ظهر لأحد الكُتاب أثناء كتابة إحدى رواياته بطل الرواية يناقشه فى النهاية التى رسمها له، وقد صنع هذا المؤلف من البطل - الذى كان فقيرًا لا يملك شيئًا ومضطهدًا من الجميع - ملكًا عظيمًا يحكم أفضل بقاع الأرض، ويملك جيشًا من خير جنود الأرض، فجعله يشق الصحراء بقوة سيفه ضد كل أعدائه وفلول النظام الذى كان يقهره، حتى جاءت لحظة النهاية، ولحظة الدراما القوية فى الرواية، بأن يموت البطل ميتة الأبطال فى المعارك، فإذا بالبطل يشهر سيفه فى وجه المؤلف، ويأمر جيشه بتصويب المدافع إلى يد الكاتب حتى لا يكتب مشهد النهاية. وكان رد المؤلف على هذه الأفعال أن سأله: لماذا أيها البطل ترفع سيفك فى وجهى وتأمر جيشك بأن يوجه مدافعه نحوى؟ ألا تذكر أنى بقلمى وخيالى جعلتك ملكًا وكنت ذليلاً مقهورًا فى حكم فاسد، وصنعت لك سيفًا تدافع به عن نفسك ضد الأعداء، وصنعت لك جيشًا تنتصر به على الظالمين؟ أنسيت كل ذلك وترفع سيفك فى وجهى وتريد إما أن نعيش معًا وإما أن نموت معًا؟ فأنا لا أتعجب من أفعالك، فهكذا أحوال الحكام الذين يحكمون حُكمًا مطلقًا، تمتلئ قلوبهم وأبصارهم بشهوة الحكم، ويريدون أن ينتصروا دائمًا حتى ولو كان هذا الانتصار على شعوبهم، أو على من جعلهم ملوكًا فى قصورهم، لا يريدون أن يتركوا الحكم أبدًا حتى لو جاءت نهاية العمر، فليمُت الجميع مع الملك؛ حتى لا يأتى ملكٌ غيره. وما كان من الكاتب إلا أن صنع من شعبه ملكًا عادلاً غيره ليقتله، ولكن أخذ حذره هذه المرة، وجعل له من شعبه قومًا يحاسبونه ويعارضونه ويراجعونه فى القرارات التى يتخذها، فأصبح ينصاع لقرارات الشعب بأكمله وليس لهوى نفسه أو لهوى حاشيته، فمات هذا البطل ميتة الأبطال، ولم ينعم الأول بالميتة الشريفة التى كُتبت له أولاً واعترض عليها بغروره، فمات جبانَ، ولم يُعرف له قبر. أنا وأنت صديقى القارئ من نصنع الرؤساء والزعماء، فإما أن نصنع رئيسًا طاغية، وإما أن نصنع رئيسًا يحاسَب ويحاكَم إن أخطأ، فلو علم أى حاكم أنك من صنعته رئيسًا بفضل صوتك فى الصندوق، وأنك فى استطاعتك أيضًا أن تسقطه من فوق كرسيه؛ لحسب لك ألف حساب وحسابًا، ولتودد لك بكل ما استطاع حتى تُبقيه على كرسيِّه، فالحاكم مهما كان ورعه وتقواه بشر، يصيب قلبَه وهجُ السلطة، ويعمى بصرَه نفاقُ الحاشية، فإن لم تكن مستيقظًا استخدمَ سلطته "سيفه" ضدك ليقمعك، وأطلق عليك كلاب سلطانه لتنهش عظامك حتى لا تكتب نهاية طغيانه، فلن تكون لك درع تحميك من أن يحدث هذا، إلا معارضتك التى تُذكِّره دائمًا بأن من أجلسه على هذا الكرسى هو إرادة الله، ثم إرادة الشعب، لا غيرهما، فليتقِ الله دائمًا. المستقبل ينبثق من الماضى، والماضى يحمل بداخله بذرة المستقبل، فلو عدنا إلى الماضى فلن تجد من حاشية مبارك من كان يعارضه، ولكن من أسقطه هو الشعب، والآن لن يعارض الإخوان المسلمون بأى حال من الأحوال الرئيس مرسى، ولو تركنا الحال هكذا فسنجد من يعود بنا للوراء إلى ما قبل الثورة، وسنجد من يسمى الفقر والمعاناة "زهدًا"، والتخلى عن الحقوق "عدم شرعية الخروج على الحاكم"، فهنا يأتى دورى ودورك فى بناء معارضة قوية، فلا قداسة لشخص، والنقد واجب - بلا كذب أو تدليس - من أجل المصلحة العامة، فنحن نريد للرئيس وحكومته النجاح، ليس لشخصه، ولكن النجاح لى أنا وأنت وللرئيس فى أن نعيش حياة كريمة كانت من أهم أهداف الثورة (عيش، حرية، عدالة اجتماعية)، فالمعارضة الحقيقية توضح للرئيس الرؤية إذا أراد الإصلاح، وتكون مرآة الشعب للرئيس، والتى تنعكس عليها مطالبه، وتحمينا، وتكون درعًا واقية لنا - إذا فسد الحاكم - من طغيانه، فالمعارضةَ المعارضةَ المعارضة.