فى وسط الزخم الرمضانى، والمنافسة بين النجوم على تحقيق أعلى نسب مشاهدة وجماهيرية عالية، تبرز الأعمال التى تحترم عقل المشاهد ومشاعره، ليس فقط لتميزها أو لأنها عمل متكامل فنيا، بل أيضا لأنها تحمل جرأة وتميزًا على مستوى الأفكار، وتكتشف مناطق مجهولة فى تاريخنا، وبعيدا عن القضايا الاجتماعية التى تتناولها المسلسلات، من قضايا حب وزواج وطلاق، يأتى مسلسل «نابليون والمحروسة» للنجمة ليلى علوى، وعدد كبير من النجوم المصريين منهم سامح الصريطى وحنان يوسف وشريف سلامة وفرح يوسف وأروى جودة، والنص المتميز للكاتبة عزة شلبى، والإخراج المحترف والغنى بالتفاصيل لشوقى الماجرى. مسلسل «نابليون والمحروسة» تدور أحداثه أثناء فترة حملة نابليون بونابرت على مصر، والتى استمرت ثلاث سنوات، من العام 1798 وحتى العام 1801، وتبدو حرفية ومهارة شوقى الماجرى منذ اللحظة الأولى التى نشاهد فيها تتر العمل، والذى يبدو متميزا على المستوى البصرى للقطات من معارك حربية بين جيش نظامى ومصريين غلابة يحاولون الدفاع عن بلدهم وأراضيهم باستماتة، وشريط الصوت، والذى يصدح بموسيقى الموهوب السورى رعد خلف، والذى أعاد توزيع جمل من أغنية الشيخ إمام «مصر يا امه يا بهية»، وصولا إلى نهاية الجملة الموسيقية مع غناء الكورس لجملة «اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى»، وكما يقولون إن «الجواب يبان من عنوانه» فإن تتر «نابليون والمحروسة» يعكس حالة خالصة من الإبداع الفنى، تتكاتف فيها العناصر الفنية من موسيقى وتصوير وإضاءة ومونتاج وصوت وتشكيل، وهو ما ينسحب على باقى تفاصيل العمل، والذى أعاد اكتشاف العديد من الفنانين المصريين، الشباب تحديدا، ومنهم شريف سلامة وأروى جودة وفرح يوسف والتى تقدم واحدًا من أهم أدوارها، كما زاد المسلسل من رونق وبريق النجمة ليلى علوى والتى أكدت بموافقتها على المشاركة فى هذا العمل أنها واحدة من أكثر فنانات جيلها ذكاء، رغم أن مشاهدها فى المسلسل بأكمله لا تتخطى ال55 مشهدا، إلا أنها لم تتردد فى الموافقة على الاشتراك بالمسلسل، ليس فقط لأهمية الفترة التاريخية التى يناقشها العمل، ولكن أيضا للسحر الذى تملكه شخصية «نفيسة البيضاء» زوجة مراد بك والملقبة «بأم المماليك»، والتى كانت تتميز برجاحة العقل والذكاء، وأيضا بالنسبة للنجم سامح الصريطى ومشاهده لحظة وصول الفرنسيين، ومحاولة الفرار ولقطات وفاته فى حضن ابنته، ونفس الحال للمتألقة حنان يوسف فى مشهد قيامها «بخياطة فرج ابنتها حتى لا تغتصب من الفرنساويين، ولكى تحافظ على عفتها وشرفها، وسوسن بدر المتألقة دوما برغم تواجدها فى أكثر من عمل إلا أنها تستطيع أن تعطى لكل دور جماله وتميزه، خصوصا عندما تتكامل باقى العناصر، ومن جماليات العمل التى نشاهدها على الشاشة ليس فقط العناصر الفنية، من ديكور للمتميز عادل المغربى والذى قام ببناء قرية كاملة فى منطقة «نكلا بإيتاى البارود»، والماكياج والملابس، وأن جميع الممثلين مختارون بدقة وعناية، وكلا موظف فى دوره الصحيح، ولكن أيضا فى حالة المجتمع المصرى التى يرسمها السيناريو، وكيف كان المصريون يعيشون فى فقر شديد، وكيف كان يتم الضحك عليهم واستغلالهم باسم الدين، فالفقراء يوعدون بالجنة ومن يحكمون ويديرون يملكون كل شىء، وهو الوضع الذى لا يختلف كثيرا عن الأوضاع التى يحيا المصريون حاليا فى ظلها، لذلك فالعمل على مستوى الأفكار يحمل إسقاطات كثيرة على الحاضر، وسيظل «نابليون والمحروسة» وثيقة تاريخية شديدة الجمال والتميز، عن فترة مهمة فى تاريخ الشعب المصرى وحضارته، وعن شخصيات مجهولة فى تاريخنا لم يلق عليها الضوء.