يعرض كتاب «شهود وشهادات على الحركة الإسلامية: تاريخ الحركة الطلابية فى السبعينات» الصادر حديثاً عن مكتبة الإسكندرية (تحرير سامح عيد)، لأهمية الشهادات الشفهية فى التأريخ للأحداث. ويتضمن الكتاب شهادات قيادات الحركة الإسلامية فى مصر فى سبعينات القرن العشرين عن تاريخ الحركة الطلابية فى الجامعات المصرية وكيف انطلقت منها للمشاركة فى العمل السياسي، متضمنة تفاصيل انتقال السيطرة من التيار الليبرالى إلى التيار الإسلامي، من خلال الاستحواذ على الاتحادات الطلابية، وبخاصة فى جامعتى القاهرةوالمنيا، لتعيد رسم الخريطة السياسية فى تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر. لم تقتصر شهادات قادة الحركة الإسلامية فى الكتاب على فترة العمل الطلابى ودورهم فيه، بل قدمت أيضاً لنشأة هذه القيادات وما لها من أثر كبير فى التوجه الدينى. أولى الشهادات هى لأبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، ويتحدث فيها عن الفرق بين الحركة الإسلامية الحديثة والنشأة الأولى على يد الإمام حسن البنا، وما كان لذلك من أثر على الجوانب التنظيمية فى هذه الحركة. ويؤكد ماضى أن الحركة الطلابية فى السبعينات بدأت ماركسية، ثم قومية، وانتهت إسلامية. وينفى أن تكون الحركة الإسلامية صنيعة الرئيس أنور السادات، بل هى نشأت فى المساحات الكبيرة من الحرية التى تركها لها. ويرى أن هذه النشأة كانت تحت مسمى «الجماعة الدينية»، ثم تحولت إلى «الجماعة الإسلامية» لتحديد أنها إسلامية فقط. ويذكر أن نشاط هذه الجماعة داخل الجامعة وخارجها، بخاصة فى المعسكرات الصيفية، كان له أكبر الأثر فى انضمام كثر إليها، وفى تكوين شبكة من العلاقات التنظيمية بين المجموعات الإسلامية فى جامعات القاهرةوالإسكندرية والصعيد، استطاعت من خلالها الاستحواذ على اتحاد طلاب مصر. ويذكر أبو العلا ماضى أيضاً فى شهادته الصراع بين قيادات الحركة الإسلامية فى هذه الفترة وأدى إلى الانقسام إلى تيارين: تيار اتجه إلى الانضواء تحت الإخوان، فيما اختار آخرون وأغلبهم من المنيا تأسيس التيار الجهادى الذى استأثر بمسمى الجماعة الإسلامية، لتلتهب حلبة الصراع مع السلطة الحاكمة الذى وصل إلى ذروته أواخر السبعينات وانتهى بحل اتحاد طلاب مصر واعتقال أعضائه. وترتب على ذلك، كما يرى ماضي، تحول «الجماعة الإسلامية» إلى حركة شعبية معارضة خرجت من الجامعة إلى المجتمع، وشاركت فى قتل السادات. الشهادة الثانية للمحامى منتصر الزيات الذى يتحدث عن البداية الناصرية وأثر هزيمة 1967 فى تمزق هوية الشعب بين الشيوعية والاتجاه إلى التدين، وينتقل إلى بدايته الفكرية والالتصاق برموز الحركة الشيوعية فى أسوان، حتى عصف السادات بهم وأفسح فى المجال أمام الجماعة الإسلامية فى الجامعة، ويذكر ما لأحاديث أخيه وحضور المعسكرات الصيفية من أثر فى توجهه الدينى بعد ذلك. ثم يعرض للانقسام فى الجماعة الإسلامية، بين شمال مصر وجنوبها، وكيف غلف التوجه الجهادى الجماعة الإسلامية فى الصعيد، وتأثرها الشديد بالقطبية والخمينية الصاعدة التى وجدت فى إطاحة نظام الشاه عنواناً لطرحها المسلح، وما