يسعى كل إنسان لتكتمل له كل مقومات السعادة فى هذه الدنيا، ويحاول أن يحوى كل أطرافها، ويحوزها من جميع جوانبها، ولكن هيهات، فهذه هى الدنيا، إن أعطت أخذت، وإن أفرحت أترحت، وإن أضحكت أبكت، وإن جمعت فرّقت، تتنوع فيها الابتلاءات، وتتعدد فيها الامتحانات، ومما يبتلى الله به بعض عباده فقدان الولد، فقد يحرم الإنسان من الإنجاب لعيب فيه، أو فى زوجه، أو فيهما معًا، وكل ذلك بتقدير الله وحكمه، ففقدان الولد مصيبة تستحق الصبر والاسترجاع، لأن وجوده نعمة، والأولاد هم زينة الحياة الدنيا، وقد لا يقدِّر هذه النعمة حقَّ قدرها إلاَّ مَن فقدها، إما بعد وجودها وإما من أصلها. قال تعالى: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا إنه عليم قدير). فرق كبير بين مَن عاش وحيدًا شريدًا بلا ولد يشاركه أفراحه وأحزانه ويخفف عنه آلامه عند مرضه وكِبَره، وبين من عاش مع أولادٍ له ينادونه ب "أبى" يتألمون لألمه ويفرحون لفرحه ويُهوِّنون عليه مصائب الدنيا، يبرونه ويصِلونه ويملأون حياته فرحًا وسعادة بنجاحهم فى دراستهم وتفوقهم فى حياتهم العملية وزواجهم وإنجابهم فيما بعد. فرق شاسع بين الزوجة التى رزقها الله ولدًا أو أكثر، ترضعهم حبًّا وحنانًا وتحيطهم برعايتها وعطفها، تأنس بهم ويأنسون بها، وبين من ابتلاها الله بعدم القدرة على الإنجاب، والتى تتعرض للظلم والإيذاء مرتين، مرة من الزوج الذى يقسو عليها ويطلقها وكأن الأمر بيديها! ومرة من المجتمع الذى ينظر إليها نظرة دونية ويعاقبها على ما لم ترتكب. نعم، من حق الرجل المتزوج امرأةً عاقرًا والقادر على الإنجاب أن يتزوج أخرى تمكنه من أن يكون له ابنة أو ابن يحمل اسمه، ولكن الإساءة إلى الزوجة المريضة وطلاقها وتركها وحيدة ما تبقى لها من عمر تُعد أنانية وقسوة من الزوج الذى كان يمكنه الاحتفاظ بها كزوجة، يُعِفُّها ويكرمها فى بيته ويعينها على الصبر على ما تعانى.. فكثيرًا ما يتحمل العديد من النساء فى عالمنا العربى عجز أزواجهن عن الإنجاب ويصبرن صبرًا جميلاً، بل ومنهن مَن تَنسِب لنفسها هذا العجز بدلاً من الزوج حفاظًا على مشاعره ومعنوياته وحمايةً له من قسوة المجتمع الذى لا يرحم فى هذه الحالة، وينظر إليه باعتباره عاجزًا جنسيًّا وغير مكتمل الرجولة!! إلى كل مَن لم يمكنهم الله من الإنجاب لحِكمة يعلمها سبحانه أُذكِّركم وأوصيكم بالتالى: - اعلموا أن هذا من الابتلاء، فإذا صبرتم نلتم بمشيئة الله أجر الصابرين، فعند الله لا تضيع صغيرة ولا كبيرة، قال جل شأنه: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلاَّ كَفَّرَ الله بها من خطاياه" رواه البخارى. - الإِكثار مِن الاستغفار، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ومن كلِّ هَمٍّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب". - التسلح بالدعاء، فهو السلاح الفتاك الذى لا يحتاج إلى جهد ولا إلى مال ولا إلى واسطة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم حيِىٌّ كريم، يستحْيِى من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا خائبتين". وقال الله تعالى: (وقال ربكم ادعونى أستجب لكم) صدق الله العظيم. - تذكَّر أنه ليس كل السعادة فى الولد، بل إن النعيم الذى يجده المؤمن فى الآخرة لا يوصف، وفى الحديث: "فى الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"، فإن فاتك الولد والتنعم به فلا يَفُتْكَ نعيم الآخرة، فاعمل واجتهد، وأَرْضِ ربك، فتلك هى السعادة الحقيقية. - اعلم أن كل ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، عليك دائمًا بضرورة التسليم لله بما قضاه، سواء كان خيرًا أو شرًّا، تذكر أن آجال الناس وأرزاقهم مكتوبة، وأعمالهم محسوبة، وأن الله سبحانه عالمٌ بكل ذلك قبل أن يخلقهم، فارضَ بما قسم الله لك، واحمد الله على قضائه، واعلم "أن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط".