سأل طفل والده: ما معنى الفساد السياسى؟!! فأجابه الأب: لن أخبرك يا بنى لأنه من الصعب عليك أن تستوعب هذا المفهوم المعقد فى هذا السن ولكن دعنى أقرب لك الموضوع، أنا أصرف على البيت لذلك فلنطلق على اسم الرأسمالية، وأمك تنظم شئون البيت لذلك سنطلق عليها اسم الحكومة، وأنت تحت تصرفها لذلك فسنطلق عليك اسم الشعب، وأخوك الصغير هوأملنا فسنطلق عليه اسم المستقبل، أما الخادمة التى تعمل لدينا فهى تعيش من ورائنا فسنطلق عليها اسم القوى الكادحة، اذهب يا بنى وفكر عساك تصل إلى نتيجة. وفى الليل لم يستطع الطفل أن ينام فنهض من نومه قلقا، وسمع صوت أخيه الصغير يبكى فذهب إليه فوجده قد بلل حفاضته ذهب ليخبر أمه فوجدها غارقة فى نوم عميق ولم تستيقظ، وتعجب أن والده ليس نائما بجوارها، فذهب باحثا عن أبيه، فنظر من ثقب الباب إلى غرفة الخادمة فوجد أبيه معها وفى اليوم التالى قال الولد لأبيه: لقد عرفت يا أبى معنى الفساد السياسى، فقال الوالد: وماذا عرفت، قال الولد: يحدث الفساد السياسى عندما تلهو الرأسمالية بالقوى الكادحة وتكون الحكومة نائمة فى سبات عميق فيصبح الشعب قلقا تائها مهملاً ويصبح المستقبل غارقا فى القذارة. وتعبر هذه النكتة المضحكة المبكية عن حال مصر لسنوات طويلة مضت، طال فيها الفساد كل شىء، وأصبح يجرى مع مجرى النيل، عصر كنا نأكل فيه طعاما فاسدا من يد طاه فاسد، نشتريه بأموال فاسدة، ونشرب مياها فاسدة، ونرتدى ملابس فاسدة، ونستنشق هواء فاسدا، ونتعامل مع موظفين فاسدين يعملون لدى مديرين أكثر فسادا، وحكومة تضع قوانين لتنظيم الفساد وتبريره وتشريعه، وهذا ليس بحال غريب فى وطن كان مفسدوه هم حاكميه، الذين لم يتورعوا عن إنشاء مؤسسات لمكافحة الفساد، والمثير السخرية هو أن مؤسسات مكافحة الفساد كانت هى نفسها فاسدة والنتيجة أن أهدينا بأيدينا القط مفتاح الكرار. والآن وبعد أن انتزعنا المفتاح من أسنان القط علينا أن نسعى كى نصلح ما أفسدته سنوات من الموت سعيا تتضافر فيه جهود الحكومة مع جهودنا ورغبتها مع رغبتنا وإرادتها مع إرادتنا، فلكى تثمر جهود أى حكومة عن نتائج إيجابية فى مكافحة الفساد وخاصة إذا كان فسادا منظما وقد أصبح جزءا لا يتجزأ من المنظومة السياسية والمالية والإدارية كما هو الحال فى مصر الآن، يجب أن يكون لديها إرادة سياسية حازمة وجادة فى سعيها، وأن تكون على وعى كامل بأنه وإن كانت رءوس الفساد قد قطعت فلا زالت الجذور راسخة فى أرض خصبة تروى يوما بعد يوم لتثمر لنا فاكهة مسمومة كفيلة بأن تقتلنا لثلاثين عاما أخرى. لقد ترك المفسدون مصر أشبه بجسد معتل ومريض بحاجة إلى علاج فورى وعاجل وإلا انتكس مرة أخرى وارتد لأسوأ مما كان، ولذلك وقبل أن نطالبها بحقوقنا عليها يجب أن نداويها لتقف وتنتفض مرة أخرى بجسد سليم قوى مثل قوة رغبتنا فى مستقبل وحياة أفضل.