هل أرادت حقا الحكومات السابقة منذ عشرات السنين الاهتمام بأطفال مصر؟ أم تركت الأمور تسير بعشوائية أدت إلى وأد المواهب والعقول الصغيرة الناصعة فى مهدها؟ أم أنها ضمن إهمالها لكل شىء أهملت أطفالنا – نواة الفرد فى مصر - الذين حرموا التربية السليمة وتقديم أدنى البرامج التى توجههم وتقيم شأنهم؟ الدستور المصرى ينص صراحة على رعاية حقوق الطفل باعتباره نواة للأسرة ومحور تماسكها وحماية الطفل من كل ما يهدد أمنه وسلامته بالمفهوم الشامل فهل نفذت الحكومات السابقة ماجاء بالدستور أم كان لها رأى وتوجه آخر عكس ماجاء به دستور البلاد؟. فأين أمن الطفل وسلامته فى تجريف المواهب وترك أطفال الشوارع يهيمون على وجوههم يحترفون السرقة ويدخنون المخدرات ويعتدى عليهم بشتى أنواع الاعتداءات؟. الاتفاقيات الدولية والإقليمية التى أبرمتها مصر مع الآخرين، مثل اتفاقية حقوق الطفل مع الجمعية العامة للأمم المتحدة والميثاق الأفريقى لحقوق ورفاهية الطفل واتفاقية منظمة العمل الدولية.. وغيرها ، هل أرادت الحكومات المتعاقبة تنفيذ بنود هذه الاتفاقيات أم أن توقيعها هو مجرد شكليات تمثل فيها مصر الحضور المشرف كتمثيلها فى المحافل الدولية التى تخرج منها صفر اليدين؟ هل يصدق عاقل أن مصر بجلال قدرها ومكانتها العظيمة وحضارتها العميقة وصولجان أدبائها وكتابها ومفكريها لم تستطع على مدى السنين تدشين قناة خاصة بالطفل وتركت أبناءها من الأطفال يسترقون السمع والمشاهدة لقنوات مميزة تذيعها بلاد أخرى خليجية على مدى اليوم بلغة عربية سليمة وألوان زاهية وموضوعات بناءة علمية متطورة راقية وفى نفس الوقت بسيطة ملائمة لعقول الصغار ورشاقة مقدميها وحنكتهم، وتستطيع أن تفخر لا بمنتجيها وحسب وإنما أيضا بمشاهديها من الأطفال الذين يحفظون مقاطع عديدة مما تحمله لهم هذه القنوات من معلومة أو أسلوب أو تعبيرات أو أفكار تصل إلى تبسيط العلوم والاختراعات مثل الميكروسكوب، الطائرة ، المنطاد ..إلخ والتى نتج عنها أن الطفل يتقن لغته العربية ويتقن السلوكيات الإيجابية مثل الحكم على الأشياء والعادات اليومية النافعة كتنظيف غرفته وأسنانه والنوم مبكرا واحترام الكبير والعطف على الصغير وتوقير الوالدين.. إلخ. وكيف سيلقن الطفل حب الوطن والانتماء إليه وحب المعرفة والحفاظ على قوميته وأصوله؟ أين سيتعلم الطفل هذه السلوكيات وقد تركناه فى أحضان رياض أطفال يقودها غير متخصصين لا يخضعون لرقابة جهة تعليمية أو إرشادية، وإن خضعوا فهى رقابة شكلية مثل أى شىء فى حياتنا أصبح شكليا لا يحمل مضمونا ولا جوهرا. والنتيجة تعليم عشوائى غوغائى متخلف "كلشنكان"، يتجه أفراده لأقصى اليمين أو لأقصى اليسار، وهنا نبدأ فى التفكير فى علاج مشاكلهم ولكن بعد فوات الأوان. أليس من العجيب أن تنبغ مصر وتشتهر بإنتاج وتصدير وتسويق المسلسلات والبرامج - خاصة الرمضانية منها -التى تدر المليارات لجيوب أفرادها والمؤسسات المنتجة لها وتعجزعن استغلال هذا النبوغ الإنتاجى فى بث قناة للطفل المصرى البائس الذى يتسول المعلومة من قنوات الجيران، بل تبث فى القناة الأم مسلسلا مهلهلا تذيعه للأطفال فى نهار رمضان باللغة العامية المتدنية ويحوى على ألفاظ وحوار ركيك ذى معان لا قيمة لها ليس مجالنا ذكرها، أما قناة الأسرة والطفل فتستطيع مشاهدة دقائق منها لتحكم عليها بنفسك، فأين يختبىء منتجو برامج ومسلسلات رمضان عن برامج الأطفال التى يستطيعون أيضا تسويقها وتحقيق مكاسب مادية؟ ربما مكاسب ليست كبيرة لكن تستطيع الدولة تعويضهم عنها، بطريقة أو بأخرى. وهل انتهى نشاطنا عند بابا شارو وأبلة فضيلة وغنوة وحدوتة التى كان يذيعها البرنامج العام الإذاعى ، فلماذا لا تقدم الدولة تشجيعا ماديا سخيا للمبدعين والمفكرين المنتجين لبرامج الأطفال، مثلما خصصت دول عربية جوائز تشجع بها المبدعين والمفكرين مثل جائزة أدب الأطفال فى دولة قطر التى أطلقت على نفسها عاصمة الثقافة العربية! والأدهى والأمر أننا لم نسمع منذ قيام ثورة يناير عن تصريح واحد بالاهتمام بالطفل المصرى الذى يصنع فى القريب مستقبل مصر بفكره وعلمه وتقدمه بين الأمم. مواجهتنا بعيوبنا ليست رذيلة أو عارا ولكن التمادى فى الأهمال والخطأ هو العار وهزيمة النفس. الوزيران اللذان تقع مسئولية رعاية عقول الصغار فى دائرتيهما – الثقافة والإعلام - لم يبديا أى قول أو عمل إزاء هذا الأمر، وأعتقد أن الاهتمام بإنشاء قناة للطفل ليس فى بؤرة اهتمامهما ، ولكن الذى أذيع عن وزير الإعلام الجديد هو تجديد استوديوهات وغرف مبنى ماسبيرو. فمتى يتم تجديد الفكر ليلائم العصر؟.