أعادت عمليات التسوية التى أعلن عنها مؤخرا بين العديد من رجال الأعمال المتعثرين والبنوك الدائنة لهم، الحديث مرة أخرى عن ملفات التعثر التى بدأت من التسعينيات، وتلك التى يتوقعها البعض بشدة خلال الأيام القادمة فى ظل الأزمة العالمية. ورغم أن البنوك اتبعت بعض السياسات الحذرة بالنسبة لعمليات التمويل لمواجهة آثار الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المحلى، إلا أن هناك توقعات كبيرة بحدوث موجة جديدة من التعثر، الأمر الذى يتطلب سعى البنوك من خلال استخدام أدوات فعالة لتقليص فرص التعثر ومساعدة عملائها للاستمرار فى العمل. خصوصا بعد قبول البنوك للأصول والأراضى عند إجراء التسويات العينية، وذلك مقارنة بالأعوام الماضية، والتى كانت البنوك ترفض قبول العقارات والأراضى فى التسويات لتدنى قيمتها مقارنة بحجم المديونيات، ولكن ارتفاع أسعارها فى الآونة الأخيرة ساعد على استرداد الجزء الأكبر من مديونيات البنوك. وانتقد الخبراء اتجاه عدد من البنوك إلى تجميد قطاع التجزئة المصرفية نتيجة سياسات "متحوطة" تتخذها البنوك خوفا من ظهور حالة تعثر جديدة، مشيرين إلى أن قطاع التجزئة المصرفية يساهم بشكل كبير فى إنعاش حالة السوق وعمليات الشراء والتى تؤثر بشكل مباشر على الشركات الكبرى وتشجيعها على زيادة الإنتاج والاستثمار وأيضا الاتجاه إلى الإقراض. كما تباينت آراء المصرفيين حول إمكانية انتهاء البنوك من ملف التعثر بنهاية العام الجارى كما تعهد البنك المركزى بذلك، حيث رأى عدد منهم انتهاء ملف التعثر بنهاية عام 2009 نظرا للوصول إلى تسويات مع أكبر حالتين تعثر وهما رامى لكح ومجدى يعقوب، بالإضافة إلى رغبة البنوك فى إجراء تلك التسويات ورغبة العملاء المتعثرين أيضا فى تسوية مديونياتهم بعد أن ظلت لفترة طويلة ترفض مبدأ السداد العينى للقروض. أما الرأى الآخر فأكد صعوبة ذلك نظرا لارتباط بعض الحالات بقضايا تنظر داخل المحاكم، مع حصر أصول المتعثرين والتى تستغرق وقتا طويلا لإتمام ذلك، بالإضافة إلى صعوبة إيجاد مشترين لتلك الأصول فى الوقت الراهن. كان محمد بركات، رئيس بنكى مصر والقاهرة أعلن استعداد مجلس إدارة البنك الموافقة على التسويات الجادة للمديونيات المتعثرة، وتمت الموافقة على تسوية مديونيات لكح، والتى تقدر بحوالى 730 مليون جنيه. وكشف أحمد قورة رئيس البنك الوطنى سابقا وجود العديد من حالات التعثر ترفض البنوك الإعلان عنها، ولا يتدخل البنك المركزى فيها إلا إذا فشل البنك فى إيجاد حلول لها، وعن حجم التعثر المتوقع فى الفترة القادمة فى ظل الأزمة المالية أكد قورة صعوبة توقع ذلك، نظرا لعدم معرفة حجم الائتمان الممنوح من البنوك فى كل القطاعات. واعتبر قورة أن كلمة غلق ملف التعثر كلمة سياسية أكثر منها مصرفية، نظرا لأن برنامج سداد المديونيات المستحقة قابل للتنفيذ أو غير قابل لذلك، مؤكدا استمرار ملفات التعثر إلى ما بعد عام 2015. وعن الأدوات التى تستخدمها البنوك حاليا لدفع عجلة التمويل والقضاء على أية بوادر تعثر قد تنشأ مستقبلا، قال أحمد قورة إن تلك الخطوات تبدأ بدراسة السوق والعميل دراسة جيدة حتى تستطيع معرفة مدى احتياج العميل للمساعدة، لافتا إلى اتجاه بعض البنوك حالة وجود تعثر ضخ أموال فى صورة ائتمان للعميل نفسه لمساعدته على النهوض بنشاطه وإخضاعه لبرامج إعادة جدولة ديونه. وكشف قورة عن اتجاه بعض البنوك إلى تحويل إدارات التجزئة المصرفية إلى إدارات خاصة بتحصيل الديون، الأمر الذى