خبر نقلته إلينا وكالات الأنباء العربية.. وكنت أتابع قراءة كلماته وحروفه وأنا ألهث غير مصدقة لما أقرؤه ويختلجنى خليط مشاعر عجيب متناقض.. بين فرحة غامرة وفخر شديد، وألم يعتصر نفسى التى طال اشتياقها لمثل تلك الفرحة وذلك الإحساس الذى لم أشعر به قط فى حياتى، وكان الخبر كالآتى: رئيس مصر المنتخب دكتور محمد مرسى رفض تهنئة بشار الأسد.. ورد عليه تهنئته بقوله: "تهنئتكم غير مقبولة لأنه ليس لديكم شرعية.. ولا شرعية إلا للجيش السورى الحر.. وعاشت سوريا حرة أبية". هذا الخبر الذى أبكانى وأعتقد أنه أبكى الكثيرين مثلى ممَّن كانوا يشتاقون لموقف واحد تقوم به بلدهم فيفخرون به، ولا يطأطئون الرأس بعده.. أنا وغيرى الملايين ممن ولدوا وعاشوا سنوات عمرهم بكاملها فى عصر الذلة والمهانة.. عصر فيه الخنوع والاستسلام للأعداء خيار استراتيجى.. والخضوع للغرب وهيمنته مواءمات سياسية.. وخذلان الأخ والصديق حكمة وروية.. كنت وغيرى الكثيرون من المغتربين خارج الديار المصرية نتجرع الألم بداخلنا ونستشعر الغصة بحلوقنا حينما نرى فى عيون إخواننا العرب نظرة تملؤها المرارة.. وتختلط بكثير من علامات الاستفهام والاستنكار والألم.. كانت الشعوب العربية جميعها ترى مصر الأخت الكبرى التى - يا للحسرة - تخلت عن حماية إخوانها أو نصرتهم.. بل والأدهى من ذلك والأمَرُّ أنها تحالفت مع عدوها وعدوهم واتفقت معه عليهم.. ولم تراعِ أخوة ولم تحفظ صداقة ولم تأبه لأواصر أو صلات أو دماء تربطها بهم.. والأعجب من كل هذا وذاك هو إصرار تلك الأخت على تذكيرهم دومًا بحقها عليهم كأخت كبرى، والتشدق بعبارات ممجوجة مل الجميع من تكرارها على مسامعهم، مثل: مصر الريادة، مصر القيادة، أم العرب، وأم الدنيا بالطبع.. وقد تكون تلك العبارات سليمة ومحقة حينما تقوم تلك الرائدة وتلك القائدة بدورها فى القيادة ولم الشمل وتوجيه البوصلة وحماية الضعيف ونصرة المظلوم والدفاع عنه والاقتصاص من الظالم والأخذ على يديه.. حينها فقط يكون من حقها أن تعلى راية القيادة وتطلب من الجميع احترامها وإعلاء شأنها، لأن فيه إعلاء لشأنهم أيضًا.. كنت أرى بلادى تتعمد إذلال أبنائها فى كل بقاع الأرض فلا تكتفى بإذلالهم ومهانتهم داخل بلادهم وحسب.. بل كانت سياسة الإذلال تبدو كنهج تعتمده الحكومة المصرية كسياسة عامة لها فى التعامل مع المواطن المصرى مهما كان وأينما كان وحيثما حل.. فلم أكن أستغرب أن أرى البلاد الأخرى لا تحسن معاملتنا كمصريين ولا تحترمنا.. ولكن كان أكثر ما يؤلمنى هو شعورى بالذنب تجاه كل إخواننا العرب الذين بعنا قضاياهم وتاجرنا بها بأبخس الأثمان.. كنت لا أزال أكرر قولى إنى غير راضية عمَّا تفعله حكومتى تجاه القضية الفلسطينية وإننى مثلى مثل كل الفلسطينيين أتمنى لبلدى التحرر ممن اغتصب الحكم فيها وأذل أبناءها وأفقرهم، وكما كان يبيع الفلسطينيين ويتاجر بقضيتهم باعنى وباع شعبى.. كنت أعتذر لكل من أقابلهم من إخواننا العرب وأشرح لهم موقف الشعب الذى لا تعبر عنه قيادته العميلة وحكامه الخونة، وهو الشعب الذى لا يظهر فى إعلام متواطئ يملأ الفضاء ويلوث الأسماع والأبصار ويضلل العقول ويجرح قلوبًا طاهرة يملؤها حب تلك الأوطان التى لم تنقسم إلا بحدود وهمية صنعها محتل غاشم.. قلوبًا تهفو لإخوة تجمعهم به - الشعب - دماء زكية وأرض طاهرة ودين حنيف، وحضارة زاهرة وتاريخ عظيم تزينه البطولات وتتخلله بعض انكسارات كان المشترك فيها جميعًا هو وحدتنا فى كل شىء.. فحينما ننتصر ننتصر معًا، وحينما نهزم ننبطح جميعًا.. ولا يأتى النصر إلا حينما ترفع مصر رأسها وتحمل الراية.. فهل هذا الخبر - بالرغم من بساطته - يؤذن بعصر جديد ترفع فيه مصر رأسها ونرفع معها كمصريين رؤوسنا نفخر فيه بقيادة تعبر عن آمالنا وتمثل أحلامنا وتتكلم بلسان حالنا تتألم لألمنا وتشعر بما نشعر به ونقول حينها: أخيرًا يا مصر؟