اليوم بلدى الحبيبة مصر تصرخ من الألم ومعظم المصريين وأنا منهم نشعر بالخجل لما وصل إليه حالنا، نعانى من جميع أنواع الانفلات، انفلات شبه عام، انفلات فى الانفلات نفسه. العالم كله فى حالة ذهول من ثورة سلمية لاعنفية تحولت إلى ثورة عنفية وأعمال إجرامية ترتكب تحت المظلة الثورية. العالم مندهش من دولة ارتضت بالديمقراطية كوسيلة شرعية لبناء المؤسسات السياسية يقابلها غباء سياسى ومراوغة لم يشهدها العالم من قبل أدخلتنا فى دوائر مفرغة الكل يلف ويدور وكلنا نعود إلى المربع الأول، ونتقدم خطوة ونتراجع خطوتين والعجلة تدور للخلف. انفلات سياسى وأخطاء سياسية فادحة أفسدت ثورتنا الشعبية حيث أغلبية تحكم بطريقة الإقصاء والاستحواذ، وأقلية تمارس أقصى أنواع الديكتاتورية والرفض لكل قرار أو أجراء يتخذه رئيس منتخب، بل ومقاومته واحيانا التشكيك فى شرعيته. نجح رئيس أمريكا واختفى منافسه تماما ونجح رئيس فرنسا واختفى منافسه تماما ونجح رئيس مصر، ولكن منافسيه الذين رفضهم الشعب يمارسون المعارضة والتعطيل والتحريض من داخل مصر وخارجها. انفلات ثورى ثوار بلا قيادة ثوار بلا هوية ثوار رفضوا الانخراط فى العمل السياسى والحزبى ثوار لا يحترمون أى قانون ولا يحترمون أى إرادة شعبية ولا يحترمون الصندوق، ثوار يقولون كلنا بلاك بلوك، ثوار يقفون وراء من يحرق ويعتدى على مؤسسات الدولة، ثوار يتسحبون من الميادين بسبب عنف المتظاهرين ثوار أدمنوا الاعتصام والتظاهر بدون هدف. سامحونى اختلط علينا الأمر، والكل يتساءل هل هذا ثائر بلطجى أم بلطجى ثائر. انفلات أمنى وبلطجة فى كل مكان ومولوتوف لا يلقى إلا على مؤسسات الدولة يقابله عنف المؤسسات الأمنية التى تحمى هذه المنشآت ومخربين يحملون الخرطوش والآلى والجرينوف وملثمين يدمرون ويقولون نحن إصلاحيون، قتلى وجرحى ودماء على مذابح الثورة ومشاهد لا تجلب للمصريين إلا الخزى والعار. انفلات أخلاقى حالات كثيرة من التحرش والاغتصاب تم رصدها فى الأيام الأخيرة، وأتمنى أن تكون أخبارا مغلوطة، لأنها تجعلنى أشعر بالخجل أمام أبنائى من هذا المستوى المتدنى والإسفاف الخلقى الذى يعانى منه ميدان التحرير أيقونة الثورة. انفلات اجتماعى وارتفاع نسبة الاكتئاب وزيادة الإحساس بالإحباط وارتفاع معدلات تعاطى الحبوب والمخدرات، وزيادة فى نسب العنوسة وزيادة ملحوظة فى نسب الطلاق بسبب الفقر والبطالة الذى ينهش عظام هذا الشعب المظلوم والذى مازال يعانى من الظلم. انفلات اقتصادى وارتفاع جنونى للأسعار وخاصة أسعار الغذاء ونقص شديد فى الخبز وزيادة أزمات السولار وطوابير السبارات وتدنى قيمة الجنيه المصرى، مما يعنى تدنى الأجور وانخفاض القوة الشرائية للطبقة المتوسطة وركود اقتصادى كل ذلك عكس الأمل الذى نعيشه وخاصة مع غياب العدالة الاجتماعية. انفلات قانونى ورفض لأحكام القضاء والتشكيك فى صحتها بل ومحاولات الاعتداء على السجون وأماكن حجز المجرمين لتهريبهم. وإقحام للقضاء فى السياسة والاعتداء على استقلاليته. انفلات إعلامى خطير شائعات يتم ترويجها بأساليب علمية وأخبار مكذوبة بنسبة فاقت أى مكان فى العالم ومذيعين يتصرفون كسياسيين وأصحاب رأى وكلام يتم ترويجه وتوجيهه حسب أيدولوجية الإعلامى وليس حسب أصول مهنته. كان الله فى عون المواطن المصرى البسيط، مواطن لا يرى ولا يسمع إلا أخبارا مشئومة، مواطن يرى التشاؤم يكبر ويتدحرج مثل كرة الثلج. الشعب المصرى لا يرى إلا ثورة يتم