بصعوبة يمكنك تحسس طريقك إلى المدخل الضيق الذى لا تتعدى مساحته مترين عرضاً، الأحجار المتراكمة التى تراصت فوق بعضها فى جبل صغير مواجهاً لمدخل الحارة المظلمة تدفعك للتقدم بحرص فى خطوات مطربة حتى تراهم جالسين فى صمت، يحاولون تجاهل البرد والعقارب والحشرات التى تحوم حولهم، أكثر من 10 أسر كاملة هم سكان العقار رقم 49 بحارة بيومى الجزار بالسيدة زينب الذى انهار على رؤوسهم منذ عدة أشهر لم يسمع طوالها صراخهم أحد، ولم يلتفت سكان المنازل المجاورة التى ارتفعت عن مستوى حارتهم الفقيرة بدرجة تكفى لسجنهم "بره الدنيا". ما يقرب من ثلاثة أشهر هى المدة التى قضاها سكان العقار رقم 49 والعقار رقم47 بإحدى المناطق العشوائية بالسيدة زينب، ما بين النوم فى الشارع والرحلات المستمرة لحى السيدة زينب على أمل أن يسمع أحد شكواهم أو يرسل لهم الحى إحدى المهندسين لمعاينة الموقف، ولكن التجاهل والنظر إليهم كمتسولين كان هو كل ما قابله سكان المنازل المتهدمة من موظفى الحى، طوال أشهر قضوها فى الشارع فى صبر. "إحنا فى الشارع من قبل العيد بثلاثة أسابيع.. نايميين فى الشارع بعد ما البيت وقع على دماغنا، والبيت اللى جمبه هيقع ويجر كل بيوت الحتة وراه" تصرخ الحاجة "رضا إبراهيم" فى نفاذ صبر، من فوق بسطة إحدى الغرف التى يتجمع السكان حولها، بالرغم من سنواتها التى تجاوزت الستون عاماً، إلا أنها تحملت النوم فى الشارع مع أسرتها المكونة من أربعة أبناء وزوجاتهم وأزواجهم وأطفالهم، وغيرهم من الأسر التى تراصت بجانبها محاولة إيجاد مكان لافتراش الأرض الترابية. "إحنا فى البيت ده من عشرين سنة، وراضين بحالنا، ومطلبناش حاجة من الحكومة، بس لما وقع على دماغنا هنروح فين"، تكمل الحاجة "رضا"، قبل أن يستكمل ولدها الأكبر الأسطى "حسن" الحديث قائلاً: إحنا لفينا على الحى كل يوم هناك من يوم ما وقع البيت محدش عبرنا، وكل يوم يقلولنا بكره ولا بعد أسبوع، أى أوضة دلوتى إيجارها ميقلش عن 500 جنيه وأنا على باب الله". "هوا فى وسط الأخبار إللى بتحصل بره دى.. محدش يقول الناس دول نايميين فى الشارع" يتساءل الأسطى "حسن" ببساطة، عن وضعهم على "الخريطة" على حد تعبيره، ليس لديه أدنى فكرة عما يحدث خارج حارته المتواضعة التى سقطت منازلها فوق رأسه، ما يعرفه عن ميدان التحرير هو أنه "بتاع الناس الفاضية"، أما معلوماته عن الرئيس "محمد مرسى" فهو الرجل "بتاع الثورة.. إللى بقى رئيس جمهورية وقال إنه هيجيب حق الغلابة"، أما الغلابة فهو يعرفهم جيداً، ينام بصحبتهم يومياً فى العراء، يتبادل معهم أطراف الحديث عن حلول غير كاملة لحالتهم التى طالت فى انتظار أن يستمع لهم أحد.