تبرز على الساحة السياسية المصرية علامات استفهام عديدة تحيط بالمواطن المصرى فى حياته اليومية، عما ستسير عليه مصر فى المرحلة المقبلة، ففى ظل المشاحنات والتوتر المنتشر على ساحة من فى السلطة والمعارضة، وفى ظل الوضع الاقتصادى السيئ الذى تمر به مصر، وفى ظل ما تشهده البلاد من موجة عنف مشحونة بقدر هائل من التربص يدعو إلى التوقف كثيراً خاصة بعد تنامى الأحداث ووصولها إلى النقطة الحرجة على خلفية الدماء التى سالت فى القاهرة والسويس وبورسعيد والعديد من المحافظات، يبرز السؤال حول ما سيؤل عليه مستقبل هذه الدولة المهددة الأركان ! فلقد ضربت ثورة 25 يناير المثل فى السلمية ما بين ثورات الربيع العربى جميعها وأبهرت العالم بذلك، ولم يظهر العنف أو المواجهات سوى التى حدثت من النظام ضد المتظاهرين ولم يحدث العكس، لكن ما يجرى الآن على الساحة لا يمكن إغفاله أو تجاوزه بأى صورة، فمصر تعيش هذه الأيام أزهى عصور الفوضى فبالإضافة إلى الانفلات الأمنى الذى تشهده مصر هناك الانفلات المجتمعى والأخلاقى فى كل المجالات، فلقد جرت أكبر عمليات تهريب للأسلحة من الحدود الغربية وخاصة من ليبيا داخل مصر ولم يعلم أحد مصيرها، وصار السلاح فى متناول من يريد حمله، وعلى أثر ذلك كثرت أعمال السرقة والبلطجة على رجال الأعمال وأصحاب الأموال، وكل ذلك يؤثر بالسلب على عمليات الاستثمار داخل البلاد فالوضع الأمنى حرج للغاية، وانتشرت جرائم الاغتصاب والتحرش بالنساء سواء فى المظاهرات أو فى التجمعات وفى وضح النهار، هذا بالإضافة إلى حالات الوفاة المتزايدة بين المواطنين سواء بسبب الإهمال أو المظاهرات أو الحوادث، فظهرت الفوضى فى أبهى أشكالها فى مصر، وكأننا فى بلد انعدم فيه الأمن والقانون والعقاب لمن يحدث أعمال التخريب وترويع المواطنين الآمنين. من هنا،، لابد أن نفرق بين الحرية المسئولة والفوضى داخل أى مجتمع فالفارق كبير، خاصةً فى مجتمع يعانى من الفقر والجهل والمرض مثل مصر، فهل يعقل مثلاً أن نصل لمرحلة من مراحل انعدام دولة القانون وغياب هيبة الدولة حتى تستطيع بعض فئات المجتمع تعطيل مصالح الشعب للحصول على مكاسب شخصية، فهل من المعقول ما يحدث الآن من فوضى ستؤدى بالجميع لمصير الدولة الفاشلة المنهارة من جميع المؤسسات؟! ففى ظل هذه الأجواء الملبدة بالغيوم والضباب، تظهر حركات وتنظيمات جديدة تتوعد بالبدء بعمليات تخريب واغتيالات وإثارة الفوضى وخلافه وهذا لا يعبر عن الثورة وليس فيه من الثورية شىء، لكن فقط له معنى واحد وهو إسقاط الدولة والقضاء على المؤسسات الراسخة التى تعبر عن ذلك الكيان مما يدفع إلى خلق مجتمع فوضوى، والحقيقة أن هذه الحركات والتنظيمات ليست المسئول الوحيد عما وصل له المجتمع، ولكن يوجد العديد من الأطراف فى مصر مسئولة بشكل كبير عما يحدث وأهمها الإعلام الذى يخشى عرض الحقيقية كاملة، والمعارضة التى فى ظاهرها الرحمة وفى باطنها الدم، وشركاء آخرون مثل الأحزاب والسياسيين والنخبة التى أحياناً تنافق بعض الفئات بحثاً عن شعبية ولا ترى الصورة الحقيقية للأزمة الراهنة. فكيف يعقل ما يحدث الآن على الساحة المصرية بعد ثورة عريقة ومجيدة ضربت بجذورها فى أعماق بحار السلمية، فحتى إذا كانت الثورات فعلاً ضد القانون لإسقاط النظم فهى تسعى بالأساس للنهوض بالدولة اقتصادياً واجتماعياً على مستوى الحريات الفردية والعامة وهذه هى الأسباب الحقيقية لثورات الشعوب والتى تختلف كثيرا عن فكرة الانقلابات. فعندما قرر الشعب المصرى أن يسلك الطريق الثورى كان الهدف النهوض الاجتماعى والاقتصادى والسياسى وليس لهدف تخريبى فى أركان البلاد! ولا نبرئ أى فصيل فيما يحدث داخل البلاد لكن السبب الأول فى إشعال نيران الفتنة داخل الدولة هو كم الدماء التى أريقت فى الآونة الأخيرة فالحديث عنها لاينفصل بأى حال من الأحوال عن اللعبة السياسية الجارية، وما يعتلى المشهد العام من مهاترات ومحاولات للانفراد من جانب الإخوان بكل أدوات السلطة وفى المقابل ضجيج وإثارة من قوى المعارضة، وما بين هذا وذاك اختطلت الأوراق وتاهت أمور كثيرة فى مقدمتها استقرار الدولة وجذب الاستثمارات والقضاء على ظاهرة الانفلات الأمنى. لكن المثير للدهشة فى كل ما يجرى على الساحة السياسية أن التيارات الموالية للرئيس محمد مرسى وعلى رأسها جماعة الإخوان تدافع على طول الخط وتجدد المبررات لكل شىء دون إبداء وجهة نظر من شأنها لم الشمل، وفى المقابل تقف المعارضة فى اتجاه المعارضة لكل شىء دون تقديم أية حلول مغرية لنظام الحكم أو الرأى العام فقط تتجه صوب تعبئة الشارع للرأى، وما بين هذا وذاك تتعرض الدولة للانهيار والخراب الاقتصادى وتنامى ظاهرة العنف، ومع ذلك فإن الرئيس محمد مرسى وحكومة هشام قنديل يتحملون وحدهم مسئولية تداعيات الانزلاق إلى الهاوية لعدم وجود رؤية واضحة للقضايا التى تمس المواطن العادى الذى يبحث عن فرصة عمل ولقمة عيش كريمة إلى جانب إتاحة الفرصة للنقد وعلى جماعة الإخوان أن تدرك أنها فى قمة السلطة وليست المعارضة، فما يحدث فى البلاد فى تلك اللحظات كاف لأن يعيد كل طرف حساباته والابتعاد عن إدخال أحكام القضاء فى لعبة السياسة حتى نستطيع جميعا وأد الفتنة والعنف ومنع تدفق الدماء المصرية على الأرض بأيدينا.