سرقتها، ثورة يتم اختطافها، ثورة يتم احتواؤها، ثورة يتم تخريبها، الشعب المصرى يتحسر ويتألم على بلده الغالى الذى يحرقه أبناؤه بأيديهم. فتن كقطع الليل المظلم لا نعرف من الجانى ومن المجنى عليه ولا نستطيع أن نحدد من يبنى ومن يخرب، واحترنا فى تسميته مرة طرف ثالث ومرة اللهو الخفى ومرة دولة المخلوع العميقة. أمامنا بصيص أمل واحد والوقت ينفذ والوقت ليس فى صالح مصر, نعم أمامنا أمل فى أن نعطى الأولوية لإنقاذ مصر أولا ثم إنقاذ الثورة ثانيا. ليس أمامنا إلا طريق واحد وهو الجلوس إلى مائدة حوار بدون شروط وبدون أى ضمانات. الجلوس إلى مائدة حوار بدون مراوغة حيث لا يوجد وقت للمراوغة. الآن الحوار ليس له هدف إلا إنقاذ مصر من الضياع ومنع سقوط الدولة والحفاظ على هيبة هذه الدولة. إنقاذ مصر يتمثل فى تمسك الجميع بالحوار ونبذ العتف ووقف اللجوء إلى الشارع لإدارة حوار شوارع وفضائيات. إنقاذ مصر فى التوافق على قانون للتنظيم حرية التعبير عن الرأى والتظاهر السلمى، إنقاذ مصر فى التوافق على الحفاظ على سلمية ثورتنا المجيدة، إنقاذ مصر فى التوافق على عقيدة أمنية جديدة لمواجهة التخريب والحرق والفساد والإفساد. إنقاذ مصر فى التوافق على آلية للعدالة الانتقالية والقصاص لشهداء ومصابى الثورة. إنقاذ مصر بالتوافق على قانون انتخابات واجراء الانتخابات البرلمانية فى اقرب فرصة ممكنة لان غياب البرلمان من الماسى التى تعطل اصدار تشريعات لمساندة اى حكومة. فشل الحكومة يتمثل فى غياب البرلمان. انقاذ مصر فى التوافق على اقرار ميثاق شرف سياسى يلتزم به الجميع ووضع الياء للحراك والعراك السياسى.انقاذ مصر بالتوافق على اقرار ميثاق شرف اعلامى يلتزم به الجميع ويعاقب كل من يخرج على هذا الميثاق. انقاذ مصر بالتوافق على اليات تؤدى بالجميع الى احترام حقوق الانسان والحفاظ على كرامته حتى لو كان مجرما. انقاذ مصر يتمثل فى التوافق على برنامج اقتصادى ينقذ الاقتصاد المتدهور ويطبق العدالة الاجتماعية بشكل فورى. إنقاذ مصر يكمن فى اعتذار الجميع للشعب المصرى الرئيس يعتذر والحكومة تعتذر وجميع الأحزاب تعتذر ووزير الداخلية يعتذر وجميع السياسيين والقوى السياسية عليهم الاعتذار وجميع القضاة يعتذرون، وجميع قيادات الجيش والمخابرات يعتذرون وكل القيادات الإعلامية عليها أن تعتذر، وجميع القيادات فى كل المجالات كلنا نطالب باعتذارهم على كل السياسات الخاطئة الكل مطالب بالاعتذار، لأن من لم يرتكب خطأ فهو شيطان أخرس ساكت على الأخطاء التى يرتكبها الآخرون فى حق الشعب. كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون، وكلنا أخطأنا بشكل أو بآخر ويجب علينا الاعتذار للشعب سيدنا جميعا فى أو جلسة للحوار. أقولها بصراحة الشعب المصرى مصدوم وكرامة أبنائه تنتهك بلا توقف ودولة القانون تسقط تحت أقدام الطغاة والفاسدين. الشعب المصرى مصدوم من كل هذه الحماقات سواء كانت حماقات من سياسيين أغلبية ومعارضة أو حماقات من الثوريين أو حماقات من مؤسسات الدولة السيادية أو الأمنية أو الحكومة. الشعب المصرى مصدوم لأن من يحكم هم فصيل ثورى ومن يعارض هم فصيل ثورى وكل من يخرب يقول عن نفسه فصيل ثورى، بمعنى أن كل الحماقات بكل أسف ترتكب باسم الثورة. بعد إنقاذ مصر تأتى مرحلة إنقاذ الثورة وهذا موضوع آخر، الآن الأولوية لمصر. عاشت مصر حرة أبية وكفانا نحن المصريين شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن.