لم يكن أحد يتخيل أن تكون للأقلية المسلمة والعربية فى فرنسا هذا التأثير فى مجرى الانتخابات الرئاسية، فبمجرد أن بدأ الرئيس الفرنسى، نيكولاى ساركوزى أن يستخدم لهجة حادة ضد المسلمين والعرب، تحديدا بعد هجمات «تولوز» التى راح ضحيتها أربعة يهود، فى محاولة منه لمغازلة اليهود، خسر أصواتهم الانتخابية، وبالطبع استغل منافسه فرانسوا هولاند الفجوة وأخذ فى ملئها بإصدار التطمينات للمسلمين، لينجح فى حشد صفوفهم لصالحه. ويحتل المهاجرون الإسبان أو اللاتينيون أهمية كبيرة أيضاً فى المشهد السياسى الأمريكى، ولعبوا دورا لا يمكن إنكاره فى انتخابات 2008 وساهموا فى إنجاح الرئيس الأمريكى الديمقراطى الأسود، باراك أوباما، الأمر الذى يجعل منهم هدفا سائغا لكل من أوباما، ومنافسه الجمهورى، ميت رومنى، اللذين عكفا قبل خمسة أشهر من الانتخابات الأمريكية على مغازلة هذه الفئة، ورغم أن استطلاعات الرأى تشير إلى تفضيل الإسبان لأوباما، فإن رومنى يحاول جاهدا أن يكسب ثقتهم، ومع تراجع الوضع الاقتصادى وتأثر فئة الشباب بشكل كبير جراء ذلك، لن يكون ذلك صعبا، ما لم يتدارك الرئيس الأمريكى ذلك سريعا. وبالفعل ظهرت مغازلة رومنى للاتينيين بشكل كبير فى مؤتمر الحزب الجمهورى الذى عقد يوم الخميس الماضى فى تامبا بولاية فلوريدا، إذ تحدث تسعة متحدثين من أصل لاتينى، بينهم أربعة على الأقل تحدثوا بالإسبانية، فضلا عن أن المرشح الجمهورى أكد أصوله المكسيكية فى فيديو يعكس سيرته الذاتية. ووصف رومنى أجداده المهاجرين ب«لاجئى الثورة»، ولكن على عكس الكثير من المتحدثين فى المؤتمر، لم يسع أجداده للجوء إلى الولاياتالمتحدة وإنما للهروب منها، بسبب ديانتهم المورمونية. وفر جد المرشح الجمهورى، مايلز بارك رومنى، إلى المكسيك للهروب من قوانين الولاياتالمتحدة التى ترفض تعدد الزوجات، مع زوجاته الأربع و30 من أبنائه، واستقروا فى المكسيك، حيث كان تعدد الزوجات قانونيا. وهناك فى المكسيك، ترعرع جاسكيل رومنى، جد رومنى، وولد والده، جورج رومنى إلا أن جاسكيل وجورج رومنى عادا إلى الولاياتالمتحدة قبل ولادة ميت فى محاولة لتجنب العنف الناتج عن الثورة المكسيكية. ورغم أن رومنى لا يأتى على ذكر أصوله المكسيكية، فإن نجله جريج، الضليع فى اللغة الإسبانية، أكد ماضى والده فى حملة إعلانية باللغة الإسبانية، الأمر الذى يثير المزيد من التساؤلات حول المرشح الذى سيصوت من أجله الإسبان. وتقول من ناحية أخرى، برناديت مكلورى، رئيس منظمة الإسبان الجمهوريين للوفد الصحفى المدعو من قبل الخارجية الأمريكية و«اليوم السابع» من بينهم، إن «صوتى هام للغاية بالنسبة لكل من الديمقراطيين والجمهوريين، وينبغى عليهما أن يعملا جاهدين للحصول عليه، فرغم انتمائى للحزب الجمهورى، فإننى لن أمنح صوتى إلا لمن يستحق. أما عن عملى، فأنا أحدث الإسبان عن التصويت فى الانتخابات التمهيدية الجمهورية وأشجعهم على النزول والاهتمام»، لافتة إلى أن المشكلة الرئيسية فى عملية تصويت المهاجرين تتمثل فى «عدم ثقتهم بأن صوتهم مهم ومؤثر، لذا لا يكترثون بالإدلاء بأصواتهم». وكان لأوباما اليد العليا فى مغازلة المهاجرين لاسيما بعد أن أعلن الشهر الماضى أن سلطات الهجرة الأمريكية ستتوقف فورًا عن ترحيل ما يُقدر بنحو 800 ألف مهاجر غير شرعى أقل من 30 