لم يمر عامان على "ثورة الياسمين" التى اندلعت للاحتجاج على ممارسات أجهزة الشرطة التى وصفت بالقمعية بحق التونسيين، حتى انتشرت رائحة الغاز المسيل للدموع وعلا صوت الرصاص "الميرى" فى شوارع تونس، حيث أطلقت الشرطة، أمس الجمعة، قنابل الغاز وأعيرة نارية تحذيرية؛ لتفريق مشيعى جنازة المعارض اليسارى البارز شكرى بلعيد، الذى اغتيل الأربعاء الماضى برصاصتين عقب فتوى أطلقها شيخ سلفى فى "جرجيس" بإهدار دمه ودم المعارض أحمد نجيب الشابى. وشيع مئات الآلاف من التونسيين، أمس الجمعة، جثمان "بلعيد" فى أكبر جنازة تشهدها تونس منذ وفاة الحبيب بورقيبة زعيم الاستقلال وأول رئيس للبلاد عام 2000، إلا أن الشرطة طاردت المشيعين حتى المقابر، بعدما تحولت الجنازة إلى مظاهرة حاشدة ضد حكومة حركة النهضة الإسلامية، وردد المشيعين هتافات تطالب بإسقاط النظام الذى اتهموه بالوقوف وراء اغتيال المعارض العلمانى. واتهمت أسرة بلعيد حزب "النهضة" الحاكم بالوقوف وراء مقتله، قائلة إن الحزب يغض الطرف عن تصاعد الهجمات التى تشنها ميليشيات موالية للحكومة على منتقديها العلمانيين، الأمر الذى نفاه راشد الغنوشى رئيس حركة النهضة الإسلامية الحاكمة فى تونس، محذرا من جر تونس إلى "حمام دم". واللافت أن الحركة التى دعا رئيسها الأربعاء الماضى لتجنب "حمام دم" فى تونس، واجهت الهتافات ضدها أمس الجمعة والاحتجاجات على مقتل بلعيد بدعوة الإسلاميين إلى مظاهرة حاشدة اليوم للدفاع عن "شرعية الجمعية الوطنية التأسيسية"، التى يشكل فيها هذا الحزب غالبية، وسط حالة من الانقسام داخل الحركة بعد إعلان رئيس الوزراء حمادى الجبالى تشكيل حكومة "تكنوقراط" دون الرجوع للحركة على حد قولها. من جانبه، حذر أبو عياض التونسى، زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" السلفى الجهادى، حركة النهضة والحكومة من أن "التنازل والانبطاح" "للمعارضة العلمانية" فى هذه اللحظة الفارقة من تاريخ بلادنا، سيكون انتحارا سياسيا يرتد ضرره، لا عليها فحسب، بل على الإسلام كدين. وسبب اغتيال بلعيد صدمة فى تونس التى شهدت تحولا سياسيا سلميا منذ الانتفاضة الشعبية، وألهمت انتفاضات شعبية فى دول عربية أخرى، فيما عرف باسم ثورات الربيع العربى. وزادت "خيبة الأمل" من حدة التوترات بين الإسلاميين والمعارضة العلمانية، وذلك بسبب عدم حدوث أى تقدم على صعيد الإصلاحات الاجتماعية منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن على فى يناير 2011.