من حق الشعب المصري العظيم وحكومته وقيادته السياسية أن يفرحوا بهذا الإنجاز العالمي على أرض المحروسة، إن هذا الحلم الذي بدأ كفكرة منذ سنوات طويلة تُراود كل الأثريين والمتخصصين نظرًا للعدد الكبير من الآثار المصرية التي لم تُعرض بعد، وأخذ كمشروع طريقه إلى النور عام 2004 عبر وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسني، واستغرقت دراسة الجدوى عدة سنوات بتمويل دولي، ولضخامة وعِظمة الحدث كونه لأول مرة على مستوى العالم تجتمع ما يقارب من مئة ألف قطعة أثرية في مكان واحد بجوار الأهرامات بتقنيات حديثة وطرق عرض مبتكرة. وهنا سؤال: لماذا من حقنا كمصريين أن نفرح ونفتخر بافتتاح المتحف؟ نعم من حقنا أن نفرح ونفتخر بحضارتنا وعراقتنا، فمصر جاءت ثم كُتب من بعدها التاريخ، ومصدر فخرنا ليس لكونه أكبر متحف في العالم، وكذلك من حقنا أن نفخر لأنه أشهر متحف ينتظره المثقفون والأثريون والسائحون ومختلف الشعوب حول العالم، نعم من حقنا أن نفتخر كونه يعرض قطعًا أثرية يعود تاريخها لأعرق حضارة عرفتها البشرية وهي الحضارة المصرية القديمة، نعم من حقنا أن نفتخر بالأمن والأمان ودقة وروعة التنظيم، نعم من حقنا أن نفخر بمستوى الحضور من ملوك وأمراء ورؤساء وشخصيات مهمة ومنظمات دولية وشخصيات رفيعة المستوى، نعم من حقنا أن نفتخر بدقة التنظيم وروعة الاحتفالية، نعم من حقنا أن نفتخر.. إلخ من الإنجازات، فمن الممكن أن أكتب مجلدات عن مصادر الفخر بافتتاح هذا الحدث الثقافي العالمي، فجميع دول العالم من الممكن أن تفعل الكثير الكثير. لكننا كمصريين نختلف عنهم ونتفوق بأننا الوحيدون الذين يستطيعون أن يفتحوا متحفًا بهذا الحجم الكبير من القطع الأثرية الأصلية، ونمتلك أضعافها في باطن الأرض وفوقها، وجميعها تتحدث عن حضارة واحدة، الحضارة المصرية التي لم تبح بأسرارها بعد. ومصدر الفخر والعزة بالإضافة إلى ما سبق من مصادر فخر أعجز أن أذكرها في مقال واحد، ويمثل إعجازًا لجميع دول العالم؛ أنه توجد بين مقتنيات المتحف المجموعة الكاملة للملك الذهبي توت عنخ آمون والتي تُعرض كاملة لأول مرة في التاريخ – كإنجاز وإعجاز، لأنها المقبرة الملكية التي اكتُشفت كاملة، فالإعجاز الحقيقي للعالم أجمع أن المقتنيات مصرية تعبّر عن تاريخ الحضارة المصرية الخالدة. وهنا سؤال آخر: لِمَ يُنسب هذا الإنجاز؟ في البداية، هذا السؤال يطرحه كل من تتعارض مصالحه مع نهضة مصر وقوتها وعودتها كقوة إقليمية ودولية تُساهم في حفظ السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط والعالم، فلابد أن يكون راسخًا في أذهان الجميع أن مصر دولة بها الكثير من المفكرين والمهندسين والعلماء في كافة التخصصات، ويوجد الكثير والكثير من المشروعات العملاقة على مر العصور ما زالت في الأدراج، فهذه الأفكار والمشروعات ملك من فكروا فيها، وبمجرد تحولها من فكرة إلى مشروع قابل للتنفيذ أصبحت ملك الدولة، فمشروع المتحف الكبير فكر فيه وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني وعرضه على الرئيس الراحل مبارك، ورحب بالمشروع، لكن وفق تصريحات الوزير السابق فاروق حسني التلفزيونية، أول سؤال من الرئيس الراحل: من أين مصادر التمويل؟ وهو أهم بند في تحويل المشاريع إلى واقع ملموس، وكان الرد – وفق التصريحات – أن المشروعات الثقافية العالمية مصادر تمويلها متعددة، وتوقف المشروع بعد أحداث يناير. ولكن مع بدء الجمهورية الجديدة، وفي إطار الخطة التنموية 2030، وبوجود الإرادة السياسية وتوفير التمويل عبر عدة مؤسسات دولية ومنها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي "جايكا"، بدأت مصر في استكمال المشروع، وطورت الحكومة المصرية جميع الطرق والبنية الأساسية حول المشروع، ووفرت وسائل المواصلات الحديثة، وحسّنت من الرؤية البصرية حول المشروع، وربطت المتحف بالأهرامات عبر ممشى سياحي، وأذكر أعداء مصر الذين يتساءلون: لمن نُنسب مشروع المتحف الكبير؟ للعصر الحالي أم لعصر ما قبل ثورة يناير؟ أقولها بلسان ملايين المصريين: يُنسب المشروع إلى مصر، فالرئيس السيسي لم يُطلق اسمه على أي مشروع، وأعداؤه ومحبوه يتساءلون: بتجيب فلوس المشروعات دي منين؟ والإجابة التي لا لبس فيها أن مصر هي الحضارة والتاريخ، إنها أم الدنيا، ومن حقها أن تفرح، فتاريخ مصر الممتد عبر آلاف السنين وحكامها من الملوك والرؤساء السابقين لكل منهم إنجازاته نختلف أو نتفق مع سياساته. منذ فجر التاريخ بُنيت الأهرامات والمعابد، وحُفرت من بعدها قناة السويس وقلعة محمد علي والأزهر الشريف والسد العالي... إلخ، وصولًا إلى العاصمة الإدارية الجديدة وبناء الجمهورية الجديدة، ولا يزال طريق الإنجازات طويلًا ومفتوحًا طالما بقيت الحياة، إنها مصر. فنحن نفتتح المتحف بعد استكمال بنائه ونحتفل بتاريخ أجدادنا وحضارتنا وملوكنا السابقين، فالإنجازات تُنسب للعصر الذي شُيدت فيه وتتحول إلى مقتنيات وفخر وعزة للأجيال المتعاقبة من الشعب المصري العظيم، ما هو المغزى والرسالة التي ترسلها مصر إلى جميع دول العالم بهذا الافتتاح الراقي والحضور الدولي المرموق؟، ويُعتبر هذا الافتتاح المشرف رسالة أمن وأمان وترحيب بجميع ضيوف مصر، بسم الله الرحمن الرحيم: "فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" صدق الله العظيم، الآية رقم (99) سورة يوسف. إن التاريخ والحضارة والجغرافيا الجيوسياسية لا يمكن لأي دولة في العالم أن تُنازع مصر فيها، فنحن دولة قيادتها السياسية لا تتكلم كثيرًا، بل تعمل بعلم وتقوى وتترك إنجازاتها هي من تتحدث؛ فاليوم أفرحوا شعب مصر، إن هديتنا ومنارتنا الثقافية لجميع شعوب العالم المحبة للسلام هو يوم خالد في تاريخ البشرية، فمنارتنا ثقافية وإعجازية، فالعالم مهما تقدمت علومه وإمكاناته يقف عاجزًا أمام روعة ودقة النقوش في القطع الأثرية المصرية. دمتم في أمن وأمان، ومرحبًا بالزائرين والضيوف على أرض مصر المباركة، وتحيا مصر.