مهمتهم هى تحدى مستجدات العصر، ففى كل يوم كانت مهمة الصناعة أن تجد بديلا لما يقدمونه، وعلى مر السنين كانت الصناعة كل عام تقدم خامات جديدة تحاول التغلب عليهم، وتأتى المنتجات الصينية بأسعار زهيدة لتحاول الطغيان على إبداعاتهم، ولكنهم مع فرحة العيد فى كل عام كانوا يتراصوا على أبواب سور مجرى العيون العتيقة، ليعلنوا عن استمرار مهارتهم وسر صنعتهم على كل ما يدور حولهم ولينهوا العيد بإبداعاتهم المتفردة فى صناعة الجلود المصرية الخالصة. "إحنا فى المجال ده من زمان الزمان، ومهما بيحصل كل سنة بيكون عندنا جديد وشغلنا ماحدش يقدر ينافسه بره" يقول سيد فتحى أحد العاملين فى مجال الجلود بلهجة تحدٍ واثقة من أمام الفرشة التى يعمل عليها، والتى واجه هذا العام العشرات من الصعاب حتى يخرجها فى شكلها الحالى مثله مثل معظم زملاء المهنة التى تأثرت مثل كل شىء بالظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد. بأجمل الألوان وأدق الرسومات استطاعوا أن يحولوا الصور العتيق إلى مهرجان تندمج فيه أصالة الخامات مع أحدث الأفكار والرسومات ليضيف فنانين الجلود حكاية جديدة لحكايات مجرى العيون، وفصلا جديدا لفصول إبداعهم التى يجهزون لها لتظهر فى عيد الأضحى من كل عام. عيد الأضحى والأيام التى تليه هى بارقة الأمل التى يعيش عليها أصحاب المدابغ والتى ينتظرونها منذ أن بدأت مهنتهم قبل مئات السنين، ولكن الآن بعد انتشار اللحوم المستوردة وبعد الأزمة الاقتصادية التى تعيشها البلاد انخفضت أعداد الأضاحى لتنخفض معها أعداد الجلود التى يعتمد عليها أصحاب المدابغ فى تموينه العام ويقول سيد" "السنتين إللى فاتوا كانوا أصعب سنتين شفناهم فى الشغلانة دية من أول ما بدأت، لكن الحمد لله لسه قادرين نحافظ على شغلنا ونطور فيه كمان". إسلام أشرف هو شاب مازال فى العقد الثانى من عمره ولكن على الرغم من ذلك فكل سنوات حياته كانت فى صناعة الجلود، والده هو أحد أكبر تجار الجلود على السور العتيق، ويقول: "الحياة هنا مختلفة دايما فى تنافس بين الناس عشان كل عيد يكون كل واحد عنده أجمل حاجة" ويتابع "طول العيد بيكون وقت لم البضاعة من الناس اللى بتدبح لكن السنة دية اللحمة المستوردة خربت البلد ومحدش ذبح ودية أكثر حاجة أثرت علينا". ولكن عن المنافسة مع الصناعة والخامات الجديدة يقول: "مهما حصل الجلد الطبيعى ليه تقدير مختلف والناس بتيجى تدور عليه هنا بالاسم كل سنة، واحنا بيكون علينا مهمة أن كل سنة يكون عندنا جديد". الأسعار اختلفت من مكان إلى آخر فما بين 350 جنيهاً يمكنك أن تشترى قطعة جلود فخمة من الإنتاج المصرى الكامل بداية من الذبح وحتى البيع، تصل إلى عشرين ألف جنيه إذا كنت تفكر أن تضع فى بيتك أحد جلود الأسود أو النمور النادرة من أفريقيا مثلما يشرح إسلام من أمام أحد هذه الجلود. حدوتة الجلود مع عيد الأضحى هى حدوتة مصرية لن تنتهى مثلما يقول أصحابها، فهى قصة زرعها التاريخ فى قلب القاهرة القديمة واحتفال خاص لهم بالعيد والإبداع فى نفس الوقت، وفى إظهار مهارتهم التى يرفضون أن ينافسهم فيها أى أحد مع حلول كل عام، ويؤكدوا أنه مهما تغيرت الأحوال أو تطورت الصناعات سيبقى احتفال العيد ليشهد لهم على حفظ مهنتهم من الضياع.