في أروقة معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته ال 44، كان صوت الروائي هاني عبد المريد يحمل مزيجًا من الهدوء والتأمل، تمامًا ككتاباته التي تتكئ على الحساسية الشعرية والخيال، من "كيرياليسون" التي لفتت الأنظار إلى عوالم المهمشين، وصولًا إلى "عزيزتي سافو"، العمل الذي خرج من ذاكرة قديمة ليعود متوهجا بعد سنوات طويلة من الانتظار.. وخلال حواره مع "اليوم السابع"، يكشف لنا الروائى ملامح تجربته، وتحولاته الإبداعية، وعلاقته الغريبة بشخصية سافو التي صارت بالنسبة إليه أكثر من خيال.. إلى نص الحوار كيف تصف مسيرتك الأدبية بعد إصدار عشرة أعمال بين الرواية والقصة؟ أرى أن تجربتي تمتاز بالاستمرارية حتى في لحظات التوقف، فكل محطة كانت مرحلة من النضج وإعادة اكتشاف الذات، بين 2016 و2021 نشرت أعمالًا متتالية "أنا العالم" التي نالت جائزة الدولة التشجيعية، ثم مجموعة قصصية، فرواية، ثم مجموعة أخرى، وصولًا إلى "عزيزتي سافو". ما الذي يجعل بعض الكتاب يمرون بفترات توقف؟ بالنسبة لي، كانت هذه الفترات مساحة للتأمل أكثر منها انقطاعًا، كل عمل هو باب يغلق وآخر يفتح، والإبداع يحتاج أحيانًا إلى لحظة صمت كي يكتمل. كيف تتذكر بداياتك مع رواية "كيرياليسون"؟ كانت علامة فارقة في مشواري، تناولت حياة المهمشين، وغيرت نظرة كثير من النقاد لتجربتي. لماذا عدت لكتابة "عزيزتي سافو" بعد سنوات طويلة؟ كتبتها أول مرة عام 2006، ثم تركتها، وعدت إليها لاحقًا لأعيد صياغتها، والحديث عنها صعب لأنها تنتمي لكتابة تأملية وشعرية يصعب اختصارها. كيف بدأت علاقتك بشخصية سافو؟ بدأت بصدفة، وجدت اسمها في كراسة قديمة كتبت فيها أسماء الكتب التي قرأتها قبل ثلاثين عامًا، بعدها وجدت جملة شعرية في كتاب بلا غلاف شدتني "على الرغم من أنها ليست سوى أنفاس.. فإن الكلمات التي تصدر عني أبدية"، وبعد سنوات اكتشفت أنها منسوبة لسافو، وأن أغلب شعرها أُحرق في القرن الثاني عشر، وهذا النداء البعيد جعلني أشعر بروابط خفية معها. ما الذي وجدته في هذه الشخصية ليصبح لها هذا الحضور في الرواية؟ وجدت أنها تشبه رحلة الكاتب نفسه البحث عن الخلاص بالكتابة، وفي الرواية يظهر كاتب معاصر يعاني انسدادًا، فتأتيه سافو في الخيال لتعيد إليه صوته. كيف بنيت العمل السردي في "عزيزتي سافو"؟ الرواية تعتمد أربع طبقات من الحكي الرواية التي يريد بطل العمل كتابتها، والرواية التي تطلبها الناشرة، والرواية التي يكتبها فعلًا للهروب من أزمته، ثم الرواية الكبرى التي تحتوي الجميع، لذلك وصفها النقاد بأنها رواية عن الكتابة نفسها. هل تعد الرواية عملًا تاريخيًا؟ كيف كانت تجربة كتابتها؟ لا، هي ليست توثيقًا، التاريخ فيها مجرد ظلال، والكتابة تقوم على المزج بين الواقع والخيال، أما تجربه كتابتها فكانت حالة استثنائية، في لحظات كثيرة شعرت أن سافو قريبة مني، كأنها جدتي البعيدة. ماذا عن مشاركتك في معرض الشارقة الدولي للكتاب؟ مشاركتي تأتي ضمن جلسة عن علاقة الأدب بالحضارات القديمة، لكنني في الحقيقة أميل إلى "المناطق السحرية في الواقع" أكثر من اهتمامي بالتاريخ، كما يظهر في "أنا العالم" وغيرها من رواياتي. كيف ترى انتقالك من الواقعية إلى الخيال؟ ومن أين تولد فكرة الرواية لديك؟ هو ليس انتقالا فالواقع موجود داخل الكتابة طول الوقت والخيال كذلك فكل منهما ليس بديلا للآخر، ولكن من الممكن أن يكون عمل ما أكثر تخليقا من سابقه.. وهذا بدأ بالواقعية في "كيرياليسون"، ثم تطورت أدواتي فاتسع خيالي دون أن يتغير صوتي، وعن ولادة الفكرة فلا أحد يعرف، أحيانًا تظهر فجأة، وسافو جاءتني هكذا بلا مقدمات. ماذا يمثل لك مجموع إنتاجك الروائي؟ خمسة روايات منذ 2003، رحلات بحث وتجريب للعثور على صوتي، و"أنا العالم" لها مكانة خاصة لأنها تعبر عن روحي فعلًا. كيف ولدت فكرة "أنا العالم"؟ خرجت من تحقيق صحفي أجريته عام 1999 عن شارع محمد علي، من هذا الشارع خرجت شخصيات الرواية، واستغرق العمل أربع سنوات من البحث والكتابة. ما سر حضور شخصية الجدة الشعبية في الرواية؟ استلهمتها من مشاهد حقيقية لنساء يمارسن الطب الشعبي، أردتها رمزًا للحكمة الشعبية الممتزجة بالأسطورة.