فى الوقت الذى تمر به بلادنا من انقسام واختلاف وخلاف حول كل شىء افتقدنا للحوار. وإذا كان الاختلاف بين الناس أمرا ضروريا ولابد منه كما يقول العلامة ابن القيم فى إعلام الموقعين، لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وإدراكهم ولكن المذموم بغى بعضهم على بعض وعدوانه. لاشىء أدعى لعلاج الاختلاف والخلاف سوى الحوار الذى يجب أن يقدم البدائل لتجنب الوقوع فى الشقاق ومن ثم الصدام. انظر إلينا هذه الأيام ولاحظ أى اثنين أو أكثر يتكلمون فى موضوع خلافى تجدهم يتجادلون ويعلو صوتهم ويصبح الحوار مناكفة، والشىء المهم لدى كل طرف هو التفوق على الطرف الآخر وإظهار عجزه وإهانته والتسلط عليه حتى يصبح الحوار على طريقة فرعون عندما قال "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد". لابد لنا من أن نتعلم الحوار لأنه أساس نجاح الرسالات السماوية وهو عمل العلماء والفلاسفة والمفكرين والحكماء وهو أساس النجاح فى الحياة نجاح العامل فى عمله والأب فى بيته والصديق مع أصدقائه. كلما ابتعدت الأمة عن الحوار اتجهت للتسلط والديكتاتورية والذل والكذب والمخادعة، الحوار هو وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه حتى لا يشعر بالانطواء والعزلة ومن ثم يصاب بالاضطرابات النفسية. الحوار موجود بيننا لكنه ليس حوارا لأننا غالبا لا نحدد موضوعا محددا لنتحاور فيه مع غيرنا.. لا نخرج عنه ولا نخلط بين عدة مواضيع.. وغالبا ما نبتعد عن العمق ونتجه للسطحية ويكون حوارنا إقصائيا من منطلق أننى أنا أفهم وحدى كل شىء وغيرى لا يفهم شيئا، وأنا أحاول أن أفهم خصمى أجعله يعتقد ما اعتقده ولا أحاول أن أفهم منه شيئا أو يكون حوارنا عاجيا بعيدا عن الواقعية وغوغائيا يتحول إلى مشاحنات كلامية يحاول كل طرف فيها أن يفحم الآخر ويخرج الحكماء ومعارفهم لنعرف كيف نتحاور؟ نحتاج أن نتعلم كيف يكون حوارنا موضوعيا أى يهتم بالموضوع وليس الشخص وأن يكون واقعيا يبحث فى الوقائع قبل أن يقفز إلى النتائج. نحتاج أن يكون حوارنا فى موضوع محدد وليس عائما فى كل شىء. نحتاج للحوار المتكافئ الصادق الذى يفتح باب المحبة والألفة والتفاؤل. نحتاج للحوار الذى يكون هدفه الوصول للحقيقة والذى ينطلق فيه المتحاورون من مرجعية واحدة. نحتاج للبدء فى الحوار من المساحة المشتركة ولا نقفز للمساحات التى نختلف حولها. نحتاج أن يعتمد كل منا مبدأ النسبية فلا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة. نحتاج أن نتعلم أدب الحوار ولا نشوه من يحاورنا ولا نحقره أو نسفهه. نحتاج أن نتلمس الحياد والموضوعية والإنصاف وإعمال العقل. نحتاج لنبذ التحزب والتخندق وراء أفكارنا والدفاع عنها دون مراجعتها. نحتاج لتعلم العيش المشترك وقبول الاختلاف مع الآخر. نحتاج أن نتذكر دائما قول الإمام الشافعى.. قولى صواب يحتمل الخطأ وقول غيرى خطأ يحتمل الصواب.