شكّلت صورة العرب عبر التاريخ نتاجًا لتفاعلات ثقافية وسياسية وإعلامية معقّدة، تباينت بين الواقع وما نُسج حولهم من تصوّرات وانطباعات، ومع تسارع العولمة وتداخلات المجتمعات، أصبح حوار الثقافات أداة أساسية لفهم هذه الصورة وتصحيح ما شابها من تشويه أو اختزال، فالحوار القائم على الاحترام المتبادل والمعرفة العميقة يسهم فى إبراز القيم الحضارية للعرب، ودورهم التاريخى فى إثراء الإنسانية علميًا وثقافيًا، كما يفتح آفاقًا للتقارب والتفاهم بين الشعوب. ومن هنا تبرز أهمية دراسة صورة العرب فى سياق حوار الثقافات بوصفها مدخلًا لتعزيز التواصل الإنسانى وبناء جسور التفاهم بدل الصدام. كما تمثّل صورة العرب فى الوعى العالمى إحدى القضايا المركزية فى الخطاب الثقافى المعاصر، إذ تتأثر هذه الصورة بما يُقدَّم فى وسائل الإعلام العالمية، وبما يُتداول فى الإنتاج السينمائى والأدبي، إضافة إلى الخطاب السياسى السائد، وقد أدّت بعض التغطيات الإعلامية المنحازة، وكذلك الصور النمطية المتكررة فى الأفلام والمسلسلات، إلى ترسيخ تصوّرات مشوّهة لا تعكس حقيقة المجتمعات العربية وتنوّعها الثقافى والإنساني، فى المقابل أظهرت نماذج ناجحة من التبادل الثقافي، مثل المبادرات الحوارية الدولية، والمنتديات الفكرية، والمشاركات العربية فى المعارض العالمية للكتاب والفنون، قدرة الثقافة على تصحيحالصورة وبناء جسور الفهم المتبادل. ومن هنا تبرز أهمية العمل المنهجى على تحسين صورة العرب عبر خطاب ثقافى منفتح ومسئول، يدعم الحوار البنّاء بين الثقافات، ويؤكد القيم الإنسانية المشتركة، بوصف ذلك ضرورة حضارية لمواجهة سوء الفهم، وتعزيز التعايش والتكامل فى عالم متعدد الثقافات. وفى ضوء ذلك استضافت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية من خلال إدارة منظمات المجتمع المدنى فعاليات المؤتمر العربى الفكرى الذى نظمته المنظمة العربية للحوار بالتعاون مع الاتحاد العربى للإعلام والثقافة تحت عنوان "صورة العرب وحوار الثقافات" رؤية مستقبلية شارك فيها نخبة من كبار الوزراء والسفراء والشخصيات العامة من جميع أنحاء الوطن العربى فى سعى نحو بناء صورة جيدة للعرب وتعزيز حوار الثقافات بهدف الخروج باستراتيجية إعلامية تتشكل أدواتها فى إطار برامج عملية لتعزيز هذه الصورة وبناء حوار إيجابى يعزز الدور العربى الذى يمثل الغاية الكبرى للاتحاد العربى للإعلام والثقافة. وتحدث فى هذا المؤتمر شخصيات مهمة حول هذه الآليات وكيفية تنفيذها عبر برامج مشتركة تدعم الرؤية العربية وتحسن صورتها فى المحافل كافة. الجديد فى الطرح الذى قدمه هذا المؤتمر هو تبنى منهج القوة الناعمة بأدواته المختلفة من سياسة واقتصاد وتعليم وثقافة وإعلام وحقوق إنسان ورياضة وذوى احتياجات خاصة، حيث إن كل هذه العناصر تشكل جزءا من الصورة العربية الكاملة الإيجابية التى نريد تقديمها إلى العالم . خرج المؤتمر بجملة من التوصيات الطموحة ومنها : صياغة خطاب إعلامى عربى جديد يقوم على المهنية