نعم وبكل أسف وأسى.. هذا هو هو حال مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية اليوم.. تراجعت العملية التعليمية والتربوية وتصدرت فيديوهات العنف والضرب والسباب منصات مواقع التواصل الاجتماعى، وشاشات الفضائيات والمواقع الإخبارية، بل وأصبحت وقائع جرائم العنف بين تلاميذ المدارس بين المستشفيات وأقسام الشرطة وأروقة المحاكم. ففى الوقت الذى تُعد فيه المدرسة البيئة الأساسية التي يتشكل فيها وعي الطفل ويُبنى مستقبله، باعتبارها أكثر من مجرد مؤسسة تعليمية، بل فضاء اجتماعي وتربوي يُغرس فيه القيم والمبادئ والسلوكيات التي تصقل شخصية الطالب على مدار حياته، تحولت تلك البيئة إلى ساحة مفتوحة للمشاجرات والعنف والجرائم التي تبدأ من التنمر والتراشق اللفظى إلى الاشتباك الجسدى ومؤخرا استخدام المطاوى والأسلحة البيضاء من جانب أطفال لم يبلغوا سن الرشد، ليكون حوش المدرسة شاهد على زمن توارت فيه الكراسات والكتب والأقلام وارتفعت فيه الأسلحة البيضاء والسكاكين. لقد أصبحت ظاهرة العنف المدرسي واحدة من القضايا التي تثير القلق المتزايد، حيث تزداد تقارير المنظمات التربوية والحقوقية عن مشاهد العراك، والتعدي الجسدي أو اللفظي بين الطلاب، بالإضافة إلى انتشار التنمر داخل الفصول المدرسية وخارجها، التي تحتاج إلى دراسة مجتمعية شاملة لإعادة الأمور إلى نصابه الطبيعى، والعودة بالدور الحقيقى الفاعل للمدرسة والمؤسسات التعليمية، وكافة أطراف المنظومة من مسئول ومعلم وطالب. أنا شخصيا شاهد على واقعة مأساوية، لا أتمنى لأى أب أن يعيش تفاصيلها ولا يكتوى بنار الفجعة في ابنه أعز ما يملكه في الدنيا. صديقى وأخى الأكبر حسن.. تاجر مجتهد من عائلة يكن لها الجميع في القرية كل الاحترام والتقدير.. يكد ويتعب كالسواد الأعظم من المصريين من أجل تأمين مستقبل أبنائه.. محمود حسن.. الولد الوحيد لأبيه.. الحلم الذى يرى فيه والده الشقيان الكادح العوض عن سنوات الشقاء والتعب.. في الصف الأول الثانوى يذهب إلى الدرس لتحصيل دروسه.. فيقتحم الحصة تلميذ أقل ما يُقال في حقه – مشروع بلطجى – حاملا بين طيات ثيابه آلة حادة – مشرط – وفى أقل من لحظة يصيب محمود في وجهة وحسب التقرير الطبي جرح قطعى بين الأذن والعين طوله 20 سم. صديقى حسن على رأس عمله تأتيه مكالمة هاتفية تقلب حياته رأسا على عقب - إلحق ابنك زميله ضربه بمشرط في الدرس وسايح فى دمه - أي درس وأى تعليم.. يخرج ابنى لتحصيل درسه فيعود مضرجا في دمائه.. أى ذنب اقترفه ليكون عقابه وصم وجهه بعاهة مستديمة تلازمه طوال حياته وتكون شاهدة على وقت تحولت فيه الحصص الدراسية إلى ساحة قتل وتشويه.. ماذا يفعل الأباء لحماية أبنائهم؟ّ!.. هل يضعون داخل حقيبتهم المدرسية الكراسة والكتاب والقلم، أم سكين ومشرط وآلة حادة للدفاع عن أنفسهم ضد أى اعتداء محتمل. زميلنا الصحفى الشاب أحمد عبد الهادى أعد تقريرا رصد فيه أبرز الجرائم التي شهدتها المدارس في الآونة الأخيرة، أبرزها واقعة الطالبة كارما في مدرسة بالتجمع الخامس، صاحبة ال 13 سنة والتي تعرضت لاعتداء من قبل 3 طالبات أخريات داخل حرم المدرسة، من خلال مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي أظهر تعرض كارما للضرب، مما أدى إلى إصابتها بكدمات وإصابات مختلفة، ودعت وزارة التربية والتعليم إلى فتح تحقيق عاجل واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الطلاب، وقررت