وتعمّ البركة وتُنشر الرحمة. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا ربنا.