والموضوعية، ويعكس التنوع الحضارى والثقافى للمجتمعات العربية، بعيداً عن الصور النمطية والتعميمات. وتعزيز التعاون بين المؤسسات الإعلامية والثقافية العربية عبر وإنشاء منصات مشتركة للحوار وتبادل الخبرات والمحتوى الإيجابى الموجّه للرأى العام العالمى وإطلاق برامج تدريبية للإعلاميين والشباب تُعنى بقضايا حوار الثقافات، وأخلاقيات التناول الإعلامي، وآليات التواصل مع الإعلام الدولى وتشجيع الإنتاج الإعلامى والثقافى المشترك (أفلام، وثائقيات، منصات رقمية) الذى يبرز إسهامات العرب فى الحضارة الإنسانية وقيم السلام والتسامح ودمج قيم التسامح والتنوع وقبول الآخر فى السياسات الإعلامية والمناهج التعليمية، بما يسهم فى بناء وعى مجتمعى منفتح ومتوازن. مع الاستفادة من التحول الرقمى ووسائل التواصل الاجتماعى للوصول إلى جمهور عالمى أوسع، ومواجهة الخطاب السلبى والمعلومات المضللة بآليات احترافية. وإشراك ذوى الهمم والشباب والمرأة فى المبادرات الإعلامية والثقافية، باعتبارهم شركاء فاعلين فى صياغة الصورة المستقبلية للعرب. ثم الدعوة إلى إنشاء مرصد عربى لرصد صورة العرب فى الإعلام الدولى وتحليل اتجاهاتها، وتقديم تقارير دورية مع توصيات عملية لصناع القرار. استمرار عقد المؤتمر بشكل دورى ومتابعة تنفيذ توصياته من خلال لجنة تنسيقية مشتركة بين الجهات المنظمة والمؤسسات المشاركة كذلك تبنى المؤتمر . الدعوة إلى إقامة مهرجان عربى يختص بمجالات السينما والإعلام فى المجالات المختلفة لنقل الصورة العربية المشرفة. وتم فى نهاية أعمال المؤتمر.. إطلاق المبادرة العربية لتحالف حوار بين الثقافات تستهدف تجميع الجهود المشتركة للجهات العربية العاملة فى مجال صورة العرب والحوار بين الثقافات. الحقيقة أن فكرة المؤتمر كانت غير مسبوقة والحشد المميز العربى الذى مثله المشاركون والذين خرجوا بتوصيات طموحة، لن تؤتى ثمارها المرجوة منها إلا من خلال المساندة والدعم المستمر من الجهات الرسمية فى الدول العربية المختلفة وأيضا كافة المنظمات غير الحكومية ذات الصلة ويصبح المجتمع المدنى العربى هو الشريك الرئيسى فى صياغة الصورة العربية الايجابية بما يملكه من أدوات مميزة تمكنه من تحقيق الأهداف المشتركة لصالح الأمة العربية . وفى النهاية، الشكر والتقدير إلى جامعة الدول العربية بقيادة الدبلوماسى الحكيم السفير أحمد أبو الغيط أمينها العام، حيث قدمت الجامعة باستضافتها وترحيبها لفعاليات هذا المؤتمر الفكرى المدنى رسالة قوية على إنها بيت العرب الذى يفتح أبوابه لكل مبادرة عربية صادقة ومخلصة وجادة نحو الصالح العربى وتقدير من الجامعة على دور منظمات المجتمع المدنى العربى كشريك رئيسى فى التنمية والبناء . الرسالة التى خرج بها فريق المؤتمر ومبادرته هى رسالة عربية قوية، ولكن تحتاج إلى تكاتف الجميع لتنفيذها من منطلق أن صورة العرب ليست رفاهية وإنما هو فرض عين لحماية حقوقنا فى التاريخ والإنجاز العربى الحضارى والإنسانى بل وللحفاظ على الحاضر والمستقبل .