أندرو جاكسون هو أول رؤساء الجمهورية الأمريكيين الذين خاضوا معارك التوسع الأساسية ضد السكان الأصليين. اعتلى كرسى الرئاسة الأمريكية بعد أن امتدت من تحته توابيت مثقلةٌ بجثث الهنود "السيمينول" المحترقة، إثر العدوان الذى خاضه جاكسون ضدهم، مما دفع الأسبان مرغمين إلى بيع منطقة الجنوب الشرقى من الولاياتالمتحدة الآن، بعد الاحتفال الأمريكى بمشهد الدماء والحريق! لم يجد هذا الوحشى المغامر على أشلاء الهنود إلا الإكبار والإجلال فى كتاب التاريخ المدرسى الأمريكى، وهى تضع هذه الحقبة المشتعلة بالنار والدم تحت عنوان (شراء فلوريدا 1819م) كأنما كان الشراء بالرضا والمسامحة والخلق الإنسانى النبيل! هذا المشهد الأمريكى العتيق يذكرنى بالمشهد السياسى الحالى الذى تطمس فيه الحقائق وتزور فيه الأحداث على يد كهنة (الإنصاف الأعور!) هذا الإنصاف الذى لا يغضب للقتيل، ولا يثور للكرامة ولا يصرخ بالتنديد إلا إذا كان كل هذا فى "حقيبة" مصالحه. فأنت ترى الاحتفال العارم والاحتشاد الكبير خلف مشهد السحل الإجرامى، والسكوت الموحش عن كثير من صور الإجرام الأخرى كالاغتصاب والإحراق والقتل وقطع الطرق وهدم الإنسان والعمران معا! ما سر هذا الأمر كله؟ سر الأمر فى أن كثيرا من حملة المبادئ إنما يحملون "مبادئ معلبة" سرعان ما تنتهى صلاحيتها إذا كانت الإدانة ضدهم، أو لا تخدم نهجهم السياسى الذى يرفع شعار الحقوق والحريات والديمقراطية العادلة! وهى ديمقراطية من نوع جديد تؤسس لغلبة الأقلية واستبداد الشارع ونسف المؤسسات، والتأسيس لحوار (إملاء الشروط)! وهذا التلون لم يكن إلا ثمرة "متلازمة التناقض" التى تنكر العنف وتمارسه، وتشجب القتل وتمد من حوله غطاءً سياسيًّا، وتُبطل معنى المعارضة التى تقف على سواء الصراط، فترفض الجريمة من القريب والبعيد والصديق والخصم، وتمارس الخصومة الشريفة التى لا تتخذ من المعارضة متكئا لتصفية الخصوم والتنكيل السياسى والإعلامى بهم! ولقد كان مثيرا للشفقة المريرة أن كثيرًا من المنادين الآن بالإسراع فى انتخابات رئاسية مبكرة، هم أنفسهم الذين كانوا ينادون باستبقاء مبارك بطغيانه فى الحكم ستة أشهر، رغم احتشاد الملايين العارمة فى ميادين مصر بأطيافها كلها، وكأنهم يمارسون تهميش الشعب المصرى فى الحالتين! ولقد زاد المشهدَ ألمًا أن يتسلل نفس غريب إلى بعض الأقربين حتى ألحق خطواته بدرب العصمة، فهو دائما مسدد موفق، حتى إذا انتصب له ناقدٌ صار حاقدا، وإذا ذُكّر بأصل النشأة وقواعد السلوك انقلب عصبيا حادًا شديد القسوة، منقطعا فى سيره عن إخوانه ومن يحبه، لا يبالى أين يضع قدمه أو لمن يمد يده! فإيران التى تستبيح دماء العراقيين وتقيم المذابح فى العراق= دولة معادية لا تفارق عندى الكيان الصهيونى فى سياساتها الاستعمارية الحاقدة على الجنس العربى، وليس لأن الذى استقبل نجاد هو الدكتور محمد مرسى، فأنا مغمض العينين، وليس لأن بعضنا جالس من يحمى القتلة وحاملى المولوتوف، أسكت عينى عن النظر، وقلمى عن المعارضة! فالميزان إذا كان مقسطا كان مستقيما، لا يحابى، ولا يداهن؛ لأن المجتمعات لا تبنى إلا بالحق، ولم يكن احتضان الباطل يوما، أو الإغضاء عنه، أو التوافق معه=أحد أركان الحق!