صدق الله العظيم حين قال في كتابة العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)، فبالفعل أحيانًا معرفة الإنسان بالأشياء والأمور بشكل زائد على الحد تتسبب في إيلامه، وإثارة القلق بداخله، فللأسف هناك أشخاص تظن أن معرفتها ببواطن الأمور واطلاعها على كل شيء سيكون له أثرًا إيجابيًا عليهم، ثم يكتشفون فيما بعد أن بداية عذابهم كانت منذ درايتهم بهذه الأشياء. فهناك حكمة إلهية في أن يكون علم الإنسان محدودا، وأن يظل حتى نهاية الخليقة غير مُطلع على العديد من الأمور، لذا علينا ألا نسعى إلى فك شفرات كل شيء، والتنقيب عن كل الأسرار والاطلاع على كل ما هو ناقص بالنسبة لنا، فهذا لن يجني سوى العذاب والخوف، فكم من شخص ظل يسير وراء فضوله حتى ندم، لأن ما عرفه كان فوق طاقته واحتماله، فعلينا أن نحترم فكرة أن هناك سقف لابد أن نقف عنده. فمثلا ليس كل الناس لديهم دراية كاملة بالطب، ولكن البعض ممَّنْ يُقررون معرفة أكبر كم من المعلومات عنه، في حين أن هذا ليس مجال تخصصهم، يُصابون بالهلع الشديد عندما يكون أحد ذويهم في حالة حرجة، لأنهم يُصبحون على دراية كافية بالتفاصيل التي تُقلقهم إذا أصاب الحالة أي اضطرابات أو عدم استقرار، في حين أن مَنْ لم يَخُضْ في هذه المسائل بشكل مُوسع، قد يكتفي بأن المريض على قيد الحياة، وأنه يعي بكل شيء مُحيط من حوله، ويتركون الأمر للأطباء المتخصصين ، فتكون حالتهم النفسية مُستقرة، وربما يُؤثرون بشكل إيجابي على المريض، فعدم المعرفة الكاملة لها إيجابياتها في بعض الأحيان، وأكبر دليل على ذلك أن المولى عز وجل خلق البشر مُختلفين في مواهبهم وقدراتهم وإمكاناتهم، بالرغم من أنه كان بإمكانه أن يجعلهم على دراية بكل المجالات، ولكنه آثر أن يكون لكل إنسان المنطقة التي يُجيدها، حتى لا تتداخل الأفكار، وحتى نحتاج لبعضنا البعض ونُكمل النواقص فيما بيننا. وأظن أن الكثير منا ردد عبارة: "يا ليتني لم أعرف" بعدما أصر أن يُنقب عن أحد الأمور والأسرار، وندم بعدها لأنها سببت له صدمة، وتمنى أن يعود به الزمن للخلف وألا يطلع عليها. فالرغبة فى زيادة العلم والمعرفة محبذ ومطلوب، أما الرغبة فى الوصول للأسرار وخفايا الأمور الشائكة قد يخلق حالة من البلبلة النفسية والشتات الذهنى. لذا، علينا ألا نُقرر معرفة كل شيء، بل ندع مسافة في بعض الأحيان تُحقق لنا السلام النفسي الذي يُعيننا على استكمال مشوار الحياة في هدوء وأمان.