«ضع نفسك مكان الآخرين لتشعر بهم»، هى قاعدة ذهبية فى مجال العلاقات الإنسانية أولى بها أن تكون قاعدة للقوى المدنية بدلا من التناحر والتصارع والاقتتال لتغليب الأيديولوجية والقناعات الفكرية والإملاءات القهرية على الشرعية القائمة. لذلك أرى وجوبا على كل مصرى أن يضع نفسه مكان الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية، والمنتخب من رحم ثورة أذهلت العالم ثم ما لبثت بعد عامين أن تتلاشى معالمها تدريجيا وتضيع نتائجها وتنحرف عن مسارها وتذهب كل المكتسبات المأمولة بفعل ناصب ومنصوب وجار ومجرور ومعلوم ومجهول، فماذا يا ترى يكون فاعلا الرئيس سوى إعمال أمانة المسؤولية، واتباع الضمير الوطنى،وتحمل تبعاته والاجتهاد بالدفع بمجموعة من القرارات الثورية فى مرحلة انتقالية حرجة، وفى ظل ظروف استثنائية لينتشل البلاد من غرق داهم وفشل قائم وطوفان مرعب قادم لا محالة يأتى على الأخضر واليابس. من هنا فأنا موافق على كل ما جاء بالإعلان الدستورى للرئيس محمد مرسى وتأييد خطواته، مؤمنا بأنه: «هذا هو المتاح الآن وليس المأمول»، وأنه استثنائى يعالج أزمات مرحلة انتقالية استثنائية راهنة، وانطلاقا من توافر المعلومات للقاصى والدانى بالدور التخريبى المتكرر والدائم الذى تمارسه عناصر معروفة لا تريد للثورة أن تؤتى أكلها ويحصد الشعب ثمراتها، تركزت أهدافهم فى عرقلة إصدار دستور للبلاد والإطاحة بمجلسى الشعب والشورى ليبقى الرئيس بلا نظام وأركان دولة قائمة وبالتالى فالفشل محقق للثورة المصرية. لقد كان من حظنا العاثر أن ثورتنا نجحت بلا رأس وبلا منهج أو أهداف واضحة سوى تغيير النظام الموجود،وتحقق المراد من رب العباد وسقط مبارك وعصابته، ثم مررنا بأسوأ فترة انتقالية تخبطنا فيها وتعثرت خطواتنا بفعل الإدارة العسكرية التى قدمت نموذجا باهتا مشوها للتمثيل الثورى الحقيقى فكانت امتدادا لحكم مبارك خاليا من الرأس فقط. وعجبى من القوى المدنية التى تجاهد بالفضائيات أمام الشاشات طيلة عامين كاملين وتذرف الدموع على الديمقراطية ثم تسمح «للعسكر» بإعلانات دستورية تكرس للديكتاتورية، ولكن مع الرئيس المنتخب والشرعى مارسوا استبداد الأقلية وحرموا عليه ما كان مباحا بالأمس، فما ينفك يوما يمضى يصدر الرئيس قرارا لمصلحة الشعب حتى يهيلوا عليه التراب نهارا ويقيمون سرادقات العزاء ليلا، دون تقديم أية حلول لمشكلة محلية أو دولية تشفع لهم أمام الشعب،أو تقديم مصالح مصر على مكاسب حزبية رخيصة. لقد فقد الشعب طموحاته فى تلك التشكيلات من التيار الشعبى وجبهات الإنقاذ الوطنى والائتلافات الولادة التى تفرزها أحزاب المعارضة كل دقيقة تضم اليمينى واليسارى، والرأسمالى والاشتراكى، والثورى والفلولى، وبات الناس حيارى فيما يصنع الفرقاء الأصدقاء والمتفقون المتشاكسون، فأى معارضة رشيدة تلك التى أوقفت كل نشاطها على عرقلة الرئيس وإفشال مساعيه بالداخل والخارج، وانشغلت بإسقاط نظام لم يولد وتطالب برحيله،وهذا ما يدعونى للتأكيد بأنهم ينشدون خارج السرب حاليا، دون إدراك أن الشعب يريد حاليا سماع أنشودة واحدة هى «الاستقرار»، وهى التى يتغنى بها الرئيس فى كل بنود الإعلان الدستورى. «نعم» للإعلان الدستورى الصادر من رئيس الجمهورية الذى يقضى على الاستبداد والديكتاتورية ودولة الرئيس ويعبر بنا إلى إصدار الدستور المصرى الذى يقلص صلاحيات «مرسى» ويقيد فرعنة أى رئيس قادم، ويحاكم ولأول مرة رئيس الجمهورية. وسوف أقول «نعم» للدستور حيث يسقط كل الإعلانات الدستورية ثم يعقبه تشكيل مجلس النواب لترى مصر ولأول مرة منذ قيام ثورة 25 يناير نظاما جديدا يوضح ملامح السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية مما يعنى الانطلاقة الكبرى نحو الاستقرار والنهوض. وسوف أكتفى بضرب نموذجين اثنين وراء إيمانى بأن «نعم» هى الحل حاليا للمشهد السياسى الراهن أولهما من الثورة البرتقالية التى قامت بأوكرانيا والثانى من ثورة يوليو 1952. قام الشعب الأوكرانى بثورة عارمة «2004-2005» ضد الرئيس «فيكتور يانكوفيتش» فى تشابه واضح لأسباب ثورة 25 يناير، وذلك للقضاء على الفساد الذى تفشى فى المجتمع والرغبة فى تطهير القضاء وسوء معاملة الشرطة وزيادة معدلات البطالة والتمثيل السياسى الهزلى فى الأحزاب والبرلمان. حتى تم لهم ما أرادوا وأسقطو الرئيس الأوكرانى ثم تولى يوشينكو الرئاسة بانتخابات شعبية نزيهة ولعب فلول «يانكوفيتش» الدور الكبير فى إفشاله وعرقلته حتى تبخرت أمنيات الشعب الأوكرانى وأحلام الثورة البرتقالية وبدأ الشعب يترحم على أيام المخلوع يانكوفيتش وفى عام «2010» خرج نفس الشعب وانتخب الرئيس المخلوع «يانكوفيتش» وأسقط البطل الثورى «يوشينكو» فى انقلاب شعبى واضح على الثورة البرتقالية إثر فشل حكومة الثورة فى إنجاز أهدافها، وبهذا عاد النظام السابق إلى الحكم عن طريق انتخابات نزيهة. وتم حبس رئيسة وزراء حكومة الثورة يوليا تيموشينكو بالسجن 7 سنوات، بتهم استغلال السلطة وتعديل اتفاقية الغاز مع روسيا بشكل يهدد مصالح البلاد، بحسب اتهامات يانوكوفيتش!! النموذج الثانى من ثورة يوليو، حيث اعترفت حكومة ثورة 23 يوليو رسميا، فى ديسمبر 1952 بممارسة المرأة للأنشطة الحزبية أسوة بالرجل، لكنها عادت وألغت الأحزاب كما ألغت دستور 1923 وتوجهت الصحفية «درية شفيق» فى عام 1954 إلى نقابة الصحفيين، وأعلنت احتجاجها بتعيين لجنة مكونة من خمسين عضوا لصياغة دستور جديد لمصر ولم تكن من بينها امرأة واحدة وقالت: «أرفض الخضوع لدستور لم أشترك فى صياغته». فى عام 1957 حاولت درية شفيق الإضراب مرة ثانية، فلجأت إلى السفارة الهندية وأعلنت الإضراب اعتراضا على إعطاء المصرية الحق فى الانتخاب، وعدم منحها الحق فى الترشيح، وظلت على إضرابها حتى نقلت إلى المستشفى ثم إلى منزلها فتم تحديد إقامتها، وفقد زوجها عمله وبعدها انفصلت عن زوجها. وبعد زواج ابنتيها عزيزة وجيهان عاشت درية حالة اكتئاب وتعاسة بعد تحطيم أحلامها، فاختارت شرفة المنزل لتلقى بنفسها وتنتحر وتسكن الأرض جثة هامدة. ومن دروس الثورة البرتقالية وثورة يوليو 1952 أجدنى متحفزا لتأييد الرئيس ومساندته ودعمه فى إصدار الإعلان الدستورى والاستفتاء على الدستور.. واسلمى يا مصر.