انتهت إليه بقتل السادات. ويختتم شهادته بقوله: «أنا مرجعيتى الإسلامية لا أتبرأ منها، ومشروعى الإسلامى أنا متمسك به وأطوره، مواقفى من حيث الوسائل والآليات والنظر إلى الآخرين هى التى تتطور». ... يبدأ المحامى مختار نوح شهادته بإبداء إعجابه بالفكر الاشتراكى من حيث دفاعه عن الحرية وحقوق الإنسان. ويتحدث عن حبه للقراءة وتأثيرها عليه فى ظل التحولات الفكرية التى انتهت به إلى للتيار الإسلامي. وعلى رغم أن نوح استقر فكرياً أواخر السبعينات منتمياً إلى الإسلاميين بتأثير من عمر التلمسانى الذى أخذ مساحة كبيرة فى شهادة نوح، فإنه يعتز بتتلمذه الحقوقى على يد نبيل الهلالي، رمز الشيوعيين وصاحب الباع الطويلة فى الدفاع عن حقوق الإنسان، ما كان له أكبر الأثر فى حبه للموسيقى ولتجربة الثنائى أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى. وتظل القضية الأولى بالنسبة إلى مختار نوح دفاعه فيها عن معتقلى الحركات الإسلامية. ولم ينس فى شهادته انتقاد الحركة الإسلامية، إذ يرى أنها ينبغى أن تطور نفسها وتبتعد عن الاستحواذ. ويعدد عصام العريان، نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة»، روافد التأثير التى دفعت «الجماعة الدينية» ثم «الجماعة الإسلامية» نحو العمل الدعوى والسياسى تحت راية «الإخوان المسلمين»، وهى الكتابات الإخوانية وعلى رأسها أعمال سيد قطب ومحمد قطب، وكذلك حسن البنا، ومحمد الغزالى وسيد سابق، واللقاءات الفردية مع قيادات الجماعة المعتقلين ذوى الحاجة العلاجية، إذ كان يلتقيهم بصفته طبيباً متدرباً. ويعرض مسار الحركة الطلابية وسيطرتها على اتحاد طلاب مصر والخدمات التى كانت تقدمها حتى اختير كأول أمير للجماعة الإسلامية فى القاهرة. ويوضح أن السبب الرئيسى لانضمامه إلى الإخوان كان إعجابه بقدرتهم التنظيمية. وتعتبر شهادة كمال حبيب على جانب كبير من الأهمية كونها تعبر عن تيار إسلامى آخر غير إخوانى وهو التيار الجهادى الذى انتمى إليه فكرياً أثناء دراسته العلوم السياسية فى جامعة القاهرة. ويلقى حبيب أضواء على المؤثرات الفكرية التى دفعته فى هذا الاتجاه، ويتناول القراءات التى مثلت التأصيل النظرى لهذا الجهاد من أعمال عبد السلام فرج، وكذلك الأعمال التراثية المسوّغة لقتال الدولة، ويكشف الدور الذى لعبته المعسكرات والمدينة الجامعية وبخاصة مساجدها كشكل من أشكال التعبير الإسلامي، وتأثر التيار الجهادى بفكرة الجهادية الأفغانية والثورة الإيرانية، ويبدى اقتناعه بضرورة العمل فى إطار تنظيم سري. يختتم الكتاب بشهادة الصحافى محمد مورو الذى يشرح أثر نشأته فى أسرة إقطاعية على توجهاته الفكرية، ثم يتحدث عن انضمامه إلى جماعة «شباب الإسلام» فى القاهرة حتى الانتقال إلى جامعة الزقازيق لتبدأ مرحلة جديدة يناقش فيها فكر كل الجماعات الإسلامية كالإخوان المسلمين وتيار الجهاد والجماعة الإسلامية. ويذكر الجهود التى بذلت من أجل التقريب بين وجهات النظر المتعددة كى يجمع شتات الحركة الإسلامية فى جماعة واحدة. وطرح فى شهادته القضية الفلسطينية إذ يرى أن من الواجب أن تكون مركزية فى الحركة الإسلامية.