عامًا إذا استوفوا شروطا معينة. وقبل أقل من عدة أشهر من إعلان أوباما خوض الانتخابات لفترة ثانية، انتقد السيناتور الأمريكى روب بورتمان الذى كان من المحتمل أن يكون نائبًا لرومنى -قبل أن يحتل بول رايان هذا المنصب- هذا الإعلان ووصفه بأنه «مناورة فى عام الانتخابات». ووصف أوباما هذه الخطوة بأنها «لا تمثل حلا دائما لإصلاح نظام الهجرة»، وحث الكونجرس على تجديد «قانون الحلم»، الذى اقترحه سلفه جورج بوش، وقال: إن السياسة الجديدة «ليست عفوا ولا حصانة وليست طريقا للحصول على المواطنة» بالنسبة لأولئك الذين يطلبون البقاء لفترة أطول. واعتبر الكثير من المحللين هذا القرار من أهم القرارات الخاصة بالمهاجرين تم اتخاذه خلال 25 عاما، كما أكدوا أنه قرار سياسى يهدف من ورائه أوباما إلى جذب أصوات الناخبين، وأشار أوباما إلى أن هذا القرار سيضع حدا لمخاوف الترحيل للشباب الذين يطلق عليهم اسم الحالمون. ويعطى هذا التغيير الكبير حوالى 800 ألف شخص فرصة الحصول على مكانة قانونية مؤقتة للإقامة والعمل فى الولاياتالمتحدة، مما يجعله أكبر تغيير منذ أن أصدر الرئيس الأمريكى السابق رونالد ريجان أمر عفو لثلاثة ملايين مهاجر غير شرعى معظمهم ينتمون لأصول إسبانية فى 1987. ومن ناحية أخرى، تحدثت هيرالندا جارسيا، مديرة رابطة اللاتينيين المتحدين، عن جهود المنظمة الحثيثة لتشجيع الإسبان وممن لهم أصول لاتينية على التصويت فى الانتخابات ليكون لهم كلمة تسمع، وقالت: «نحن نساهم فى تسجيل أسماء اللاتينيين، ونحفزهم على النزول إلى التصويت، وندخل فى اتفاقات شراكة مع المنظمات الأخرى لإقناع الجميع بضرورة المشاركة فى الانتخابات»، مشيرة إلى العقبات التى يواجهها مجتمع الإسبان وأبرزها صدور ما يقرب من 163 قانونا ضد المهاجرين، وأكدت أن منظمتها عكفت على محاربة هذه القوانين وبالفعل نجحت بشكل كبير حتى أنه لم يتم تمرير سوى قانون واحد من بينها، وهذه القوانين لا تناسب بأى شكل مجتمعنا. كما تحدثت جارسيا عن سوء المعاملة التى كان يتعرض لها المجتمع اللاتينى، وسردت كيف تعرضت للاضطهاد وهى صغيرة عندما ذهبت مع والدها وأسرتها لإحضار العشاء كعادتهم كل إجازة، وتأخرت عليهم البائعة، وعندما جاءت قالت لهم «إن كنتم تريدون أن أخدمكم فعليكم الانتظار فى الخلف مع الكلاب والزنوج». وأشارت إلى أنها سعت جاهدة للتخلص من هذه المعاناة وبالفعل تحدت جميع التقاليد والأعراف، وباتت الآن رئيسة لمنظمة تدافع عن حقوق الإسبان، لذا فهى تريد اختيار مرشح يستطيع تقدير هذه المعاناة، وبالنسبة لها فأوباما هو الخيار الأمثل، نظرا لأنه عاصر مثل هذا النوع من الاضطهاد شأنه شأن كثير من الأفريقيين الأمريكيين. أما عن المجتمع العربى وتأثيره فى الانتخابات المقبلة، فقالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إنه يستعد لحشد صفوفه أملا فى التأثير فى انتخابات نوفمبر 2012، مشيرة إلى أنه برغم أنهم يشكلون جزءا صغيرا من الكتلة التصويتية، فإنهم يتسمون بالحماسة والتنظيم ويمكنهم أن يحسموا التصويت لأحد المرشحين. ومضت الصحيفة الأمريكية تقول إن القائمين على هذا المجتمع يواجهون عقبات متمثلة فى الانقسام الثقافى وبالطبع نقص العدد، ولكن يرى بعض الخبراء أنهم سيشكلون كتلة تصويتية لا يستهان بها، خاصة على المستوى المحلى.