ذهبت صحيفة الجارديان فى عددها الصادر أمس الثلاثاء، إلى أن اعتقاد المستشارين السياسيين فى واشنطن ينصب على أن تحسين العلاقات مع دمشق أمر ضرورى لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط. فبينما يقوم هؤلاء بمراجعة الخيارات السياسية المتعلقة بالشرق الأوسط، فإن مستشارى أوباما يواجهون حقيقتين مؤكدتين. الأولى هى أنه لا توجد عصا سحرية، ولا توجد طريقة سهلة وخالية من الألم للتقدم إلى الأمام. والحقيقة الثانية هى أنه لابد من التمييز بين "ما تريد وما يمكنك الحصول عليه". فمثلما اكتشف بيل كلينتون وآخرون قبل أوباما، لا تكون الأمور عادة متشابهة. تفيد الصحيفة بأن كل شىء يمكن تغييره. فالمحللون الذين يفترض أن يدفعوا أوباما إلى جعل صنع السلام العربى الإسرائيلى هدفاً لفترته الرئاسية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يطلقون النار على نطاق واسع. فكل المؤشرات تدل على أن السياسة الخارجية لأوباما ستكون واقعية تسترشد بالبراجماتية والمصلحة السياسية، كما يتضح من الرسالة التى وجهتها هيلارى كلينتون فى الصين إلى حركة "التبت الحرة". وتقول الجارديان إنه إذا استطاع أوباما خلال السنوات الأربع القادمة، أن يتجنب المواجهة العسكرية مع إيران، ويتمكن من سحب القوات الأمريكية من العراق "بشرف" دون حدوث إنهيار داخلى فى البلاد، وتحقيق تقدم يتمتع ولو بنصف مصداقية فى عملية السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب، فإن الشعب الأمريكى سيعتبر هذه نتائج جيدة، وأكثر من ذلك، فسيكون الأمر رائعاً. وتضيف الصحيفة: كما جرت العادة فى الشرق الأوسط، فإن هذه القضايا متشابكة. ومن الأمور التى كانت أقل وضوحاً حتى الآن هو المستوى الذى يمكن أن تكون عنده العلاقات السورية الأمريكية مفتاحاً للقضايا الثالثة السابقة (إيران والعراق والسلام فى الشرق الأوسط). وهو بالتأكيد ما يؤمن به السيناتور جون كيرى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى. فخلال زيارته هذا الأسبوع إلى دمشق، تحدث كيرى بتفاؤل عن دور سوريا فى تحقيق المصالحة بين حماس وفتح، وتعزيز حكومة وحدة وطنية فلسطينية يمكن أن تلتزم إسرائيل بالتفاوض معها. وزعم كيرى أيضا أن سوريا كانت مستعدة لتقديم مساعدة أكبر فى الأمن العراقى وفى لبنان، حيث سيشهد الشهر المقبل بداية المحاكمة الدولية المثيرة للجدل، والتى تحقق فى اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى عام 2005. حيث اتهمت سوريا بالتواطؤ فى اغتيال الحريرى. وقال كيرى: "أعتقد أن هذه لحظة هامة من التغيير ولحظة للانتقال الممكن، ليس فقط فى العلاقات بين الولاياتالمتحدة وسوريا، بل أيضا فى العلاقات داخل المنطقة". أما عن الدول العربية الموالية للغرب، فهى تقدم "وجوهاً مبتسمة" أيضا. فوفقا لما تقوله التقارير الإعلامية السورية، فإن رئيس الاستخبارات السعودية قدم رسالة من الملك عبد الله خلال اجتماعه الأخير مع الرئيس الأسد تتعلق بالروابط الثنائية وأهمية الاستشارة والتنسيق المشترك، وربما تعيد الرياض سفيرها إلى دمشق مرة أخرى. وفى الوقت نفسه، تستضيف مصر محادثات عنيدة لتحقيق الوحدة بين الفلسطينيين. وبدا الرئيس السورى بشار الأسد فى المقابلة التى أجرتها معه صحيفة الجارديان قبل عدة أيام، أنه مستعد للتفاوض. حيث شدد الأسد على الدور الأمريكى فى عملية السلام فى الشرق الأوسط، وشجع أوباما على تنفيذ عرضه باستئناف الحوار. وقال إنه يرغب فى أفعال وليس أقوال. وعلى المستوى الرسمى، حافظ الرئيس أوباما على المواقف الأمريكية التى تطالب سوريا بضرورة تغيير سلوكها، بما يعنى التخلى عن دعمها لحماس وحزب الله والتدخل السياسى فى لبنان، وتقديم دعم أكبر للأهداف الأمريكية فى العراق وإيران. لكن خلف هذه المشاهد، يتضح أكثر للمستشارين السياسيين فى واشنطن، أن العلاقات الأفضل مع سوريا ستخدم أهدافا أمريكية متعددة، وبقليل من الخيال والمرونة يمكن إنجاز النقاط السابقة بالحيلة. فعلى سبيل المثال، مطالبة الولاياتالمتحدة لسوريا بإنهاء علاقتها مع إيران بشكل قاطع، يعد هدفاً غير واقعى، وبدلا من ذلك قد تبحث واشنطن عن نهاية من جانب واحد لبعض الأنشطة المشتركة التى تعترض عليها مثل إمداد حزب الله فى لبنان بالأسلحة، وانتظار الحوار الأمريكى الإيرانى أو حدوث تغيير ممكن فى حكومة طهران. ويمكن أن يتضمن ذلك أيضا مساعدة سوريا فى تأمين انتقال سلس فى العراق، وبناء الجسور بين فتح وحماس قبل استئناف المحادثات بشأن حل الدولتين، كل ذلك فى مقابل عرض نظرى وهو تخفيف العقوبات، وربما وجهة نظر قضائية أقل حدة فى قضية الحريرى، وضمانات أمنية وتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، والذى يمثل أهمية كبيرة لسوريا نظراً للضائقة المالية التى تعانى منها سوريا. الأمر الأكثر فضولاً بين كل هذا، هو أن فريق أوباما يمكن أن يستخدم تحسين العلاقات بين دمشقوواشنطن كأداة لتشجيع الأفكار المعتدلة فى تل أبيب. وأكثر ما يرغب فيه الأسد هو عودة مرتفعات الجولان التى تحتلها إسرائيل. ورغم أن نيتانياهو يصر على أنه لا يمكن التخلى عنها، إلا أن أوباما لديه وجهة نظر مختلقة أقل تشدداً مثل بعض القادة الإسرائيليين من الوسطيين. ورغم أن أوباما من الناحية السياسية لا يمكنه أن يدير ظهره لإسرائيل، إلا أنه قد يكون مستعداً لممارسة ضغوط عليها أكثر من سابقيه، وذلك تحقيقاً للمصالح الأمريكية الإقليمية. وإذا كان الأسد ذكياً، فإنه سوف يستغل الفرصة.