في كل موسم من مواسم الهالوين، تتزاحم على الشاشات أفلام تحمل مزيجًا من الإثارة والظلام والخيال، وقد يجلس الأطفال أمامها بفضولٍ كبير لاكتشاف عوالم "الأشباح" و"المنازل المسكونة". تبدو المشاهدة للوهلة الأولى ترفيهًا بريئًا، لكنها في الواقع تترك أثرًا نفسيًا يتجاوز لحظة الخوف العابر، ويمتد إلى مراحل لاحقة من النمو. وفقًا لتقرير نشره موقع Marquette Wire، فإن أفلام الرعب الموجهة للأطفال، رغم تصنيفها ضمن الفئة العائلية (PG)، يمكن أن تزرع في أذهان الصغار صورًا مقلقة تبقى حاضرة في ذاكرتهم لسنوات طويلة. ويشير التقرير إلى أن بعض هذه الأفلام – مثل كورالاين وبيت الوحش – تمزج بين البراءة والظلام بطريقةٍ تربك المتلقي الصغير الذي لا يملك بعد أدوات التمييز بين الواقع والخيال أو آليات الدفاع النفسي ضد الرعب. عقول الأطفال لا تُفلتر الخوف كما يفعل الكبار يُجمع الأطباء النفسيون على أن عقول الأطفال تعمل بطريقة مختلفة عند مواجهة المشاهد المزعجة؛ فهي لا تفصل بين المشاعر والتجارب البصرية كما يفعل البالغون. الطفل لا يرى "مشهدًا تمثيليًا"، بل يعيشه كما لو كان حدثًا حقيقيًا يهدده مباشرة. لذلك، فإن صور الكائنات المشوهة أو الأصوات الحادة المفاجئة يمكن أن تُحفّز استجابات جسدية ونفسية تشبه نوبات القلق أو الذعر الليلي. وتوضح أخصائية علم النفس السريري ناتالي سكانلون – التي نُقل عنها في التقرير – أن التعرض المبكر للمشاهد العنيفة أو المخيفة قد يؤدي إلى أعراض تشبه اضطراب ما بعد الصدمة، خاصةً عند الأطفال الأصغر سنًا. فالدماغ في هذه المرحلة ما زال يتطور، وأي محفّز قوي قد يترك "بصمة" عصبية دائمة ترتبط بالخوف وعدم الأمان. الرعب الموجّه للصغار… حدود غير واضحة الفارق بين "التشويق الآمن" و"الرعب المؤذي" ليس واضحًا دائمًا في السينما الموجهة للصغار. فبعض المخرجين يستخدمون عناصر بصرية صادمة لإثارة الفضول، لكن النتيجة قد تكون عكسية تمامًا. دراسة حديثة من جامعة ميشيغان أظهرت أن ربع طلاب الجامعات الذين شاركوا في الاستطلاع ما زالوا يتذكرون مشاهد مخيفة من أفلام شاهدوها في طفولتهم، مع أعراض لاحقة مثل اضطرابات النوم والكوابيس والقلق المزمن. هذه النتائج تدعم فكرة أن الخوف غير المعالج لا يزول، بل يُعاد إنتاجه في المراحل اللاحقة من النمو. ذاكرة الخوف أقوى من الترفيه الخطر في هذه التجارب لا يكمن في مدة الفيلم، بل في الرسائل الضمنية التي يحملها. فحين يربط الطفل الأم أو المنزل أو الظلام بتهديدٍ دائم، يُصبح هذا الترابط جزءًا من بنيته الإدراكية. وقد ينعكس ذلك على سلوكه الاجتماعي أو تحصيله الدراسي أو ثقته بالآخرين. يقول علماء النفس إن الأطفال بحاجة إلى "خاتمة آمنة" في السرد، أي لحظة طمأنة تتيح لهم فهم أن ما شاهدوه مجرد خيال، لا تهديد حقيقي. لكن معظم أفلام الرعب الموجهة للأطفال تُبقي النهاية مفتوحة، فتترك الخوف معلّقًا في اللاوعي. مسئولية الأسرة في حماية الوعي البصري دور الوالدين لا يتوقف عند اختيار ما يُعرض على الشاشة، بل يمتد إلى الحوار بعد المشاهدة. يحتاج الطفل إلى من يفسر له الرموز والمشاهد بأسلوب واقعي يضع الأمور في سياقها الصحيح. كما يُنصح بتجنّب عرض أي محتوى مخيف قبل النوم أو أثناء العزلة، لأن الدماغ في تلك اللحظات يكون أكثر تقبلاً لترسيخ الصور في الذاكرة طويلة الأمد. بين المتعة والخطر… خيط رفيع لا يمكن إنكار أن الرعب عنصر جذب قوي حتى للأطفال، فهو يثير الفضول ويدفعهم لتحدي الخوف. لكن المشكلة تبدأ عندما يتحول "اللعب بالخوف" إلى تجربة نفسية مربكة. الحل ليس في المنع المطلق، بل في المراقبة الواعية والمشاركة في المشاهدة. يمكن للوالدين تحويل الفيلم إلى فرصة للنقاش عن الشجاعة والخيال بدلاً من ترك الطفل فريسةً للكوابيس. حساسية المحتوى البصري لدى الصغار كبيرة، فاللقطة التي تبدو مسلية للكبار قد تُصبح كابوسًا للطفل