تتغير البلاد وتتبدل الشعوب ويظل الإرهاب والتطرف واحداً، حتى وإن تغيرت وجوهه، يتحرك وفقاً لمصالح قوى الظلام ويحقق أهدافها المستترة مهما كلفه ذلك من دماء، فأصبح العالم الأن اشبه بالكابوس "فيلم رعب" نهايته مفتوحة، ربما ينتهى أو يتوقف جزء في مكان ما، لتبدأ أجزاء لا نهاية لها في بلدان ودول أخرى، فبعد أن التقطنا أنفاسنا أخيرا بتوقف إطلاق النار في غزة، بدأت الحرب بين الجيش السوداني وميليشيات الدعم السريع في التصاعد، وفي الوقت الذى تراجعت فيه جرائم الكيان الصهيوني وتلاشت مشاهد الإبادة الجماعية في فلسطين، انتشرت مشاهد أكثر قسوة في السودان، فأصبحت "السوشيال ميديا" الآن نافذتنا نحو عالم أكثر إجراماً. فما نراه الأن في إقليم دارفور وفي مدينة "الفاشر" مؤخراً، ما هو إلا إبادة ممنهجة للشعب السودانى، اختراق واضح وصريح من ميليشيات الدعم السريع لكل مفاهيم الرحمة والإنسانية، وكل القواعد والقوانين الدولية، فتضاءلت كلمة " جرائم حرب" أمام وحشية ودموية الجرائم المرتكبة داخل السودان، النساء والأطفال الأبرياء يقتلون كل يوم دون وجه حق، والرجال والشيوخ العزل يعدمون دون أي ذنب يذكر. الميليشيات المتطرفة لم تترك باباً للظلم إلا وطرقته، لم تترك نافذة للرحمة إلا وأغلقتها، والجيش السودانى للأسف لم يترك خطوة للتراجع للخلف إلا واتخذها، فأعلنت قيادات الجيش السودانى مؤخراً عن انسحابها الكامل من "الفاشر" بحجة الخوف على الشعب السودانى ومحاولة إيقاف إراقة دمائهم، على أساس أن تراجعهم وسيطرة الميليشيات على قاعدة الجيش السودانى في "الفاشر" دون أدنى مجهود ودون مواجهة تذكر سيأمن ذلك أبناء السودان من بطش الميليشيات!!! وماذا بعد الانسحاب؟.. أطفال ونساء تغتصب أطباء تختطف، فدية تتعدى ال 100 مليون جنيه سودانى تطلب من أهالى المخطوفين، وكأنها تسعيرة "للرأس الواحدة"، هل هذا هو الأمان الذى أراد الجيش السودانى تحقيقه لشعبه بالانسحاب؟ أم التراجع من أجل الشعب كان ستار وحجة تخفى ضعفهم وتفرق صفوفهم، وعدم قدرتهم على المواجهة وخوفهم من الهزيمة، فتناسوا أن الهزيمة بشرف وأن تحاول الدفاع الحقيقى عن بلدك وأرضك أفضل بكثير من الانسحاب والتراجع وترك شعبك يواجه مصيره على يد ميليشيات لا تعرف للإنسانية سبيلاً. فمشاهد قتل العزل وتهديد الأمهات وإعدام أسر كاملة أصبحت تروع أماننا النفسى نحن المشاهدين من خارج السودان، فما بالك من يعيشونها كل لحظة، وتحيلنا إلى مقولة واستراتيجية عسكرية لا يمكن تجاهلها في عالمنا الحديث، " إذا أردت السلام فاستعد للحرب" تلك المقولة التى ينسبها البعض إلى "يوليوس قيصر"، وينسبها البعض الأخر "لنابليون بونابرت،" ويقول البعض الآخر أنها جاءت في كتاب "في شؤون الحرب" للمؤلف الروماني فيجتيوس، وتعددت مصادرها ومراجعها ويبقى أثرها واحدا نراه كل يوم ونتحقق منه مع كل حرب أو غزو أو اغتصاب أرض وتهديد شعبها بالإبادة في مقابل شلل جيشها الوطني واستبدال مواجهته للعدو بالانسحاب. فالقوة العسكرية المستعدة والمتأهبة والمتأهلة للقتال في أي وقت وتحت أي ظرف، وحدها القادرة على تجنب الحروب وتحقيق السلام، هذا ما يجب أن ينظر له قادة الشرق الأوسط بعين الاعتبار، فالتعدي على الأراضي والطمع في ثروات البلاد لا يأتى بسابق إنذار، ولا يخطر المتطرف ضحيته قبل الهجوم حتى تأخذ احتياطها لتستعد للقتال، هذا لا يحدث حتى في المدينة الفاضلة التى تمناها أفلاطون، فالاستعداد الدائم أصبح ضرورة في عالم لا يعترف إلا بالقوة، فدعونا نعيد ترتيب المشهد في السودان إذا كان الجيش السوداني علي اتم الاستعداد للقتال من ناحية التسليح والتدريب والتخطيط ، أعتقد أنه كان سيحكم قبضته علي البلاد من الوهلة الأولى، كانت قدرته سبقت تعدي ميليشيات الدعم السريع وشلت تحركاتها وأغلقت أمامها أي فرصة لتنفيذ أهدافها، كان الانسحاب من "الفاشر"، وترك المواطنين يواجهون مصيرهم ويواجهون ميليشيات لا تعرف معنى الرحمة والعدل، أمرًا غير مطروح من الأساس، كان سيواجه ويحمى ويدافع عن بلده وأرضه وعرضه، بدلا من أن ينسحب ويتخلي عنها، بل كان سيسحق فكرة التعدي على أراضي السودان قبل أن تولد حتى في عقل الميليشيات ومن يدعمها، كان سيحقق السلام دون أن يدخل حرب من البداية. لذلك في وجهة نظرى أن الشعب السوداني الشقيق ضحية ميليشيات الظلم والخراب ، وضحية تراجع الجيش عن الاستعداد.. فلا خوف على بلد يؤمن بالقوة العسكرية ويعلم أن تجنب الحرب لا يأتى إلا بالاستعداد له.