سينتج عنه زيادة حالة الركود بالأسواق، وأكد أن هناك إحجاما من المستثمرين عن الحصول على الائتمان وليست البنوك، ورفض أن فكرة إنشاء شركة متخصصة فى إدارة الأصول التى آلت ملكيتها للبنوك، مؤكدا أنها كانت فكرة منذ عام 2005، وفشل تنفيذها نتيجة احتماليات وجود حالات فساد متعددة فى إدارتها. وأكد جمال محرم الرئيس السابق لمجلس إدارة بنك بيريوس، أن ملف التعثر يأتى ضمن الملفات المفتوحة فى البنوك ولا يوجد بنك يخلو من نسبة التعثر بنسبة 100%، إلا أن هناك حدودا آمنة يمكن تقبلها، متوقعا أن تشهد البنوك ظهور بوادر تعثر جديدة خلال الفترة المقبلة. وأكد محرم أن حالة التعثر الجديدة تختلف عن التعثر فى السابق لأن التعثر الحالى ينتج عن تأثر العملاء بتداعيات الأزمة العالمية وتأثيرها على الأسواق المحلية. وقال محرم إن هذا النوع من التعثر يمكن علاجه بشكل أسرع من ملفات التعثر التى أرهقت الجهاز المصرفى لفترات طويلة، لافتا إلى اتجاه البنوك إلى إعادة دراسة عملائها والقطاعات الاقتصادية المختلفة لمعرفة مدى حجم تأثيرها بتداعيات الأزمة العالمية وحتى يمكن كشف حجم المخاطر التى تواجه تمويل عملائها ومدى تأثير العميل نفسه بالأزمة، ورفض علاء سماحة رئيس بنك بلوم السابق سياسة البنوك الانكماشية فى عمليات إقراض التجزئة المصرفية لأنها من أبرز الطرق لإحداث انتعاشة للأسواق، لافتا إلى ضرورة إعادة البنوك النظر فى دراسات الحالة لقطاع التجزئة المصرفية، وتوقع سماحة الانتهاء من ملف التعثر بداية عام 2010 نظرا لوجود بعض الحالات المرتبطة بإجراءات قضائية، بالإضافة إلى انتهاء البنوك من أغلب حالات التعثر الضخمة مثل رامى بكح ومجدى يعقوب. وأكد سماحة أن ارتفاع قيمة الأصول العينية ساهم بشكل كبير فى إنهاء عدد من حالات التعثر، ورحب بوجود شركة متخصصة فى إدارة الأصول العينية التى آلت ملكيتها إلى البنوك، لافتا إلى أن البنوك ليس دورها إدارة الأصول، الأمر الذى يتطلب إنشاء شركة مسئولة عن إعادة هيكلة الأصول وبيعها مرة أخرى. فى حين أشار إسماعيل حسن محافظ البنك المركزى السابق ورئيس بنك مصر إيران إلى فرص محاصرة حالات التعثر من خلال شبكات الاستعلام الائتمانى، مما يدعم قدرة البنوك على تتبع المشكلة منذ بوادرها، وشدد حسن على ضرورة عدم اتباع البنوك لسياسات متشددة للضغط على العملاء والتعامل مع ملفات الشركات منذ اللحظات الأولى لظهور بوادر التعثر بالتحليل والدراسة وبوتيرة متسارعة لمنع تعثر العميل. وأرجع عاطف الشامى مساعد العضو المنتدب لبنك كريدية أجريكول السابق اتجاه البنوك إلى إنهاء ملف التعثر إلى عدة عوامل، أبرزها وجود رغبة أكيدة لدى الحكومة والبنك المركزى فى غلق ملف التعثر بصفة نهائية قبل نهاية العام الحالى، والقضاء على ظاهرة الأيدى المرتعشة بعد وضع ضوابط جديدة لمنح الائتمان لتفادى سلبيات المرحلة السابقة. وطالب الشامى بضرورة الاستعانة بكوادر وشركات متخصصة من خارج الجهاز المصرفى لإدارة الأصول العينية التى آلت للبنوك، محذرا من خطورة إسناد إدارة هذه الأصول لأعضاء مجالس الإدارات فى البنوك لافتقادهم الخبرات اللازمة فى هذا الشأن. يذكر أن البنك الأهلى المصرى يدرس إبرام اتفاق تسوية نهائية مع رجل الأعمال عمرو النشرتى، ليمثل ذلك آخر ملفات المتعثرين من الهاربين والمحبوسين، وكان النشرتى استقبل منذ ثلاث سنوات وفدا من البنك الأهلى فى مقره بلندن للاتفاق على تسوية 380 مليون جنيه من خلال سداد 209 ملايين جنيه كدفعة أولى نقدا.