ماهية المجتمع المتماسك تبدو جلية في استقراره واطمئنان أفراده، وهذا ما وصفته وسطية المعتقد، المؤكدة على صون الدين والنفس والعقل والعرض والمال؛ ومن ثم تجد الجميع يتوافق حول المنظومة القيمية، التي تقوي البنيان وتشد العضد، وتحفز الجميع نحو إحداث النهضة الموفرة لمقومات الخروج من حالة العوز، والوصول إلى عتبة الرفاهية المسبوقة بعمل جاد مستدام متقن، يؤدي حتمًا للريادة ويخلق مناخًا مواتيًا للتنافسية، وهو ما يضمن حالة تداعي الاصطفاف خلف الوطن الذي يسكن في قلوب قاطنيه. فقه شباب الوطن بالثوابت وتمسكهم بالقيم يقوي عزيمتهم تجاه تحقيق غايات الوطن العليا، ويأتي في قمتها حماية مقدراته وصيانتها والعمل على تنميتها والتكاتف؛ من أجل تحقيق ماهية الأمن القومي في أبعاده المختلفة، ناهيك عن ولاء وانتماء تترجمه سلوكيات، تؤكد على المصداقية وشرف البطولة، التي تتضح في المواقف الصعبة، وعند تفاقم الأزمات توالي النوازل، وتنامي التحديات بكل أنواعها، وبناءً على ذلك يتفهم الأبناء أن كل ما يضير العقل يؤثر على البنيان، ويقوض العزيمة وينال من آمال وطموحات وأمنيات الإنسان، بل، يفتح أمامه أبواب الضلال والوقوع في براثن الظلام. أهمية صيانة العقول باعتبارها القادرة على تقديم البرهان، أو الشاهد، أو الدليل على صحة ما نعتقده، أو نكون قناعة تجاهه، وهذا يؤكد على مدى صحة الأفكار، التي نحوزها وسعينا المستمر في حيازة أفكار جديدة تبني على معلومات صحيحة، وهنا تتنامى فرصة تعديل الاتجاهات لدينا وتنقيح الفكرة التي يشوبها جوانب غامضة؛ ومن ثم يعد ذلك تقييم ذاتي يمكننا من تطوير أنفسنا في خضم مرونة تشير إلى ماهية المرونة المانحة للانفتاح الذي يقوم على ماهية الانضباط الذاتي وفق معايير تضمن تجنب تسلل أفكار مشوبة من مصادر غير موثوق فيما تحمله الأوعية الخاصة بها. الحصانة الفكرية لا تعني الانغلاق أو تدشين سياج يمنع الفرد من أن يتفاعل مع الآخرين، بل، فرصة سانحة للمراجعة الذاتية في ضوء ثوابت القيم النبيلة التي نعتنقها وتبدو واضحة فيما نمارسه من أداءات تشير إلى الاتصاف الأخلاقي، وبناءً على ذلك تصبح المناعة العقلية في تعديل الاستجابات التي تصدر منا سواء أكانت لفظية أم سلوكية، وهذا يضمن صحة التصرفات التي تصدر منا لتناول القضايا والمشكلات التي نتعرض لها، وإذا ما أخفقنا نسارع في تقييم الموقف لنتأمل مواطن القصور أو الضعف أو الخلل ونعاود طرح بدائل أخرى بعد مرحلة من مراجعة مسارات التفكير. الانفتاح العقلي المعرفي يتناغم مع فلسفة الحصانة الفكرية بما يؤكد تجنب الإنسان منا لمنحى التحيز سواءً لوجهة نظره الخاصة أو تبنى رؤى الآخرين؛ لذا نرصد حالة من التريث التي تتم خلالها عملية المعالجة المعلوماتية وفيها يراجع الفرد تفسيراته واستنتاجاته ويوازن بينها وبين مستجدات الموقف في مساقه الجديد، وهنا نضمن ديمومة التفكير الإيجابي الذي يؤدي إلى البنائية ومنها إلى تحقيق نتاجات تسهم في تحسين ممارستنا بكافة أنماطها، وهذا ما يضمن ماهية رشد التفكير واعتدالية وجهات النظر، بما يبعدنا عن الانحراف وآثاره السلبية. نظريات العقل أكدت عبر فرضياتها ومبادئها على أن سلامة الفكر يقوم على الاعتدالية التي تترجمها ممارسات تساعد في تنمية مهارات التفكير العليا لدى الإنسان؛ ليصبح قادرًا على إبداء وجهات نظره موظفًا ما لديه من معلومات صحيحة في رسم رؤى واضحة يتوافق حولها الآخرون، بعد تقديمه للمبررات المنطقية التي تعزز الأسباب وتوضح ثمرة النتائج المرتقبة، وهذا لا ينفك عن موثوقية ومصادر المعلومات والبيانات الاستدلالية التي تعضد القضية محل الاهتمام المشترك، بما يساعد على صناعة قرارات تتخذ لا تعتمد على العاطفة؛ لكن ترتكن على أدلة وشواهد تقوم على منطقية تفكير صحيحة. سياج المنعة الفكرية يحمينا من التفريط ويبعدنا عن الغلو ويقينا من التطرف، ويقربنا من طريق الاعتدالية؛ لنصل لمسارات النهضة بمزيد من الجد والاجتهاد والإتقان، وهذا ما يرسخ إيجابية الوجدان.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. _ أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة - جامعة الأزهر