يُحيي المصريون اليوم الختام المبارك لمولد السيدة نفيسة رضى الله عنها، سيدة العلم والعبادة، وحفيدة الإمام الحسن بن علي، وهى مناسبة تتجاوز حدود الاحتفال لتصبح محطة للتأمل في سيرة امرأة كانت إحدى منارات الإسلام في العلم والزهد. السيدة نفيسة، التى لُقبت ب "نفيسة العلم"، لم تكن مجرد زائرة لمصر، بل أصبحت جزءًا أصيلًا من روحها الدينية والاجتماعية منذ قدومها عام 193 ه، وهي في الثامنة والأربعين من عمرها. وتُعدّ سيرتها مثالًا حيًا للزهد والإخلاص؛ فقد حفرت قبرها بيدها وكانت تجلس فيه للعبادة وقراءة القرآن، وحجّت ثلاثين حجة، معظمها كانت سيرًا على الأقدام، وهي تتضرع إلى ربها: "إلهي وسيدي ومولاي متعني وفرحني برضاك عني، ولا تسبب لي سببًا يحجبك عني"، وحسبما روت ابنة أخيها زينب، كانت السيدة نفيسة تأكل أكلة واحدة كل ثلاثة أيام ولا تنام الليل ولا تفطر النهار إلا فى الأعياد.
الشافعى ونفيسة العلم: علاقة تضرع وإقرار بالفضل وأما عن علاقتها بالإمام محمد بن إدريس الشافعي، فالتاريخ يشهد بتلك الروابط الروحانية العميقة. كان الإمام الشافعي، الذي توفي عن 54 عامًا، يرسل إليها دومًا طالبًا دعائها كلما نزلت به نازلة. وعندما اشتد عليه المرض قبيل وفاته، أرسل يستنجد بدعائها، فجاءه الرد منها: "رحم الله الشافعي كان يحسن الوضوء"، رسالة إلهية أدرك منها الشافعي قرب لقاء ربه. وبإقرار لفضلها ومنزلتها، أوصى الإمام الشافعي أن تتولى السيدة نفيسة الصلاة عليه، وهو ما كان، ليُسمع هاتف عند الصلاة يقول إن الله غفر لمن صلى عليه ببركته، وغفر للشافعي ببركة صلاة السيدة نفيسة عليه.
آخر مراحل السيدة نفيسة ورحلت السيدة نفيسة عن عالمنا وهي صائمة في عام 208 ه، وتحديدًا وهي تقرأ في سورة الأنعام، حيث فاضت روحها عند قوله تعالى: "لهم دار السلام عند ربهم"، واليوم، يتجدد الاحتفاء بذكرى هذه العابدة الصالحة، التي جمعت بين النسب الطاهر، والتقوى، والعلم الوفير، لتظل منارة إيمان ومحبة في قلب مصر. جانب من المريدين