فصل الطالبات المتسببن في الواقعة وفرض قرارات على المدرسة بسب الإهمال، واقعة مدرسة سراي القبة. وفي منطقة الزيتون، أمام مدرسة سراي القبة الإعدادية، نشبت مشادة كلامية بين طالبتين في المرحلة الإعدادية، تطورت المشادة إلى مشاجرة، حيث قامت إحدى الطالبات، بالاعتداء على زميلتها باستخدام قطعة زجاج مكسورة، مما أدى إلى إصابة الأخيرة بجرح غائر في الوجه استدعى 40 غرزة للعلاج، وجاء بالتحقيقات التي أجريت إلى أن الدافع وراء الاعتداء كان تنمر المجني عليها المستمر على المتهمة. في إحدى المدارس الدولية بالإسكندرية، نشبت مشاجرة بين مجموعة من الطلاب، تطورت إلى استخدام أدوات حادة، مما أدى إلى إصابة طالب بجروح خطيرة، وتم نقل الطالب المصاب إلى المستشفى لتلقي العلاج لاصابته باصابات قطعية نافذه في البطن، وتوصلت التحقيقات الى ان الطلاب شاهدوا طالب زميلهم اثناء خروجهم من مركز للدروس حاول معاكسة زميلتهم، إلا أنهم تدخلوا لإنهاء ما يحدث مما دفع الطالب المتهم باستخدام سلاح أبيض وإصابة الثلاثة منه مصاب فى حالة حرجة، والطلاب في المرحلة الثانوية. والكثير والكثير من الحوادث التى أصبحت من الطقوس اليومية التي اعتادت آذاننا على سماع تفاصيلها الكارثية، ودأبت أعيننا على مشاهد عنف ودموية لا يستوعب عقل أنها صادرة من أطفال لا تتجاوز أعمارهم ال15 عشر سنة. يمس العنف في المدرسة جميع الأطراف، فقد يكون العنف المدرسي بين التلاميذ الأكثر شيوعًا، لكنه قد يشمل أيضًا سلوكيات غير ملائمة من قبل المعلمين أو حتى الإدارة، وفي بعض الأحيان يمتد إلى علاقة أولياء الأمور، لذلك فإن مكافحة هذه الظاهرة تتطلب فهمًا شاملاً لكل أشكال وأسباب العنف المدرسي ودورها داخل حياة الطلاب والمؤسسات التعليمية. أسباب العنف المدرسي، تشمل اضطرابات نفسية وسلوكية، فقد يعاني بعض الطلاب من اضطرابات مثل الاكتئاب أو فرط النشاط، مما يجعلهم أكثر عرضة لسلوك عدواني، كما أن البيئة الأسرية لها دور كبير، فالطفل الذي ينشأ في بيئة يسودها العنف أو الإهمال، غالبًا ما يعكس هذا السلوك في محيطه المدرسي. يمكنن القول في النهاية، إن العنف المدرسي ليس مجرد انحراف سلوكي عابر، بل هو جرس إنذار ينبئ بوجود خلل عميق في المنظومة التربوية والاجتماعية المحيطة بالطفل. فحين تتحول المدرسة من بيئة حاضنة وآمنة إلى فضاء يشوبه العنف والخوف، فإن ذلك يُهدد الرسالة التربوية بأكملها، ويفتح المجال أمام نشوء جيل يعاني من الاضطرابات النفسية والعاطفية، وقد يحمل معه هذه التجارب السلبية إلى مستقبله وحياته المجتمعية. والمسؤولية في هذا الصدد لا تقع على جهة واحدة فقط، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الأسرة، والإدارة المدرسية، والمعلمين، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني، وحتى صناع القرار، إذ يجب أن نؤمن بأن الوقاية من العنف المدرسي ليست رفاهية، بل هي استثمار حقيقي في الإنسان، وفي مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا. لذا فإن بناء بيئة مدرسية آمنة، قائمة على الحوار، وقبول الآخر، والعدالة، ليست مهمة مستحيلة، لكنها تحتاج إلى رؤية واضحة، وإرادة حقيقية، وخطط مستدامة، فالتعليم لا ينجح فقط من خلال المناهج والمعلمين، بل أيضًا من خلال القيم التي تُغرس في نفوس الطلاب، وفي الجو العام الذي يعيشه الطفل يوميًا داخل المدرسة.